إشكال المرأة بين الواجب الشرعي والأجندة أجنبية
بقلم/ أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 16 يوماً
الإثنين 07 يناير-كانون الثاني 2008 07:59 م

مأرب برس – خاص

من المقرر - لدى الباحثين في مجال الفكر الإسلامي- أن جانبا من فقه عصور الانحطاط الثقافي الذي بدأ – على وجه التقريب - منذ نهاية القرن الخامس الهجري وامتد قرونا عديدة لاحقة -على تفاوت بين كل قطر إسلامي وآخر- قد ألحق أبلغ الضرر بمجال الحقوق والحرّيات ومنه مجال حقوق المرأة. ولا مراء بأننا لا نزال نعاني من آثار ذلك حتى يوم الناس هذا.

ذلك لا يعني أن وضع المرأة في الغرب كان أحسن حالا، بل لقد كان أسوأ أضعافاً مضاعفة، ويكفي هنا الإشارة إلى أن القانون البريطاني كان إلى ما قبل مائة عام فقط يجيز للرجل بيع زوجته ع ندما يتبرّم منها، على أن لا تباع بأقل من ستة بنسات، وساحة لندن الشهيرة بهذا الشأن شاهد حاضر على ذلك. كما أن وضعها حتى اليوم لا يعني أنها حققت كل مطالبها فلو لم يبق إلا قوانين العمل الغربية التي تعامل المرأة بأجور أقل من أجور الرجل، نظرا لتعرّضها لحالات بيولوجية لا يتعرّض لها الرجل، وكأن المطلوب أن تتخلى عن أنوثتها بالكامل، لكي تنجو من هذا العقاب! 

مأساوية وضع المرأة في الغرب أنتج قيام حركة نسوية غربية هادرة هنالك،أتت ردّ فعل طبيعي، حيث نادت بحقوق المرأة، وفق منطق هجومي انتقامي ثائر، أيّاً بلغ الشطط فيه، فلا مناص من تفهمه، والتعامل معه بمنطق تلك البيئة وملابساتها. بيد أن المثير أنه بدلا من أن تنطلق حركات تجديدية نسوية أصيلة في بلداننا تنادي بحقوق المرأة المسلوبة في مجتمعاتنا، بسبب بقايا الأعراف الجاهلية و رواسب التقاليد المتنافية مع تعاليم الإسلام وتوجيهاته؛ إذا بنا نجد استنساخاً يكاد يتطابق في أحيان كثيرة مع النموذج الغربي من حيث الفلسفة والأبعاد !!! ولعل هذا يفسّر سرّ الانحسار الذي غدت الحركة النسوية تعاني منه، حيث صدمت كثير من الفتيات اللواتي كن قد اندفعن للانخراط في هذه الكيانات، أو المناصرات لدعواتها بان أجندتها أجنبية، أو بمعنى أكثر مباشرة وجدن أن ملف اهتماماتها لايلامس مشكلاتهن البيئية الفعلية، وبعضهن اكتشفن أن بعض هذه الحركات، تعمل على تنفيذ أجندة أجنبية صارخة موجّهة من قِبَل الجهات الأجنبية المانحة !

ولقد كان الأمل يحدو صاحب هذه السطور -حين وقف على أنشطة بعض تلك الجهات- تنطلق- في ظاهر الأمر- من أجندة داخلية؛ أن تصدق مع شعارها وظاهر نشاطها، لكن كم كانت الصدمة عنيفة؛ حين اكتشف –كما اكتشف آخرون من قبل - أن ذلك لايعدو منطقاً براجماتياً ذرائعياً( نفعياً- مصلحياً)، يعمل على توظيف الإسلام للوصول إلى تنفيذ بعض الأجندة الأجنبية، وقد يضطرها ذلك لرفع شعار ( الإسلامية) مؤقتاً، واستضافة شخصيات شرعية(دينية)، بهدف إضفاء المشروعية على أنشطتها، وفي حال خرج أيّ من هذه الشخصيات عن ذلك الهدف، بما يعني تعارضاً واضحاً مع مامن أجله قد استضيف؛ فإن أحسن طريقة لعدم التورّط معه ثانية: عدم دعوته مرة أخرى، إذ لم يلتزم بالشروط غير المعلنة للاستضافة أو (الاستعارة) إذا شئنا التوصيف الدقيق!

أعلم أن كثيرا من الزملاء والأصدقاء الذين يُدعون إلى المشاركة في أنشطة من هذا القبيل يزعمون أنهم من الحصافة والوعي بحيث لاينطلي عليهم مثل ذلك، وأن الفتات من المكافاءات المالية التي يتحصّلون عليها أحياناً؛ لاتعني أنها ستحول بينهم وبين أن ينجرّوا إلى مشايعة أجندة غازية من وراء البحار، وأنه حدث ذات مرّة أن قال أحدهم رأياً اختلف فيه مع هذه الجهة أو تلك. وكل ذلك ليس محلّ نقاش، أو محور اختلاف بين كاتب هذه السطور وهؤلاء في هذا المقام، بيد أن محل الخلاف يكمن في إصرارهم على هذه المباركات المستديمة لأنشطة بعض من تلك الدوائر المشبوهة- حقّا- حين يتعامون المرّة بعد الأخرى على أن يقفوا مع ذواتهم ليفسّروا سرّ الدعم الأجنبي المعلن في كثير من الأحيان لأنشطة من هذا القبيل، مع اقتناعنا وترديدنا أن الغرب يسعى لحماية مصالحه، وتنفيذها بكل الوسائل المشروع منها وغير المشروع، كما يجري على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مكان من عالمنا، انطلاقاً من فلسفته البراجماتية الذرائعية، لكن يظل السؤال: هل سيستثني الغرب من ذلك مجال المرأة وحده ؟!

أرجو أن لا ينصرف إلى أذهان أيّ من الزملاء والأصدقاء أو القراّء أن ثمّة جهلا بحقيقة مثل هذه الأنشطة، أو أن هنالك غيرة في منطلق هذه الملاحظة، وليعذرني هؤلاء إن صرّحت لهم أن ليس ثمّة جهل في ذلك؛ فلقد كان كاتب هذه السطور واحداً ممن يحسن الظن يوما ببعض هذه الجهات، حتى تبين له بالموقف العملي أن الهدف من وراء دعوته هو التسويق والمباركة، وأنه غير مرحّب به إذا ما فكّر أن يبدي رأيه الشخصي المنبثق من فكره الحرّ ورؤيته الحضارية!ا أمّا الغيرة فلا تصيب المرء الذي يتمنى لو يشتري أوقات العاطلين، وذوي البطالة الصريحة أو المقنّعة، ليتفرغ لإنجاز أيّ من طموحه الذي ينوء بحمل تنفيذه جهد فردي محدود.

وإذا كان مثل ذلك التوقّع محتملاً فإن الوقوع في مأزق التصنيف عيب أخلاقي وثقافي كبير، وإني لأربأ بالمثقف الحرّ أني يقع فيما وقع فيه ذوو التخلّف المركّب، حين يبررون مسلكهم الإقصائي، وإرهابهم الفكري، لكل من خالفهم في وجهة نظر؛ فيسارعون إلى تصنيفه في خانة التشدِّد، وقد يبلغ ببعضهم الإسفاف حدّ أن يسقط مسلكه في الإقصاء والإرهاب الفكري على مخالفه. ومع أن العبد الفقير يؤكّد أنه ليس حريصاً على منطق الشخصنة والخلط للأمور؛ لكن يبدو أنه مضطر-بحكم خبرته ببعض النفسيات ولا سيما من القائمين على مثل هذه الجهات- أن يصارح أنه لا ينتظر من هذه الجهة أو تلك شهادة بتحرّره أو بانفتاحه، فنشاطه المتواضع على الأرض وبالأخص كتابه (مقدّمات أربع أولية في فقه المرأة المعاصرة) يتحدّث عن نفسه في هذا السياق، ولا يشرّفه أن يحظى بدعوة –غير بريئة- من أيّة جهة داخلية أو خارجية، كما لا يسعده أن يتحول إلى (بربا جندا) أو (بوق) مفتوح لتسويق أجندة أجنبية، تتعيش من ورائها شخصيات ذكورية ونسوية لفظتها مجتمعاتها، بعد أن أبت إلا أن تذكّرك بتلك القصة الرمزية التي حكاها(آدمز) مشيراً إلى أنها شرقية، حين ذكر أن ناحية من النواحي أصيبت بفيضان عظيم تورّط فيه قرد وسمكة، وبطبيعة القرد لا يعدم الحيل، إذ تسلق فرع شجرة، ونجا من خطر الفيضان، ولكن بصره وقع على السمكة، أثناء مواجهتها تيار الفيضان، وطفوها على سطح الماء، فرّق قلب القرد، ولم يتحمل المشهد، فنزل من الشجرة، وسارع إلى السمكة، لينقذها -بكل إخلاص- من خطر الفيضان، وجاء بها إلى الساحل ليلقيها على الرمل، حيث لاتصل الأمواج، ولكن لَكُم – قرّائي الأعزاء- أن تتأملوا النتيجة!