الدولة الموازية في اليمن!!!
بقلم/ د. عبد الملك الضرعي
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 25 يوماً
الإثنين 25 فبراير-شباط 2013 04:52 م

تشهد اليمن منذ عقود تجاذبات اجتماعية وسياسية تعزز من مراكز النفوذ على حساب الدولة المدنية ، فعلى الرغم من الثورات والصراعات العديدة على امتداد الساحة اليمنية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ، فإن تلك الثورات والصراعات التي تحمل في طياتها إرهاصات شعبية هدفها الخروج من مرحلة ما قبل الدولة إلى مرحلة الدولة ، ومنها ثورة الشباب الشعبية السلمية 2011م التي أعلنت الرغبة الصريحة من قبل ملايين اليمنيين للانتقال إلى الدولة المدنية ، تلك الدولة التي تحمل مجموعة من الثوابت الوطنية مثل الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة ولأجل تلك الأهداف النبيلة تساقط المئات من خيرة شباب الوطن شهداء ومعهم ألاف الجرحى من أبناء عدن وصنعاء وإب وتعز وعمران وحجة وأبين وريمة وغيرها من المحافظات.

إن تلك الطموحات القديمة الجديدة تصطدم بجدار من التحالفات القبلية والعسكرية والسياسية والاجتماعية ، تلك التحالفات لديها من القوة العسكرية والنفوذ الشعبي والتوغل السياسي والإداري ما يمكنها من إعاقة أي طموح للتغيير ، هذه القوى اليوم تتقمص دور الدولة في العديد من مناطق اليمن وعلى وجه الخصوص في أقصى شمال اليمن وجنوبه 

من المفارقات العجيبة أن نجد في الدول المتقدمة والمدنية ما يسمى بحكومات الظل التي تهتم بمتابعة أداء الحكومة ، وبالتالي فوجودها يعمل على تقويم اعوجاج تلك الحكومات ، أما في بلادنا فالأمر مختلف تماماً حيث تسعى الدولة الموازية إلى تقويض أي جهد حكومي للبناء والتنمية ، من خلال وضع العراقيل أمام الحكومات المتعاقبة والتدخل المباشر في إدارة الدولة وبما يخالف القوانين النافذة ، ومن ذلك مثلاً تلك التوجيهات من مراكز النفوذ لقيادات الدولة الرسمية فيما يتصل بالتعيينات والترقيات الإدارية وإرساء المقاولات...إلخ ، تلك الممارسات التي تحمل عبارة(الأخ...مروا بتعيين (س)في مكان كذا فهو من الكوادر المؤهلة و...إلخ ، إن تلك التوجيهات تحل محل القوانين النافذة التي تنظم عمل مثل تلك الجهات الحكومية ، ومن الأمثلة على ذلك الاختراقات المتتالية لقانون الجامعات اليمنية بناء على توجيهات مراكز النفوذ ، تلك الاختراقات التي تبنى على توجيهات مقدسة لا يجوز مناقشتها ، فإن تكلم أحدهم أو حاجج بقانون الجامعات اليمنية قيل له هذه توجيهات فلان الشخصية الاعتبارية ...إلخ ، والأمثلة على ذلك كثيرة في عدد من أجهزة الدولة ومؤسساتها بل يدخل فيها حتى التوجيهات بصرف السيارات والأراضي والمنح الدراسية والعلاجية وغير ذلك.

إن الانتقال من عصر ما قبل الدولة إلى عصر الدولة يقتضي تفكيك الدولة الموازية لصالح المشروع الوطني الكبير الذي يؤدي إلى بسط سيادة الدولة وقوانينها على كل التراب الوطني ، ويمكّن من الالتزام الصارم بالقوانين النافذة وكبح مراكز النفوذ المنتهكة لتلك القوانين وتعريتها أمام الرأي العام ومحاسبتها، وإتاحة الفرصة للأفراد ومنظمات المجتمع المدني في الطعن أمام الجهات القضائية عند كشف أي تجاوزات للقوانين النافذة ، أما وأن تبقى إدارة الدولة رهن لمراكز القوة والنفوذ الاجتماعية والسياسية ، فإن صراعاً بين الدولة المدنية والدولة الموازية سيستمر ومع الأسف ستبقى بصمات الدولة الموازية هي الأبرز ، وسنبتعد بالتدريج عن طموحاتنا الشعبية بالدولة المدنية التي كانت حلماً عاماً خلال2011م.