عاصفة الحزم ومشروع القرار الخليجي
بقلم/ احمد عبد الله مثنى
نشر منذ: 9 سنوات و 7 أشهر و 15 يوماً
الجمعة 10 إبريل-نيسان 2015 09:14 ص
كنت قد كتبت مقالا سابقا أشرت فيه إلى بعض أسباب القلق حول مستقبل اليمن بعد هذه العاصفة، وكان أحد أهم تلك الأسباب هو موقف روسيا، وقلت: إن روسيا لن تترك حليفتها إيران، ولن تخيب ظنها ومن وراء روسيا الصين- أيضا- فمن الذي أوصل المشهد السوري إلى ماهو عليه؟! أليس حضور روسيا في هذا المشهد هو السبب الأهم؟!
واليوم تقدم دول الخليج مشروع قرار يخص اليمن، وهنا تبرز عدة تساؤلات لا بد من الإشارة إليها مهما كانت صريحة؛ لأن تجاهلها يعني التضليل والخداع في أهم القضايا التي تخص مستقبل وطننا الحبيب،
ولأن هذه المرحلة مرحلة فاصلة في تاريخنا؛ هي مرحلة تحدد مستقبل اليمن سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، والهروب عن مواجهة القضية هو هروب إلى الوراء سيكون له أثره الخطير بعد انجلاء زوبعة العاصفة؛ فإن الخلاف مهما اشتد بيننا- نحن اليمنيين- فيجب أن ندرك أن مصيرنا واحد، لأننا في سفينة واحدة.
وأول تساؤل يدور في ذهني بعد مرور خمسة عشر يوما من العاصفة هو: ما الذي يريده الخليجيون بالضبط من هذه العملية؟ قد يقول قائل : السؤال جاء متأخرا.
وأقول: قد تناول الكثير هذا السؤال ولكن بطرائق مختلفة، ويمكن للمتابع أن يدرك ذلك، ولكن اليوم يجب أن نطلقه جريئا صريحا:
- ماذا تريد الرياض من هذه العاصفة؟ هل تريد إعادة الشرعية والقضاء على الخطر الحوثي الذي يجد في طهران قبلة يولي وجهه شطره معرضا عن بيت الله الحرام؟!!
- وهل تريد- فعلا- الاستقرار لليمن مستقبلا، والقضاء على أسباب التوتر؟!!
- وهل تريد إعادة الروح السياسية للمشهد اليمني ؟ أم تريد القضاء على الروح اليمنية سياسيا- أيضا- كما قضت عليها عسكريا؟
هذه تساؤلات تجعلني أنظر بريبة أكثر لمسار هذه العاصفة؛ وخاصة ونحن نسمع عن مشروع قرار خليجي يناقشه مجلس الأمن ؛ والسؤال هنا:
أليس مشروع القرار هذا كان الأولى أن يكون قبل القيام بأي عمل عسكري؟!
ثم كيف تقدم الدول الخليجية هذا المشروع وهي الطرف الأساسي في المشهد، ألم يكن من المفترض أن يكون هذا المشروع من قبل وسيط آخر يكون محايدا؟! فهل تريد الدول الخليجية أن تقف في منتصف الطريق وتترك اليمنيين يعالجون شأنهم الذي ازداد تعقيدا بعد العاصفة؟ ومن سيكون الرابح في هذا الصراع؟
-إذن- ومن خلال ما سبق يمكننا أن نضع هذا المشروع تحت المجهر؛ لننظر في مواده ومطالبه، ونقول بادئ ذي بدء: إن هذا المشروع جاء ردا على التحركات الروسية التي ابتدأت مبكرا جدا، فما إن بدأت العملية حتى رفعت روسيا عقيرتها غاضبة، واستيقظ ضميرها وتحركت فيها نخوة الإنسانية مطالبة بهدنة إنسانية!! فكأن روسيا كانت على علم مسبق بوجود تحرك عسكري.
وبا التالي فإن لجوء دول الخليج لهذا القرار يعتبر تنازلا عن الحزم الذي بدأت به العاصفة، ونية منها في عدم الاستمرار بالضربات العسكرية، وأخشى ما أخشاه أن تكتفي بما ورد في هذا القرار مع ملاحظة التعديلات التي أجرتها فيه استجابة لمطالب روسيا، وإلا فإن روسيا جاهزة في ضغط زر حق النقض (الفيتو)، وما على أصحاب القرار إلا أن يأخذوا استراحة لشرب(الفيمتو) فهو أولى به!! لأن ثقلهم الاقتصادي في العالم لم يشفع لهم أن يكون لهم قرار سيادي يتمكنون من فرضه وسط التجاذبات الكبيرة في الصراع الإقليمي، حيث نجد إيران حاضرة بقوة، بينما نجد مجلس التعاون غائبا تماما؛ أو قل هو حاضر ولكن كأحجار على رقعة الشطرنج وها نحن نشهد اليوم التحركات الإيرانية السريعة لتحييد بعض دول التحالف، وذلك بعد حدوث التوافق الإمريكي الإيراني بشأن النووي الإيراني، فقد صرح وزير الخارجية الإيراني والباكستاني أنهما يريدان تسهيل الحوار في اليمن، أضف إلى ذلك إقرار مجلس النواب الباكستاني بقاء باكستان على خط الحياد من هذا التحالف، وتركيا التي كنا نأمل أن نشهد تأثيرا إيجابيا لزيارة أردوغان لطهران، خاصة أن أردوغان أبدى تأييده للتحالف وبقوة منذ الإعلان عنه، بل وذهبت أمانيه أبعد من ذلك، وهو يتحدث عن تحالف إسلامي في وجه المشروع الإيراني وكانت تصريحاته قوية وواضحة ضد إيران، ويرى خروج إيران من العراق والشام واليمن، ولكنه بعد زيارته رجع فاتر الهمة فيما يتعلق بهذا الشأن، بل رجع مجرد رسول لطهران لإيصال رسالة إلى الرياض مفادها أن الحوار هو السبيل لمعالجة الشأن اليمني، مما يدل على أن إيران تستخدم الملف النووي للضغط على الدول الكبرى فيما بتعلق بالصراع الإقليمي لتظل هي اللاعب القوي ويظل الخليجيون يراقبون (مهرجان أم رقيبة) ليختاروا أجمل ناقة!!
ولهذا فلا غرابة أن تجد الموقف الأمريكي يتسم بالغموض حيال عاصفة الحزم، فهذا الموقف هو نتيجة التفاهمات الأمريكية الإيرانية، وقد أثرت في مقال سابق تساؤلا وهو : لماذا صرحت روسيا بأن الملف اليمني سيكون على طاولة المفاوضات التي تخص الملف النووي الإيراني؟!! يا سادة إنها دبلوما سية إيران التي تمارسها باحتراف مستخدمة (الملف النووي) وسيلة ابتزاز للدول الكبرى، ومن هنا نعرف سبب خضوع إيران للشروط الأمريكية فيما سمي بـ( اتفاق الإطار)، وهي مناورة ذكية من إيران لتكسب الدخول بقوة في المشهد اليمني، ثم بعد أن تحقق هدفها ستنقلب على الاتفاق وتكسر الإطار الخاص به!!
ولنعود إلى مشروع القرار الخليجي ونتعرف على أهم البنود التي تعترض عليه روسيا :
1- إدراج اسم عبد الملك الحوثي ضمن الأشخاص المعرقلين للتسوية، لأنه على حد زعمهم- رجل دين، وليس قائدا عسكريا.
2- حضر التسليح على الحوثيين لا يكفي، بل لا بد من حظر التسليح على الحكومة- أيضا- لتكون المهمة اكتملت جدا، فقد تم تدمير الجيش، ولا أمل لإعادته من جديد، مادام حظر التسليح قائما.
وبالإضافة إلى هذا، فهناك تحركات عمان التي تدعو إلى- طبعا- إلى هدنة إنسانية، وتسليم السلاح الحوثي وخروجهم من جميع المدن اليمنية والعودة إلى الحوار، في ظل حكومة هادي، ويادار ما دخلك شر،.
وللأمانة فقد يخطر في الذهن أن الجميع اتفقوا على خطة مرسومة لتدمير عسكريا وسياسيا، وإضعاف روح الاصطفاف الوطني بين اليمنيين والدخول في نفق آخر من النزاعات تظل فيه دول الخليج وسيطا، وتؤمن نفسها من أي خطر يحيط بها، سواء من قبل الجيش الذي قضت عليه أو من قبل الحوثيين الذين سيخضعون لمشروع القرار إذا نجحت روسيا في فرض تعديلاتها، وهو ما سيكون، وبالتالي فإن روسيا ستضمن للرياض عدم وجود أي خطر حوثي عليها، لتبقى الأخطار كلها داخل الحدود اليمنية يكتوي بنارها أبناء اليمن، خاصة بعد أن تفككت عرى التواصل بينهم، وقضي على روابط الثقة التي كانت لا تزال قائمة وإن كانت تتعرض لهزات في بعض المراحل، ولكنها كانت أفضل حالا مما ستؤول إليه بعد العاصفة،،،
وباختصار شديد: هذا القرار الخليجي لا يحمل تباشير خير لليمن، بقدر ما يحمل عكس ذلك ، لأنه بصيغته هذه لن يقضي على أسباب التوتر والصراع، بل فتح الباب على مصاريع متعددة لدخول قوى إقليمية ودولية تتصارع في أرضنا، أكثر مما كان عليه الوضع قبل العاصفة
ولا أحب أن أنهي مقالي هذا حتى نتذكر أن الذي تآمر على ثورتنا، لا يمكن أن يكون في يوم وليلة أمينا على مستقبلنا...