حين تكون الدبابة في مواجهة معركة الخبز!!
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 27 يوماً
الخميس 03 إبريل-نيسان 2008 05:45 م

مأرب برس - خاص

ما يحدث على الصعيد العربي من حرب ضروس بدأت نتائجها تبدوا للعيان، بين معسكر الخبز، ومعسكر الاستبداد والظلم والنهب المقنن، أمر يدعوا للنظر والتأمل وأيضاً يدعوا للشفقة والرحمة، أن يصل النظام العربي إلى هذا الحضيض من حملات القمع والإفساد والتسلط والنازية الجديدة، ضد شعوب مقهورة ومغلوبة على أمرها، تبحث عن كسرة خبز، أو بقايا رغيف على فتات موائد المسؤولين العامرة بكل ما لذ وطاب، وفي أوطان تنام على بحار النفط والثروات المعدنية، وجبال الذهب والفضة والحديد، والمعادن الثمينة .

لا يمكن لأي مراقب للوضع اليمني والمصري مهما كان تواضعه العلمي والمعرفي أن يفهم مجريات هذه الحرب الباردة، وحالة الطوارئ المعلنة أو غير المعلنة، إلا أنها حرب بين معسكر السلطة من جهة، ومعسكر الخبز أو الرغيف من جهة أخرى، مهما حاولت أبواق السلطات خداع الرأي العام أو تضليله، بيد أن الوعي العربي لم يعد على ما كان، في ظل العولمة الإعلامية والفضائيات والنت، مما يؤذن بنهاية عهد التعتيم الإعلامي والاستبداد السياسي بكافة أشكاله وصوره .

أحزاب المعارضة المصرية ومنذ عهد طويل، ومنذ نشأتها عبر عقود من الزمن، لم نسمع أن دعت إلى إضراب شامل، كما فعلت الآن، حيث اعتبرت الأحد القادم يوم إضراب شامل، إلا بعد أن تفاقم الوضع المصري، وبلغ غايته في التعقيد، وبلغ السيل الزبى، ومات النساء والشيوخ، في طابور الرغيف، وبات الخبز غير النظيف، يباع في السوق السوداء المصرية، أبعد هذه الجريمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ينتظر أن يصمت شعب جائع ومقهور على آلام الجوع والفاقة!!، إنه ليس أقل من هذا الإجراء الذي اتخذته أحزاب المعارضة المصرية، حماية للرغيف من الانعدام النهائي والكلي، ولا يمثل أي خرق للنظام ولا للقانون، بل هو الوسيلة الحضارية للتعبير عن الرأي، يجب أن تشكر عليها تلك الأحزاب، مهما اختلفنا معها في وجهات النظر والتقديرات .

بيد أن ما نستغربه أن تتخذ الحكومة المصرية كل هاتيك التدابير العجيبة والغريبة لإخماد كل صوت ولو كان "صامتاً" عن المطالبة بحقه، من الفصل من الوظائف أو إلغاء العلاوات المقررة قانوناً، ومن الملاحقة والاعتقالات والسجن، وتحويل الشارع المصري إلى ثكنات عسكرية وأمنية وبوليسية، مما يهدد الأمن المصري برمته إلى الخطر أو الإقلاق والفوضى، ولو أن الحكومة المصرية سلكت مسلك حماية الرأي العام والدفاع عنه، كما تفعل حكومات الدنيا، في الدفاع عن الحريات، كوظيفة أساسية لها، لما رأينا ما رأينا من احتقان وفوضى، وانتهاك لحقوق الإنسان، مما يجعل الأمر قد يخرج عن السيطرة .

وإذا كانت الحكومة المصرية اتخذت كل هذه الإجراءات منعا لخروج الأمر عن طور السيطرة، كما ترى، فإن الحكومة اليمنية بدورها فيما يبدوا قد خرج الأمر عن سيطرتها، إلى حد ما، وليس أدل على ذلك من انعقاد مجلس الدفاع الوطني، الذي لا ينعقد في العادة إلا عند حالات الطوارئ الشديدة، أو عندما يكون النظام في مأزق لا يحسد عليه، ولا ينعقد خلاف ذلك إلا في القليل النادر.

هذان النموذجان العربيان البائسان في معالجة الهموم الوطنية والمشكلات الشعبية يجعلنا ننظر بعين القلق والخيفة إلى مستقبل هذين البلدين في ظل سياسة القمع والاعتقال والسجون، ويجعلنا نتوجس خيفة أن تنتقل أزمة دارفور إلى أكثر من وطن عربي، لا سمح الله، ما لم يسعَ الحكماء والمصلحون ومن بيدهم القرار إلى الحلول الناجعة لحالات الاحتقان والغليان الشعبي الذي قد يؤدي إلى الانفجار وضياع كثير من المكتسبات الوطنية، لا سمح الله ، في ظل تربص أجنبي وإسرائيلي خبيث وماكر .

يأتي في مقدمة الحلول الوطنية، اللجوء إلى الحوار الوطني الجاد، وإيجاد رؤية وطنية شاملة وعامة لكافة المشكلات التي تؤرق المواطن العربي في هذه الشعوب ذات الكثافة السكانية، وذات الخصوصية العربية والإسلامية الأصيلة، واعتماد الحلول غير المستوردة وغير المعلبة، بعيدا عن المهدءات والعقاقير، وإيجاد الضمانات الحقيقية لحرية الرأي والتعبير وحرية الاقتصاد والتعليم والإعلام، وفق الخصوصية العربية والإسلامية، بعيداً عن لغة السلاح والقوة والبطش، التي أثبتت الأيام عدم جدواها، لا سيما إن كانت في مواجهة ثورة الرغيف .

وإنا لنسأل الله الكريم ونتضرع إليه أن يحفظ على هذين البلدين الكريمين العزيزين الأصيلين في العروبة والإسلام أمنهما واستقرارهما وعزهما ووحدتهما، وسائر بلاد المسلمين .

والله من وراء القصد، والهادي إلى سواء السبيل،