الانفصاليون
بقلم/ ريما الشامي
نشر منذ: 17 سنة و يوم واحد
الخميس 22 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 08:34 ص

مارب برس - - خاص

لم يكن جديرا برئيس الجمهورية بحكم موقعه ومايفرض عليه من واجبات دستورية أن يلجأ إلى أسلوب تحريض أبناء الجنوب على بعضهم البعض وبث الفتن بينهم باستدعائه لحروب 86 وما قبلها ليستثير أبناء أبين على الضالع والعكس ، على الأقل لان خطاب التحريض واحياء الأحقاد ليس أسلوبا وحدويا البتة في وقت يدعي فيه الرئيس بأنه محقق الوحدة وحاميها والمدافع عنها إلى جانب الثورة والجمهورية وغيره هم المأزومين والانفصاليين والحاقدين على الوطن ، لكن رب ضارة نافعة فخطاب الثارات الرئاسي جاء في وقته ليكشف الحقائق بصورة أكثر وضوحا لاتدع مجالا للشك حول جوهر النظام.

المؤمل في أبناء الجنوب في مختلف مناطقهم أن يكونوا أكثر وعيا بمخاطر خطاب الثأرات الذي يسعى إلى احياء الأحقاد بينهم واعادتهم إلى مربع ( الزمرة والطغمة ) التي لم يعد الوقت وقتها غير أن الهدف الحقيقي من وراء التذكير بالدماء والقتلى والحروب هو ابقاء الجنوب منقسما على نفسه ويعيش صراعات وأحقاد مضى عليها عقود وأزمنة من أجل أن يستمر نهب الأراضي والثروات مستمرا وحتى تستكمل سياسات الاستبداد مهامها في الغاء هوية الجنوب ووجوده إلى الأبد .

مالا يستطيع أحد انكاره أن أبناء الجنوب اليوم يقودون ثورة شعبية ضد الظلم والطغيان والاستبداد الذي أحال الوطن إلى محرقة عظيمة بسبب سياساته الفاشلة التي تسدد ضرباتها القاتلة إلى صدر الوحدة وتقتلها في حياة الناس وتحت ستارها تمارس شتى سياسات النهب والاقصاء والالغاء للجنوب الأرض والثروة وقبل ذلك الهوية والتأريخ ورصيد النضالات من أجل الحاقه بأخيه الشمال جغرافية ورعية واضافته مجرد رقم يقبل بالظلم ويتصالح مع الفساد ويرتضي الاستبداد مصيرا وأمرا واقعا ، وعلى أبناء الجنوب أن يدركوا جيدا ان خطاب التحريض على الكراهية المناطقية فضلا عن كونه جزءا أصيلا من سياسات النظام الحاكم الذي يجد نفسه عاجزا عن معالجة المشلكل والأزمات ويلجأ للهروب من الاستحقاقات عن طريق ترحيل الأزمات الراهنة إلى الامام عن طريق مواجهتها بصناعة أزمات جديدة فقد استخدم الرئيس أسلوب التحريض واثارة الأحقاد في هذا الوقت بالتحديدـ بعد فشل أسلوب القتل والقمع والقوة العسكريةفي ارهاب الناس ـ من أجل شق الصفوف وضرب القضية الجنوبية وشل حركة المطالب العادلة التي يلتف حولها اليوم أبناء الوطن في الشمال والجنوب على حد سواء وفيما اذا أستجاب أبناء الجنوب لخطاب التحريض الرئاسي وانزلقوا إلى مربع الزمرة والطغمة فانهم يكونوا قد قدموا هدية غالية الثمن لنظام فاسد مستبد تمنحه فرصة لممارسة المزيد من النهب والفساد وسياسات التدمير والالغاء .

 من هم الانفصاليون ؟

الوحدة لا تعني أبدا الغاء هوية الجنوب وتدميره وسياسات التهميش والاقصاء والنهب ليست سياسات وحدوية كما أن ناهبي أراضي الجنوب وثرواته ليسوا وحدويون لكن المشكلة أن كل هذا الفساد والسياسات التدميرية هي الانفصال بعينه وهي أيضا في نفس الوقت فلسفة حكم وسياساته التي يعتمدها في حكم البلاد وبها يوجه الضربات القاصمة إلى ظهر الوحدة والأدهى ان هذه الممارسات تلبس ثوب الوحدة وتدعي أنها ضروروات وطنية لترسيخ روابطها .

الخطر على الوحدة لا يأتي أبدا من جهة الضحايا المكتوون بنار الظلم والفساد والاستبداد الذين هبوا يدافعوا عن حريتهم وحقهم الطبيعي في حياة انسانية كريمة مهما بلغت درجة غضبهم ومطالبهم ، بل أن الخطر الذي يتهدد الوحدة والوطن بشماله وجنوبه والحياة على وجه هذه الأرض يأتي من جهة سلطة ظالمة فاسدة أوصلت بسياساتها التدميرية الفاشلة وطننا إلى مصاف الدول الفاشلة المهددة بالانهيار والسقوط في الفوضى والاحتراب والعودة إلى عصور ما قبل الدولة فالخطر اليوم تعدى الوحدة إلى خطر أكبر وأعظم يهدد الوجود الانساني على أرض هذه البلاد التي تعيش اليوم تفككا رهيبا على مستوى انهيار منظومة السلم الاجتماعي وتحولها إلى غابة بفعل سلطة ترى في الفساد والنهب وخلق الفتن وادارة الصراعات سياسات تضمن التفرد في الحكم للأبد وتوريثه .

الاحتقانات في الجنوب والوطن كله ليست الا حصادا طبيعيا للسياسات الانفصالية التدميرية التي قصمت ظهر الوحدة وخلقت الانفصال قسرا و هي اليوم تواصل عبثا بث الفتن و إحياء صراعات الزمرة والطغمة وتقلب في ملفات حروبها وتنبش قبور ضحاياها وتقود البلاد إلى الفوضى ولذلك ينبغي على كل الجهود الوطنية ان تتوجه لتشحيص ومكامن الداء الحقيقية التي تضرب الوحدة الوطنية وتخلق الانفصال وتعيش على استثمار الحروب وادارة الصراعات والغاء الأخر كأليات توفر استمرارية النهب وديمومة مصالح الفساد وتأبيد تسلط الاستبداد .

الاستبداد والفساد رأس البلاء

ليس أمام وطننا اليوم من عدو غير هذا الفساد العظيم الذي يكرس الانفصال بالقوة ويقطع الأرحام ويمزق الصلات مصداقا لقول الله تعالى : ( فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض و تقطعوا ارحامـكم اولــك الذين لعنهم الله فاصمهم و أعمـى أبصـرهم) .

ان حل المشكلة اليمنية لا يكون الا بالوقوف على تشخيص موضوعي دقيق يحدد مسبباتها ويمسك بجذورها التي أوصلتنا إلى هذه الحال ، وجذر الأزمة الوطنية وكل مشكلات اليمن هو طغيان الاستبداد الذي لايمتلك غير مشروع القوة الباطشة و الفساد الذي به يقود وطننا إلى الهاوية أما محاولات الفصل غير الموضوعي بين الانفصال والاستبداد حد اطلاق البعض تصريحات من قبيل أنه لاعلاقة بين طغيان الاستبداد والانفصال فهذا المنطق ليس الا كذبا على الله وخداع للشعب ومغالطة للنفس وهروبا من مواجهة حقائق التشخيص الموضوعي لجذر المشكلة الوطنية التي أسها وأساسها الاستبداد وسياسات الفساد التي تدير الوطن والتي أنتجت وتنتج كل الكوارث والمآسي في هذه البلاد وهي المسؤلة عن انهيار وطن وحياة شعب وليس عن الانفصال فحسب الذي يعد أحد مخرجات هذا الاستبداد وسياساته الفاشلة.

رياح الحرية تهب من الجنوب

كان على الطرف المنتصر في حرب صيف 94 أن لا يتجه الى الانتقام من الجنوب بما يعنيه من قيم حضارية عن طريق اللجوء إلى تدمير وإلغاء مؤسسات الدولة والهوية والتأريخ ورصيد النضالات لأنه فقط يرى في هذه المكونات خطرا يهدد استمرارية تسلطه واستبداده ، وكذلك كان يستطيع أن يثبت وحدويته وحرصه على الوطن وأمنه واستقراره بكل بساطة اذا لم يتعامل مع الجنوب كفيد وأرض غنائم يسلط عليها متنفذيه وادواته لينهبوا الأرض والثروة ويدمروا مؤسسات الدولة ويسرحون موظفيها ويفرضون على حياة الناس نهج الفوضى وقيم التخلف وهمجية الجهل ويحيون فيهم الفتن والصراعات والثأرات التي ولى زمنها .

ولكن مع مرور 13 عاما على حرب تدميرية متواصلة مفروضة قسرا على الجنوب لالحاقه كجغرافيا ورعية بالشمال لم يكن حصادها غير نتائج عكسية تماما لما أرادوه أبطال الحرب ، فها هو الجنوب لم يستطيعوا إلغاؤه وهاهم أبناء الجنوب ينتفضون ضد سياسات التهميش والاقصاء والنهب والالغاء ، وهاهم أهل الجنوب يقودون مسيرة النضال من أجل الحرية لهم ولاخوانهم في الشمال ، وهاهي رياح الحرية بعد 13 سنة من سياسات التدمير والاستبداد تهب من الجنوب لاقتلاع الاستبداد و تحرير الوطن ونيل كرامته ورد اعتباره بين امم الأرض .

وهاهو الشمال مدعو اليوم إلى الانضمام للجنوب في المشاركة بمسيرة الحرية .

وأمام ارادة شعب يرنو إلى حريته ويرويها بدماء أبنائه العزل المسالمين لن يكون بمقدور الاستبداد وان طال الزمن غير اعلان فشله وفشل سياساته التدميرية والتسليم لهذا الشعب بحريته كرديف وسياج حصين للوحدة يحميها من نزعات الفردية وحكم الاستبداد الذي صار اليوم هو الانفصال الحقيقي الذي يهدد الوحدة والوطن والحياة .