توقفوا عن إنتاج ونشر ثقافة العنف!
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و 28 يوماً
الخميس 05 يوليو-تموز 2007 04:58 م

من الغريب أن يصر البعض على الاستمرار بإنتاج ثقافة العنف ونشرها ، على الرغم أنه لم يبق أحد من اليمنيين لم يتضرر من العنف بشكل مباشر أو غير مباشر ، ولا شك أن هؤلاء من غير ذوي الطباع السليمة لأن العنف قبيح بطبعه ولا يحرض عليه إلا من كان كذلك ، ففي ظل الحرية التي تعيشها اليمن لا يوجد أي مبرر لأي نوع من أنواع العنف ، ولذلك فإن العنف من أعظم الظلم ، وإن من يعمل على إنتاج ونشر ثقافة العنف هو أشد ظلماً ممن يمارسه .

هناك فرق بين نقد الحكومة ومطالبتها بأي حقوق من خلال الطرق السلمية وبين القفز إلى العنف لإجبارها على ذلك ، فإن العديد من القوى السياسية في اليمن تتهرب من الأول وتنغمس في الثاني فبعضها تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى التحريض عليه من خلال تشجيع عملية إنتاجه ونشره .

ولسوء الحظ فإن هناك منبعين أساسيين لإنتاج ثقافة العنف ونشرها، المنبع الأول هو بعض المساجد وبعض خطبائها، أما المنبع الثاني فهو بعض الصحف وبعض كتابها.

فمن يسمع بعض الخطب سيجد أنها تحمل قدراً كبيراً من ثقافة العنف، أنها تبرره، بل وتحرض عليه سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

 إنهم يبثون روح التشائم ولا شك أن ذلك يعمل على تبرير العنف ، إذ أنهم يبالغون في تصوير الواقع على غير حقيقته عندما يظهرون المجتمع اليمني وكأنه قد أنغمس في الفساد والمعاصي ، إنهم يعملون على انتقاء بعض الأوضاع والسلوكيات والتصرفات التي قد تحدث في المجتمع ويصرون على أنها ضلال لأنها لم تكن موجودة في الصدر الأول من الإسلام أو أن بعضها قد إختلفت قليلاً عما كانت عليه خلال مرحلة الدعوة الإسلامية الأولى ، والأخطر من ذلك أنهم يحملون الحكومة وحدها المسؤولية الكاملة عن ذلك .

فإلى جانب أن مثل هذا الخطاب غير صادق فإنه مضر لأنه يبرر العنف ويحرض عليه ، فالإسلام ليس ديناً متجراً ، فقد أعطى مساحة كبيرة لتغير الاحكام بتغير الظروف ، ولذلك فإن العديد من السلوكيات التي يعتبرها هؤلاء مخالفة للإسلام وهي ليست كذلك في حال الفهم السليم للكتاب والسنة الصحيحة ، إنهم لا يسعون لإقناع الناس بوجهات نظرهم بل إنهم يبررون لأنفسهم استخدام العنف ، إن إجبار المجتمع على ممارسة سلوكيات معينة أمر ليس من الإسلام وغير مفيد ،ولن يعمل على تحسين أوضاع أي مجتمع من المجتمعات بل سيعمل على جعلها أكثر سوءاً .

لأن الدين الإسلامي الحنيف صالح لكل زمان ومكان فقد فرق بين الثوابت والمتغيرات ، فالثوابت هي التي تتلاءم مع فطرة الإنسان التي لا تتغير "التوحيد والعدل والتكافل " أما المتغيرات في ما تتطلبه الحياة وبالتالي فإنها تتغير بتغيرها مثل الملبس والمأكل ونظام الحكم ونظام الإدارة .

صحيح أن هناك مشاكل في البلاد لكن هذه المشاكل مرتبطة بالتخلف الذي يعاني منه معظم مكونات المجتمع ، ولذلك فإن استخدام العنف لتغيير الحكومة قد لا يغير من الامر شيئاً إذا لم تتغير معظم مكونات المجتمع ، ولا يمكن استخدام العنف لتحقيق ذلك ، فالقضاء على التخلف والمشاكل المرتبطة به يحتاج إلى تغيير ثقافة المجتمع بأسره ولا شك أن ذلك يتطلب وقتاً كبيراً ، والدليل على ذلك أنه إذا وصل أصحاب هذا الخطاب إلى الحكم ما استطاعوا أن يغيروا من الامر شيئاً ، ولذلك فإذا برر هؤلاء العنف ضد الحكام الحاليين فإنه سيكون مبرراً عليهم ، مما يعني أن دوامة العنف ستستمر إلى الابد .

أما المنبع الثاني لثقافة العنف هو بعض الصحف وبعض الذين يكتبون فيها ، إنها وكتابها يسعون بكل الطرق لإحباط الناس وغرس اليأس في نفوسهم ، وما من شك بأن اليأس والإحباط هما المناخ المناسب لتوليد العنف وتوسيعه ، فهذه الصحف تتغاضى عن العديد من الإنجازات التي تتحقق ، وتضخم بعض الاختلالات التي تحدث في اليمن وتحدث في كل بلاد الدنيا ، صحيح أنه لا ينبغي القبول باستمرار هذه الاختلالات لكن لاينبغي تضخيمها وإخراجها من إطارها المناسب .

والملاحظ أن العديد من هذه الصحف تدبج صفحاتها الأولى بعناوين مثل عدم التساوي ، حق المواطنة والسجون ملأي بالمعتقلين والحكومة تضيق على الحريات ، وغير ذلك من العناوين ، لكنها تتناسى أنها تنشر كل ما تريد قوله حتى ولو كان كذباً أو مبالغاً به بدون مضايقة ولا محاسبة ، إنها تتجاهل أنه في كل سنه يتم بناء العديد من المدارس الجديدة وأن عدد الطلاب الذين يلتحقون بها يتزايد وأنه يتم شق المزيد من الطرق ، إنها تتجاهل حقيقة أن المدن اليمنية تتوسع بمعدلات تفوق تلك المعدلات التي تنمو بها العديد من الدول النامية ، أنها تتجاهل حقيقة أن الريف اليمني لديه من الخدمات التي لا تتوفر في الغالبية العظمى من أرياف العديد من الدول القريبة من ظروف اليمن .

 وانطلاقاً من تجاهل هذه الصحف لمعظم هذه الحقائق فإنها تعتبر القتلة مقاومين وقطاع الطرق مناضلين ، ودعاة التجزئة وطنين والعنصريين أصحاب حقوق ، وكل من هو معارض للحكومة تعتبره مظلوماً .

وانطلاقاً من ذلك فإنها لا تفرق بين من حمل القلم وبين من حمل السلاح ، فالكل عندها مناضلون إذا كانوا ضد الحكومة حتى ولو كان المتضرر الحقيقي هو اليمن ، انها لا تفرق بين السعي إلى التغيير المطلوب مع المحافظة على الاستقرار وبين التغيير لمجرد التغيير حتى ولو كان إلى جهنم ، إنها لا تتخيل وجود تغيير سلمي يؤدي إلى استقرار المجتمع ، إنها تتناسى وجود بعض الاختلالات لا يبرر السعي للتغيير المجنون لأنه لو كان الامر على هذا النحو لما أستقر أي مجتمع من المجتمعات إذ أنه لا يوجد دولة في العالم قادرة على تلبية جميع مواطنيها .

إن على هؤلاء أن يتوقفوا عن إنتاج ونشر ثقافة العنف ، فإن لم يفعلوا ذلك فإن علينا توقيفهم من خلال الوسائل القانونية والسلمية .