الوحدة .. وماذا بعد أخي الرئيس ؟!!
بقلم/ د . عبد الوهاب الروحاني
نشر منذ: 11 سنة و شهرين و 4 أيام
الخميس 19 سبتمبر-أيلول 2013 05:31 م

هللنا وهلل الكثير من اليمنيين  للمبادرة الخليجية وصفقوا لحكومة "الوفاق" وهي تبكي  بعيون رئيسها الاستاذ باسندوه حزنا على حال العباد والبلاد .. وخرج الناس طواعية في الانتخابات الرئاسية المبكرة في فبراير 2011م وانتخبوا هادي رئيساً للجمهورية، أملا في اخراج البلاد من أزماتها ، وقلنا وقال كل الناس : "جاء الفرج" .

·وكان الرهان أولاً وأخيراً على مسألتين هما :

الأولى : وقف القتل وحالة الانفلات الأمني (وهو ما بينا الاخفاق فيه بالحقائق والأرقام في مقالة سابقة) .

الثانية : وجود حكومة تُعْمِلُ النظامَ والقانون ، وتوقف نزيف الفساد.

غير أن النتيجة كانت " زوبعة في فنجان" ، و" ديمة خلفنا بابها " ، فلا نزيف الدم اليمني توقف ولا وجدنا دولة ولا نظام ، فقد سيطر على المشهد السياسي القائم حرس قديم ومتهالك الى جانب مقربين ومحاسيب عيونهم فقط على ما يصيدون، ولا هم لهم ولا دراية في الشأن العام ، وغاب الشباب الطامح والمؤهل وطرد من المشهد العام شر طردة ، وأصبح حتى من استقطب منهم الى "مسرحية الحوار الوطني" التي تُعْرضُ منذ 18 مارس 2013م مجرد ديكور يزين المشهد و"كومبارس" - بحسب وصف عضو الحوار العزيز منير الماوري- يردد هتافات لا يدري بمضمونها .. ولا الى ما ترمي اليه ..!!

فحكومة "الوفاق" الذراع التنفيذي لفخامة رئيس الجمهورية ، وأداته الأمينة في التغيير والانتقال الى الدولة المدنية التي نسمعها كثيراً في خطاباته منيت بفشل ذريع، ليس فقط نتيجة سلسلة فضائح فسادها المالي والإداري التي نشرت بالوثائق عبر مختلف وسائل الاعلام ، وإنما لأنها أخفقت في كل شيء ، ولأنها خلال العامين العجاف التي مرت من عمرها حتى الآن لم تمتلك رؤية، ولم تفلح في تبني أية مبادرة لمعالجة أية مشكلة من مشاكل الوطن، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية ، أما مسالة الفساد المالي والإداري فحكومة "الوفاق" لم توقفه كما كانت شعاراتها بل سارت مسرعة في طريقه وبالغت في تكريسه وإعادة انتاجه بصورة مخيفة وبدون مبالاة.

عامان في زمن الحمدي:

وعامان من عمر الشعوب - تخريباً أو اعماراً - ليست قليلة ، فالشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي – رحمه الله – جاء عام 1973م على وضع مشابه تقريبا لما كانت عليه البلاد عام 2011م ، من حيث تفشي الفوضى وانتشار السلاح وسيطرة القبيلة، وانفلات الأوضاع الأمنية والاقتصادية ، وغياب الدولة والقانون .. لكنه جاء بمشروع وطني ، وخلال عامين من رئاسته للبلاد لم يبن فقط المرافق العامة من طرقات وسدود وحدائق ومستشفيات ، ومنشآت حكومية ومدارس ، ومحاربة الفساد وإعمال النظام والقانون ، بل حدد أيضا ملامح بناء الدولة المدنية ، واشعر المجتمع بالمواطنة المتساوية ، بل وادخل التلفزيون لأول مرة الى اليمن ، وبحسب وصف اديب اليمن العظيم والمناضل الكبير الاستاذ عبد الله البردوني فقد تميزت فترة الحمدي بكونها " كانت أسخى السنوات وأكثرها رخاء ، ثقافيا وماديا، ومن حيث تقارب التفاوت أو زوال الفروق بين غني وأغنى وبين فقير وغني ".

وطبعا كل ما فعله الرئيس الحمدي في سنين حكمه القصيرة جدا كان - بالتأكيد - بدون مبادرة خليجية أو دعم دولي، وكان بدون جمال بن عمر وأمم متحدة ، وبدون طائرات بدون طيار، ولا سفير امريكي بوزن وطول وعرض جيرالد ميشيل فايرستاين، فكان للرجل مشروع مضى في تنفيذه ، وكان الشعب معه لأنه كان يعبر عن طموحه وتطلعاته ، ولم تكن له مشاريع صغيرة من نوع العائلية أو المذهبية أو الفئوية أو الجهوية الانفصالية أو المناطقية ، التي تعمل النخبة الحاكمة اليوم على تمريرها ، ولذلك تكالبت عليه قوى الشر والتخلف وانقضت على مشروعه فقتلته وهو لا يزال في طور التخلق والنمو . لكنه لا يزال حيا في قلوب الناس ووجدانهم ، ولن يموت في احلامهم أيضا .

ومن هنا نريد فقط أن نقول لحكومة الوفاق ، التي تحظى بدعم دولي واقليمي، وتعهدات بتسعة مليار دولار، وبميزانية سنوية تزيد على 12.5 مليار دولار، ما الذي انجزته ، وما الذي صنعته من خوارق وانجازات حتى نفاخر بها وندعو الناس الى التمسك بها وتمجيدها والثناء عليها والتسبيح بحمدها ..؟!!

انتقام وعودة للوراء:

كنا نتمنى أن تجسد هذه المرحلة مفهوم الانتقال من وضع سيئ الى وضع أقل سوءاً، لكن للأسف نقول وبمرارة ان هذه المرحلة أصبحت من أسوأ المراحل وأمرها في تاريخ اليمن، لأنها تعود بنا الى الوراء ، ولأنها كرست وتكرس كل المساوئ التي رفضها المجتمع منذ ثورتي سبتمبر واكتوبر 62-1963م ، فصارت مرحلة انتقامية من كل شيء جميل كنا وكان الناس الذين خرجوا من اجل التغيير يحلمون به.

إن أمل الانتقال الى الحلم الموعود يتلاشى يا صاحبي - يا فخامة الرئيس ، وهدف التغيير وصل الى طريق مسدود ، فقد أصبحت الفوضى والفساد والعبث بأموال الدولة والمجتمع وغياب الأمن عناوين بارزة للمرحلة الراهنة. وثورة الشباب التي اندلعت في فبراير 2011م بهدف اقتلاع رموز الفساد في ظل إدارة الرئيس صالح تسقط اليوم بأيدي عصابات ورموز فساد جديدة – قديمة ، وجماعات سياسية "مؤدلجة" فاشلة ، الجديد فيها أنها أكثر فساداً وأسوأ تعاملا مع الانظمة والقوانين، ولا تفهم في التغيير - للأسف - أكثر من أنه تضليل إعلامي وسيطرة ونهب للمال العام وتقاسم جَوْعَى للسلطة والثروة وتهافت مجنون على الوظيفة العامة لصالح محاسيب وأقارب وأصدقاء على حساب الكفاءات الوطنية المؤهلة .

يبدو أنه قد كتب على شعبنا الابتلاء بسيطرة جهلة مشغولين بهوس حول ترتيب عوائل متحجرة وأحزاب منغلقة ، ليس للوطن في قاموسها معنى ولا مكان .. فاقدة القدرة على التعامل مع قضايا الناس وهموم المجتمع .

انجازات "الوفاق":

ولذلك كانت أبرز انجازات حكومتنا الموقرة حكومة "الوفاق" هي:

- اتساع نطاق الفقر والتسول .. فقد اصبحت حكومة "الوفاق" تروج للتسول ومد اليد ولكن مصحوبا ببكاء وطأطأة الرؤوس ..!!.

-استمرار بيع الغاز اليمني لشركات خارجية بسعر اقل من السعر العالمي بثلاثة اضعاف سعره الفعلي ، وهو ما كان معارضو الأمس حكام اليوم يتخذونه منطلقا لمقاومتهم للنظام السابق ، لكنهم خرسوا اليوم والحال لايزال كما هو في ظلهم .. ونعتبره احد ابرز المنجزات الراهنة .

- اعتماد السبت من كل اسبوع عطلة رسمية الى جانب الجمعة ، ولكن هذه المرة بدون فتاوى تكفيرية ضد رئيس الحكومة ، كما فعلوا في حكومة الارياني 99-2001م ، فلم يقيموا الدنيا ولم يقعدوها خوفا من التشبه والاقتداء باليهود والنصارى، ولم نسمع لعنا لهذا ولا طعنا في ذاك لا في مسجد ولا في منتدى ولا في محاضرة، ولم نسمع بدعاوى ضد أسلمة السبت ولا نصرنة أو يهودة الخميس !!!. فكان منجزا لحكومة الوفاق.

- الترويج سياسيا واعلاميا لمشروع الانفصال والتقسيم والتشرذم ، بعد أن كان الوطن قد حقق حلمه وأقام وحدته، التي لا ذنب لها فيما جري من سوء ادارة ، ولا ذنب لها فيما يجري الان من بيع وشراء باسم أعظم واهم منجز وطني.

- شروع حكومة "الوفاق" ببناء بوابة مقبرة نموذجية لشهداء ثورة فبراير - كما تناقلت وسائل اعلام الحكومة – بينما تركت جرحى ثورة الشباب يتسولون في شوارع تركيا، ومصر وعواصم عربية أخرى بحثا عن من يعالج اعاقاتهم وجروحهم..

-اقرار الحكومة وقف التعامل مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ، وهي هيئة رقابية يفترض فيها ان تراقب الحكومة وتمنعها من ممارسة الفساد والعبث بأموال الدولة . ولم نسمع بان متهما قد عزل قاضيا وأغلق المحكمة التي تقاضيه في عبثه وفساده.

- انتشار الحروب واستعارها حزبية وقبلية وطائفية في دماج، وحوث ، وعذر والعصيمات (عمران) والرضمة (اب) وأبين وشبوة وحجة والجوف... الخ.

- التمكين (الحزبي) من السيطرة على الوظيفة العامة.

- المشاركة في مؤتمرات تغيرات المناخ الدولي، ومؤتمر الشبكة العربية لمكافحة الفساد والمؤتمر الدولي للغة العربية.

- تغيير مسمى شرطة المرور الى شرطة السير. دون أن تبين الحكومة للشعب الفارق في المعنى بين اللفظين.

يا فخامة الرئيس – حفظكم الله ورعاكم ، لم يعد الوطن يريد تحقيق المنجزات الكبار والأحلام العظام التي وعدتم "فخامتكم" ووعدت حكومتكم بتحقيقها، وإنما ما يريده الشعب هو فقط " الحفاظ على منجز الوحدة " ، حتى لا تكون فترتكم الانتقالية انتقاما من "الوحدة" منجز الشعب والوطن ، وحتى لا يكتب التاريخ أنكم محوتم منجزها بمسرحية حوارية هزلية مُسِخَتْ فيها كل قيم ومناهج الحوار وأخلاقياته ...!!!

يا فخامة الرئيس، أنتم اليوم وحكومتكم الموقرة تمسكون بزمام الامور وتسيطرون على الثروة والسلطة في البلاد، وتهيمنون على الجيش والأمن، فلماذا اذاً، لا تديروا الدولة بما يحافظ على وحدتها وأمنها واستقرارها، وبما يحفظ لليمن كرامته وأمنه واستقراره .. الشمال والجنوب والشرق والغرب والتهايم والجبال تحت ادارتكم اليوم ، فلماذا لا تديروا البلاد بما يحفظ لها وحدتها، ويمنع عنها شبح التشظي والانقسام ..!!

 فماذا بعد اخي الرئيس .. وما ذنب الوحدة ، فانتم بفضلها وبفضل شعب الوحدة أصبحتم رئيسا للجمهورية ..!!