قصتي في سفارة
بقلم/ عباس المساوى
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 8 أيام
السبت 16 يونيو-حزيران 2007 06:55 ص

مأرب برس ـ خاص

جرت العادة أن تكون لكل بلدة ذا سيادة سفارة له في الخارج ترعى شئونه ومصالحه وتسير شئون مواطنيها، وتقدم لهم الخدمات، إلا سفاراتنا في الخارج، مثل محطات وقود الراهدة وذي السفال، يوم فيها وقود.. وعشرة أيام بلا وقود.

سفراؤنا الأجلاء الأعزاء لا بارك الله فيهم .. لا شيء فيهم يستحسن إلا انتفاخ كروشهم وحمرة خدودهم ونفخ شفاههم؛ أما سفاراتنا وما أدراك ما سفاراتنا أجمل ما فيها سكر تيرة سعادة السفير.

دأب كثير من سفرائنا الأجلاء رموز الوطن ومنابر التنوير ومشاعل الأخلاق إلى اختيار سكرتارياتهم بعناية فائقة الدقة.

مواصفاتهن .. فارعات أطوالهن مخصرات خصورهن واسعات العيون محمرات الخدود وزد شرطاً أساسياً جميلات الابتسامة كي ينعم سعادة السفير بابتسامة مشرقة جميلة صباحية ومسائية.

دعيت يوماً إلى مؤتمر تديره منظمة عالمية كان المؤتمر يدور رحاه حول الاقتصاد والأعمال فكنت حاضراً من أجل التغطية والمشاركة، تحمست كثيراً للفكرة فذهبت مسرعاً إلى سفارتنا في تلك الدولة بعد أن تهت في الأزقة والشوارع وأنا أبحث عن سفارتنا العظمى.

رأيتها أخيراً .. دخلت بابها رأيت شتات من الموظفين هنا وهناك يتبادلون أطراف الحديث ويتبادلون الابتسامات فيما بنيهم.

ألقيت عليهم السلام قلتُ لهم أنا فلان ابن فلان .. هل بإمكاني أن أقابل سعادة السفير؟

أشار لي أحدهم بالانتظار .. انتظرت حتى سئم مني الانتظار .. تارة أجلس على الأريكة وتارة أقف على قدمي فإذا بي ألمح من بعيد فتاة شقراء لا تمت إلى بلدنا بصلة!! لكنها عربية بصورة غربية.

التفت إلى زميلي كي يأخذ لي الإذن بالدخول على مكتب سعادة السفير قال لي: عليك أن تتبع هذه الفتاة.. رحبت كثيراً بالفكرة .. أدلفت متوجهاً صوب مكتبها الموقر وجدتها جالسة سلبت مني فؤادي.. وأنستني اسمي .. وددتُ أن تنجز لي هذه الحسناء ما أريد.. وتمنيت لو أن النصف ساعة المتبقية لحين بداية المؤتمر تطول .. أشارت لي بلطف منقطع النظير .. اجلس

رفعت السماعة.. اتصلت بسعادة السفير .. وإذا بصوتها العذب الناعم ينساب وكأنه السلسبيل وأخبرته أن إعلامياً يمنياً يريد مقابلته.

دخلتُ على سعادة السفير وجلستُ على كرسي بجوار مكتبه قلتُ له: عمت صباحاً سعادة السفير.

استعرت هذه التحية من رجال الجاهلية لتكون بادرة حسن نية لعلاقة حميمية بيني وبين سعادة السفير.

عرفت بنفسي بهدوء حذر خشية عدم اثارة المبجل.. قلتُ له: أنا عباس المساوى، وقد دعيتُ لهذا المؤتمر الاقتصادي فأجدها فرصة كي تقدم لي ما في جعبتك، وجعبة ملحقكم الاقتصادي من بروشورات أو أفلام أو صور ترويجية كي أقدمها لهذا المؤتمر.

مد يده إلى بين أقدامه وأخرج لي بعض الأوراق لا تصلح حتى للف السندوتش والملحق نائم والسفير لا يعرف شيئاً في سفارته إلا الدولارات والجبايات.

خرجتُ من مكتب سعادة السفير .. تعمدت أن أحظى بابتسامة سكرتيرته الحسنى .. فابتسمت .. ودعتها على الطريقة الغربية.

نزلت إلى الطابق الأسفل رأيت شيئاً في طريقي جذب انتباهي فدعاني فضولي أن أعرف ما يدور.

رأيت أخ من الجنسية العربية.. يعمل في جباية الأموال والحسابات .. سألت أحد الموظفين قلتُ له: من هذا ؟ قال هذا المسؤول المالي للسفارة.

قلتُ عجباً!! لأن البطالة في بلدي صفراً .. فلم يجدوا يمنياً يعمل مكانه .. قال لي: إن هذا الذي ترى لا يسمع.. لا يرَ .. لا يتكلم.

هززت رأسي .. فعرفت القضية

كم هو مؤسف ومخجل أن تكون سفاراتنا في الخارج حراب في خاسرت الوطن تفوح منها جرائم الفساد والقرصنة وحلب جيوب المغتربين.

أصبحت سفاراتنا عبارة عن مواخير لتجارة الآثار وتهريب الممنوعات من وإلى الوطن.

إنهم سلبيون في كل مهمة يجب أن يقوموا بها.. لا ترويج للاستثمار.. ولا علاقات ولا تعريف بالبلد.. بل إن جالياتهم في أوطان الاغتراب لا تعرف حتى أسماؤهم.

مهمتهم فقط حضور حفلات الشاي والكيك وتبادل التهاني في المطاعم الفاخرة وحضور الأعراس.

لقد رأيت بأم عيني سفراء لدول عربية يمشون بأقدامهم ويدخلون المكاتب والقاعات فلا تفوتهم فائته وهم يروجون لبلدانهم سياحة واستثماراً.

كنت ذات يوم مع مجموعة من السفراء ورجال المال والأعمال فكل واحد منهم تحدث وأسهب عن بلده.. فلما جاء دور سفيرنا المفدى .. صدقوني لم يعد حتى خاطرة بسيطة ليتحدث بها عن بلده.

تمتم ببعض الكلمات التي لا تغن ولا تسمن من جوع.. أرجوكم لا تسألوني عن ثقافته.. إنه لا يعرف عدد سكان بلده ولا كم مساحتها!!

فعليكم سفراؤنا من إبليس السلام..

كاتب وإعلامي – الإمارات العربية المتحدة

Dxb_977@hotmail.com