الصراحة والبساطة في مذكرات الشيخ عبدالله
بقلم/ دكتور/محمد الصبري
نشر منذ: 17 سنة
الثلاثاء 20 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 02:47 م

مأرب برس - خاص

عبر موقع القدس العربي ومارب برس تابعت تسع حلقات من مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر – حفظة الله وعافاة –والتي وجدتها مذكرات الواثق من نفسة والمعتز بدورة النضالي والمترفع عن الصغائر وصاحب مشروع ورؤية وطنية سخر كل مجهودة الحربي والمدني لتحقيقها. وفي تقديري بأن مذكرات الشيخ عبدالله تعتبر فريدة من نوعها من حيث الشكل والمضمون واللغة المستخدمة، فهي مختصرة جداً لم يسهب فيها الشيخ بالتفاصيل كما فعل بعض رموز ثورتي سبتمبر واكتوبر في مذكراتهم، ولم يدخل عليها رتوشات تجميلية لتحسين صورته وتبرير نفسة من بعض الأخطاء والأحداث المؤلمة في تاريخ الثورة اليمنية بل أتسمت لغتة بالبساطة والوضوح يسهل فهمها وهضمها بسرعة كما أتسمت عملية سرد الوقائع والأحداث وموقف الشيخ منها بالصراحة والشفافية سواءً تلك المتعلقة بالخلاف مع القوات المصرية، أو مع رؤساء اليمن السابقين رحمة الله عليهم جميعاً إبتداء بالسلال ومروراً بالقاضي الارياني والمقدمين الحمدي والغشمي وإنتهاء بالرئيس علي عبدالله صالح حفظه الله وما صاحب علاقاتهم السياسية من مد وجز قبل وبعد الوحدة المباركة وكيف تعامل مع التداعيات السياسية للوحدة.

من هذا المنطلق أستطيع أن أقول بأن أسلوب كتابة مذكرات الشيخ تعتبر ايضا حالة نادرة كونها كتبت بمفرادات سهله كما يرويها هو وليس كما يريدها المحرر حيث ومن المعروف في كتابة المذكرات بأن صاحب المذكرات يستعين بكتاب مهرة ومحررين لسرد الوقائع والأحداث بالتفصيل بحيث تضمن أكبر قدر من التلميع والتستر عن بعض الأخطاء والتجاوزات، لكن الشيخ عبدالله وكما عهدناه لم يخشى من التعبير عن مواقفة الوطنية المشرفة بصراحة وشفافية كما حصل في العهد القريب مثل تأييدة لمجمل سياسة الحكومة وعلى رأسها إعادة انتخاب الرئيس صالح برغم أن هذا الموقف يخالف التوجه الرسمي للحزب الذي يرأسة، كما لاينسى موقف الشيخ عبدالله الشجاع إثناء حرب الإنفصال حيث كان يراهن البعض بأنه سيداهن الشقيقة الكبرى بحكم علاقته السياسية بهم إلا أنه أثبت للجميع بأنه يوظف كل حياته وعلاقتة الشخصية لما فيه خدمة اليمن واتذكر في تصريح للمهندس حيدر العطاس إثناء الأزمة السياسية قبل حرب الإنفصال عندما علق على زيارة الدكتور عبدالكريم الأرياني والشيخ عبدالله للسعودية بأنها من سخريات القدر ان يجتمع الرجلين وفين في السعودية.

الملفت للنظر في مذكرات الشيخ بأنه لم يضفي على نفسة القداسة ويتطاول بالكلام الجارح المنمق على من خالفة الرأي وخذله أو حتى قاتله، فقد تحدث عن كل من أختلف معهم بما فيهم الرؤساء السابقين بكل أدب وإحترام حيث بقدر ما كان يقدر ويحترم الرؤساء السلال والإرياني والحمدي، إلا أنه تحدث عن أسباب إختلافة معهم بروح أخوية مسئولة برغم أن درجة الإختلاف في بعض الأحيان كانت تصل إلى حد القطية لكنه كان يؤثر السلامة ويخرج من العاصمة إلى خمر ويتناور معهم من هناك وكانت مناوراتة لا تصل إلى حد الغدر والخيانة كما كان يفعل البعض، وإنما كان يحاور ويشاور ويدافع عن رأية والوصول إلى حلول مقنعة للطرفين برغم أنه كان في مقدورة أن يعمل أشياء ضدهم بقوة لكنه كان يؤثر السلامة ويبحث عن حلول وسطية، فعلى سبيل المثال عند اختلافة مع الرئيس السلال كان في مقدورة تدبير انقلاب لكنه كان يستدرك الأمور حتى لا تسفك الدماء، كما أنه أيد الرئيس الارياني على طول الخط لكن عندما وصل الخلاف إلى طريق مسدود وافق على التغيير بشرط ضمان سلامة القاضي الارياني، وهكذا عمل مع الاستاذ محسن العيني عندما اختلف معه حيث استخدم نفوذه في إجبارة على التنازل والخروج من اليمن بالسلامة وهذا ما ذكرة الاستاذ محسن ايضا في مذكراته، 

لقد أشاد بالدور البطولي والوطني لكل رموز الثورة والوحدة اليمنية ولم يهمش دور أي احداً منهم بما فيهم دور من أختلف معهم واحترب معهم في شوارع صنعاء من أمثال الشهيد والمناضل الجسور عبدالرقيب عبدالوهاب الذي يصدق فيهم القول "انا عدو ابن عمي وعدوا من عاداه" والتي ارجع الخلاف بين الفريقين إلى تسرع الفريق حسن العمري رحمة الله عليه لكن من المضحك المبكي ان يتوقف القتال بين الفرقاء لكي يتوحدوا ضد العدوا المشترك (الملكيين)، بل وتحدث بكل إجلال عن العم سنان حفظه الله وبأن له دور ريادي في إدارة الصراع مع الارياني والحمدي، ولم يخفي علاقته الطيبة مع العناصر البعثية بما فيهم ال ابولحوم والشيخ مجاهد رحمة الله لكنه في نفس الوقت لم يخفي إمتعاضة من طموحاتهم، كما لم يخفي إستهانته بقدرة الرئيس صالح في حكم اليمن وخذلانه للشيخ في أكثر من موقف لكنه في نفس الوقت يشيد بحكمة الرئيس وبعد نظرته السياسية ، كما لم يخفي من إظهار موقفة الحقيقي من الوحدة وبماهية المبررات التي كان يستند عليها في معارضته لتحقيق الوحدة بتلك السرعة وبذاك الأسلوب مستعرجاً بالتفصيل عن تردد الرئيس على ناصر محمد في 1986 من تحقيق الوحدة وكذلك ابتزاز الحزب الاشتراكي للرئيس صالح عند تحقيق الوحدة في عام 1990 وكيف أن الحزب لم يكتفي فقط بإغراق الدولة بالموظفين بل وايضاً تحميل خزينة الدولة بأكثر مما تحتمل.  

دور الشيخ عبدالله من خلال تجييش القبائل وخاصة حاشد في الدفاع عن الثورة والجمهورية معروف وملموس وليس هناك مبالغة فيما لو قلنا بأنه يمثل أحد الأعمدة الرئيسية لنجاح ثورة سبتمبر حيث لو كان أختل موقف الشيخ عبدالله في اي يوماً من الأيام لسقطت الجمهورية. وبرغم حالة التباين القوية التي كانت تحصل بينه وبين المسئولين في الحكومة عبر تاريخ اليمن المعاصر، إلا أنها كانت لا تصل إلى حد التأمر على النظام الجمهوري. وهذا ما كان يحكية لنا بعض أفراد اسرتي الذي شاركوا كجنود في فوج البدر والجيش الرسمي والشعبي للثورة بما فيهم الوالد حفظه الله الذي خدم كجندي أمن في نقاط حراسة طريق الحديدة صنعاء في منطقتي الحيمة الخارجية وحراز، حيث كثيراً ما كان يثنوا على دور حاشد والشيخ عبدالله بالذات في المحافظة على المناطق الشمالية والشرقية وما عانوا ال الأحمر بالذات من مصاعب وتقلبات وتبدل المصالح خلال فترة الممتدة من 1959-1970، 

يستلخص المرء من قراءة مذكرات الشيخ عبدالله بأن من أهم الصعوبات والتحديات التي واجهته في الدفاع عن النظام الجمهوري هي في نقص العتاد والعدة لمواجة الملكيين المدعومين من المملكة العربية السعودية بالمال والأسلحة المتطورة نسبياً والذي شجع كثير من أبناء القبائل على تبدل الولاءات للحصول على الأسلحة لكنه لمح بانه كانت هناك نوع من الإستراتيجية بإنظمام بعض القبائل إلى الملكيين بهدف الحصول على أسلحة ومن ثم العودة لصفوف الجمهورية ومقاتلة الملكيين.. وهذا ما ذُكر في بعض مذكرات القادة المصريين بأن اليمنيين كانوا يبدلون الولاءات بين ليلة وضحاها. 

في الحقيقة ما اشبه الليلة بالبارحة فالأحداث والمعاناة التي واجهها قادة ثورة سبتمبر من محدودية قدرة الجيش الرسمي على تحقيق الانتصارات ظلت هي السمه الغالبة حتى يومنا هذا، فالجيش الرسمي لا يستطيع أن يحقق أي انتصارات من دون تدخل القوى القبلية كما يحدث الآن في صعدة، وكما حدث في الماضي القريب في حرب الانفصال عندما اعتمدت القوة الشرعية على القوى القبلية من لحج وابين والضالع وحضرموت لحسم الحرب، وكذلك ما فعلة الرئيس صالح في حرب 1979 بين الشطرين عندما اعتمد على الجيش الشعبي حيث اسهب الشيخ في ذكرها لكنه اقتصر في حديثة عن مساهمة حاشد ولم يتطرق إلى مساهمة بقية القبائل حيث واتذكر هذه الحرب جيدا حيث كنت في حينها في الصف السادس الابتدائي عندما خرج الشيخ احمد على المطري والشيخ حمود الصبري إلى ناحيتي بني مطر والحيمتين للبحث عن مقاتلين وكان للشيخين دور كبير في رفد المعركة بمقاتلين شاركا في المعارك التي دارت في مناطق قعطبة والنادرة وجبال عمار ومريس وهذا ما كنا نسمعة عند عودة من ذهبوا.

الجدير بالإشارة بأنه من خلال مذكرات الشيخ عبدالله يتضح بأن الشقيقة الكبرى السعودية كانت لاعب رئيسي في تاريخ ما بعد الثورة اليمنية ففي بداية الثورة أعلنت لحرب ضد الجمهورية من خلال دعمها الملكيين ثم واصلت حربها الباردة بأساليب مختلفة تجلى أهمها في دعم الرئيس الحمدي حتى اشتد عودة ثم تحالفت ضدة وكذلك عملت مع الرئيس صالح حيث دعمته في بداية عهدة وظلت علاقتهم به تترواح ما بين المد والجزر تجلت شدتها في حرب الانفصال وخيرها (إن كان هناك خير) في توقيع معاهدة جدة. 

الخلاصة بان مذكرات الشيخ عبدالله تعتبر إضافة نوعية للمكتبة اليمنية ومما لا شك بأنها تتكامل مع كل ما كتب من مذكرات حول تاريخ الثورة اليمنية وتاريخ بناء دولة اليمن المعاصر، إلا أنها تتكامل بدرجة أساسية مع مذكرات العم سنان حفظة الله وكتاب " الثورة والنفق المظلم"للاستاذ عبدالملك الطيب رعاه الله واللتان احتوتان على مجموعة من الرسائل المتبادلة بين الشيخ عبدالله والرموز الوطنية انذاك، .