أسرع فشل لمنظمة مدنية في اليمن
بقلم/ احمد العمري
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 3 أيام
الثلاثاء 20 مايو 2008 07:20 ص

مارب برس – خاص

لا أخفيكم أني تلقيت بتلهف تقرير (صحفيون ضد الفساد) الذي صدر الاسبوع الماضي حول الفساد في اليمن ،وسبب تلهفي يتجلى في أننا حقا نحتاج إلى من يوصف أوضاع الفساد في بلادنا وأرقامه من جهات يمنية مستقلة ومحايدة بعيدا عن السياسة وتوظيفاتها ،تطرح الحقائق والأرقام كما هي لا كما تريدها الأحزاب السياسية أو المنظمات والجهات الأجنبية ،إلا أنني أصبت بخيبة كبيرة وأنا أقرأ ذلك التقرير الذي نشرته (الصحوة نت) ،وزادت هذه الخيبة وأنا أستمع لتفاصيل مذهلة من بعض الزملاء غير المنتمين حزبيا والقريبين من بعض واضعي التقرير حول ظروف وضع ذلك التقرير (سنتحدث عن ذلك لاحقا) الذي حمل أرقاما مهولة عن الفساد في اليمن عام 2007) وسيذهل القارىء الحصيف للتقرير من ما ورد فيه للاسباب التالية:- بعد جمع الأرقام التي وردت في التقرير تبين انها تصل إلى ما يقارب (ترليون) أي حوالي (ألف مليار) وهو مبلغ مهول قال التقرير أنه تم صرفه بالمخالفة في كل أجهزة الدولة في نفس العام ، ( أي ما يقارب خمسة مليار دولار)ولكن دعونا نعود إلى ميزانية ذلك العام لكي نقارن بينها والمبلغ المذكور وأرجوكم أن لا تصابوا أيضا بخيبة أمل عندما تدركون أن الرقم الذي أورده التقرير يتجاوز الميزانية المعتمدة 2007م هذا اذا اضفنا اليه اعتمادات الرواتب لموظفي الدولي التي تصل سنويا إلى ما يوازي (550) مليار ريال سنويا باعتبار أن هذا المبلغ لا يصرف بالمخالفة لأن قنواته معروفة مسبقا إلى أين تذهب ، خاصة وأن التقرير تحدث عن صرف بالمخالفة فقط ،وبجمع هذين الرقمين سنكون خارج إطار الميزانية المعتمدة بالمليارات.- وهنا يظهر بقوة سؤال جوهري هو كيف وقع واضعي التقرير بهذا المطب القاتل الذي يضرب مصداقيته وينسفها تماما ،بل ويجهض منظمة مدنية كان يعول عليها الكثير !، ألم يحتاطوا من أن أرقامهم التي احتواها التقرير ستكون أكبر من حجم الميزانية وأن ذلك بلاشك يسقط كل ماورد فيه؟- ثم هل يعقل أن تتجاوز المخالفات حجم ميزانية الدولة؟ هذا اذا سلمنا أن كل ميزانية الدولة تصرف بالمخالفة!وغير ذلك من الأسئلة المحيرة التي تنسف عملا كنا بحاجة اليه ،وهنا مرة أخرى أرجو أن لا يفهم القارىء اننا ندافع عن الفساد أو ننكر أن هناك فسادا أو ندخل القضية في إطار التوظيف السياسي لأن هذه قضية لم يعد بمقدور أحد أن ينكرها ، ويدركها الجميع من راس الدولة إلى كل المجتمع بل وتكاد تشكل الهم الأكبر لصانع القرار والمجتمع بشكل عام،وليس في صالح احد توظيفها سياسياً.- ولان الجميع يدرك ذلك فإنه توصيف الفساد وأرقامه لا يمكن أن يكون بالتضليل بل بالحقيقة وإن كانت مرة وموجعة اذ لا يمكن مواجهة الفساد بالكذب سواء كان من الحكومة او المعارضة ،وهنا مربط الحقيقة التي تخطاها التقرير سالف الذكر ، ويجد القارىء للتقرير نفسه امام تضليل مضاعف ،فإذا كانت المعارضة تتهم الحكومة بأنها تمارس التضليل بخصوص الفساد؟ فهل يجوز للمعارضة أن تمارس نفس التهمة التي تلقيها على الآخرين؟ وأنا أذكر هنا المعارضة (المشترك) بقصد باعتبار أن واضعي التقرير جميعا من صحفيي المعارضة.- ولعلي أجزم أن التقرير الذي أصدره (صحفيون ضد الفساد) قد خدم الفاسدين فعلا وقدم لهم طبقا من ذهب لكي يزدادوا في فسادهم ولكن لا تحكموا على هذا الطرح إلا بعد قراءة الأسباب الآتية:- ان التقرير يتهم ضمنيا كل موظفي الدولة بالفساد لأنه عندما يتم الحديث عن مخالفات بالصرف بما يتجاوز حجم الميزانية فإن ذلك يعني أنه لا يوجد موظف نزيه مع أن موظفي الدولة هم من كل الأحزاب السياسية (مؤتمر ،مشترك ،...الخ) بما يضعف من ذلك التقرير ويجعله محل نفور الموظفين، بل ويوفر الغطاء النفسي للفاسدين لأنه لم يحدد ما هي قضايا الفساد وما هي أرقامه وما هي دلائله ومن هم أشخاصه وإثباتاته ولا يجد القارىء إلا عموميات ليس لها سند أو تأصيل علمي يعطيها المصداقية وغلب عليه التوظيف السياسي البحت.- واضعي التقرير لم يقرؤوا ارقام ميزانية الدولة لعام 2007م جيدا لأنهم لو اطلعوا عليها لربما خفضوا الرقم إلى أكثر من النصف لكي يأخذ مصداقية لدى القارىء وبالتالي فإن قارىء التقرير عندما يدرك أن حجم المخالفات يفوق حجم الميزانية المعتمدة فإنه سوف يشكك تماما بالتقرير بل وبالتحالف الصحفي الذي أصدره ويضع سؤالا حول تجمع صحفي لمحاربة الفساد لم يقرأ ميزانية الدولة وحجمها وكيف له أن يدافع عن شيء لم يقرأ عنه شيئا.- إن واضعي التقرير استندوا في جمع ارقامه من خلال ما نشرته صحف المعارضة من ارقام حول الفساد وهذا يضع سؤالا آخر حول ما أصبح يتداول حول ذلك التقرير فحسب ما يتم تداوله حول التقرير انه تم وضع خطته قبل العام 2007م حيث تم الاتفاق على أن تقوم صحافة المعارضة بنشر مبالغ وارقام مهولة حول الفساد طوال العام ثم يقوم ذلك التحالف بعد تأسيسه بجمع تلك الأرقام ووضعها في صورة تقرير يستند في معلوماته على ما نشرته تلك الصحف لأن ذلك يتيح له التهرب من مصدر أرقامه باعتبار أنها نشرت في الصحافة ومن ثم يتم تسريبه إلى المنظمات الدولية والجهات المانحة الأخرى حتى تعيد النظر في حجم المبالغ والمساعدات التي تقدمها لليمن ولعل التركيز على المساعدات الخارجية في هذا التقرير يؤكد هذا الطرح حول التقرير وخطته المرسومة مسبقا خاصة أن مثل هذه التقارير عندما تصل إلى المنظمات الدولية المعنية بالشفافية والفساد كما يهدف واضعوه سينعكس سلبا على ترتيب اليمن في تقارير تلك المنظمات وفقا للخطة التي وضعت لإصدار التقرير.- وهنا سيتساءل القارىء العادي عن الفائدة التي ستستفيد منها المعارضة من إصدار المنظمات الدولية تقارير سلبية عن الوضع في اليمن؟ سنجد الاجابة موجودة فيما طرحه الدكتور محمد عبدالملك ا لمتوكل في إحدى مقابلاته الشهيرة مع صحيفة الشارع قبل عدة أشهر عندما قال أن من ضمن أجندة المشترك تسليط الضوء على التقارير الدولية الخاصة باليمن لأن تلك التقارير ستقدم شهادة خارجية تصب لصالح ما يطرحه المشترك من قضايا وتزكي مواقفه ،الامر الذي تتضح معالمه في حجم الإثارة التي تغطي بها صحافة المعارضة أي تقرير دولي ضد اليمن.- وهنا نكون أمام خطة إعلامية محكمة بعيدة الأهداف للمشترك وبالذات (جماعة الأخوان المسلمين في اليمن) المتمثلة في الاصلاح هدفها ليس محاربة الفساد ومكافحته وإنما أن تأخذ المنظمات الدولية والدول المانحة بمثل هذا التقرير حتى تتدنى رتبة اليمن في تقاريرها ثم بعد ذلك تعود لنشرها في صحفها لكي تقول للرأي العام هذا هو تقرير منظمات دولية ثم استغلاله سياسيا بعد ذلك ،مع أن أصل هذا التقرير واساس صنعه هو المشترك.ولعل ما يزكي مثل هذا التوجه هو الآتي:- تلقف وسائل إعلام الاصلاح للتقرير الذي أصدره (صحفيون ضد الفساد) بحفاوة كبيرة مع محاولة استهداف مؤسسة الرئاسة انطلاقا من استراتيجية وضعها الاصلاح قبل انتخابات 2006 تقوم على استهداف رأس الدولة ومحاولة تشويهه بهدف اضعافه لأن الاصلاح والمشترك بشكل عام يدرك أن قوة النظام السياسي في اليمن هو في مؤسسة الرئاسة وبالتالي كلما تم استهدافها فإن ذلك سيؤدي إلى اضعافها أمام الرأي العام بما يسهل الطريق أمام الاخوان المسلمين في اليمن للوصول إلى السلطة ،وهو ما يلاحظ بكل وضوح في استهداف التقرير لمؤسسة الرئاسة انسجاما مع هذه الخطة المرسومة.- ومع أننا لا نشك في صدق نوايا بعض واضعي التقرير فإنني أؤكد انهم لا يدركون أنهم واقعون في إطار خدمة خطة اعلامية وسياسية رسمت بعيدا عنهم مع انه بإمكانهم أن يحافظوا على استقلاليتهم اذا ارادوا ذلك من خلال الطرح الموضوعي لقضية الفساد بعيدا عن التوظيف السياسي لأن الفساد قضية وطنية تهدد البلاد ومصيرها ولا مصلحة لأي طرف في توظيف أي قضية من هذا النوع لصالحه ،فالتوظيف السياسي لا يحل القضية ولا يقدم حلولا لها لأن محاصرة الفساد في أضيق نطاق كما هو مسؤولية الحكومة هو أيضا مسؤولية للمعارضة وعندما تدخل في إطار الصراع السياسي فأن كل طرف سوف يتمترس خلف موقفه الأمر الذي لا يقدم شيئا للقضية ولو أن هذا التقرير أورد قضايا حقيقية مفصلة بأرقام ووثائق لكان قدم خدمة للأمة وللمجتمع وسهل مهمة أجهزة مراقبة الفساد واذا تساهلت تلك الأجهزة في اتخاذ اجراءاتها عندما تكون القضية حقيقية فإن اللوم عندها سيتحول إلى تلك الأجهزة وستكسب المعارضة احترام الرأي العام وسوف يؤسس( لصحفيون ضد الفساد) مكانة في المجتمع أما أن يتم وضع تقرير سياسي حول الفساد هدفه التشهير باليمن وضع بناء على خطط واستراتيجيات للمعارضة فإنه بلاشك ينهي مصداقية هذه المنظمة من بدايتها ويجعلنا نأسف حقا لهذه النهاية السريعة لمنظمة كنا نؤمل عليها الكثير.وهكذا فإن المنظمة التي تدعي أنها جاءت لكي تحارب الفساد تجد نفسها متورطة بممارسة نوع آخر من الفساد الأخلاقي والمهني والذي ما كان ينبغي الوقوع فيه حتى يمكن للآخرين أن يثقوا فيها ويصدقوا ما تدعيه حول محاربتها للفساد.