بين ديمقراطية الإخوان .. ومدنية الليبراليين واليساريين في مصر !!
بقلم/ د.عارف أحمد المخلافي
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً و 22 يوماً
الأربعاء 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 04:49 م

على الرغم من أنني أرفض قطعياً تأليه الحاكم وتفرده بالسلطة؛ لأن الربيع العربي قام أساساً من أجل طمس هذا المفهوم ودفنه، إلا أن معلومات تسربت عن مؤامرة للإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي وما تبقى من المؤسسات المنتخبة وهو الأمر الذي دفعه لإصدار إعلان دستوري يصنع في ظاهره دكتاتوراً جديداً، ويؤكد في جوهره على أنه وسيلة لإنقاذ الديمقراطية الوليدة والنظام الثوري الجديد في مصر. وإلى جانب ذلك ظهرت مواقف تكشف عن حقيقة الصراع في مصر، وتجلت وقائع تكتب التاريخ بحبر مختلف...

فما هي الصورة إذن ؟ وما حقيقة دوران عقارب الساعة إلى الوراء ؟ ومن الديمقراطي الحقيقي في مصر الربيع العربي ؟

أولاً: ما تسرب من المؤامرة لإسقاط الرئيس محمد مرسي:

1-المحكمة الدستورية ستوجه ضربة قاصمة للرئيس مطلع الشهر المقبل ، بحل مجلس الشورى الذي تهيمن عليه جماعته، وإلغاء الجمعية التأسيسية وإبطال كل ما يتمخض عنها وقبول المنازعة في وقف الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي- قبل الأخير- والذي منح لنفسه بموجبه الصلاحيات التي كانت للمجلس العسكري.

2-هناك حوار جاد داخل المحكمة يمكن أن يتبلور ويتعزز إذا اطمأن لوجود سند شعبي قوي حول الإعلان عن خرق الرئيس للقسم الدستوري الذي أداه أمامها بما يعني أن شرعيته الدستورية لم تعد قائمة وهو ما يفتح الباب أمام إزاحته من رئاسة الجمهورية وإعلان خلو منصب الرئيس.

3-النائب العام المستشار عبد المجيد محمود قال –في الاجتماع السري- بأنه قام بتحريك قضية تزوير الانتخابات الرئاسية بشكل عاجل بعد تنسيق مع محامي الفريق أحمد شفيق.

4-النائب العام أبلغ الحاضرين أن مسار هذه التحقيقات يمكن أن ينتهي إلى أحد أمرين ، إما الإعلان عن تزوير الانتخابات لصالح محمد مرسي وبالتالي طلب إعلان الفريق شفيق فائزا برئاسة الجمهورية ، أو طلب إعادة الانتخابات الرئاسية برمتها بعد إعلان خلو منصب الرئيس.

5-تعاهد الحضور على العمل على إسقاط مشروع محمد مرسي أيا كان الثمن، وأن حراكا شعبيا سيكون جاهزا لدعم جهود المحكمة الدستورية وحماية النائب العام وقراراته الجديدة المنتظرة، غير أن المفاجأة أن تفاصيل اللقاء وصلت بالكامل إلى مكتب الرئيس محمد مرسي في صفحتين.

(المصدر: صحيفة المصريون: الثلاثاء 28 نوفمبر 2012 م)

هذا فضلاً عما تكشف عبر وسائل الإعلام مؤخراً من لقاء دار بين عمرو موسي ووزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة "ليفني "قبل الأحداث الأخيرة (مع العلم أن هذه المرأة الإسرائيلية اعترفت قبل أيام أنها عاشت في شبابها ليالي حمراء مع العديد من أصحاب القرار العربي لخدمة المشروع الصهيوني !!). وفي السياق نفسه صرح محمد البرادعي لمجلة "ديرشبيجل الألمانية" أن سبب انسحابه والقوى المدنية من اللجنة التأسيسية الخاصة بالدستور، هو عدم اعتراف معظم أعضاء اللجنة بمذابح اليهود "الهولوكوست" ولأن البعض يريد تحريم الموسيقى والفن، كما طالب الغرب بالتدخل لإنقاذ مصر، وطالب أمريكا بقطع المعونات عن النظام الحاكم!، فقال حرفياً كما نشر في الصحف "لا أستطيع تخيل أن شخصاً يملك مبادئ ديموقراطية يمكنه أن يدعم مثل هذا النظام على المدى الطويل"".

ثانياً: محطات المقارنة بين ديمقراطية الإخوان وديمقراطية التيارات الليبرالية واليسارية:

*قيام القوى المعارضة لقرارات الرئيس والتي حملت مشعل السلمية في ثورة يناير قيامها بممارسة العنف في محاولة لجر الآخر للعنف المضاد كي تثبت عدم قبوله للآخر وعدم قدرته على التعايش معه.

*إحراق العديد من مقرات الإخوان وحزب العدالة والتنمية ولم تكلف تلك القوى نفسها  حتى مجرد الإدانة لمثل هذه الأعمال، وكأنها إشارة منها إلى استمرار التخريب الذي كان قد بدأ بعد فوز مرسي مباشرة عندما أعلن عن مليونية إسقاط الرئيس وحرق مقرات الإخوان..

*استخدمت هذه القوى كل الألفاظ البذيئة والنابية في الصحف والقنوات الفضائية في حق الإخوان والرئيس دون أن يرفع الرئيس قضية واحدة ضدهم.

*تحالفت القوى الليبرالية واليسارية مع فلول النظام السابق وأدواته ضد الإخوان والرئيس مرسي، في حين ثبت الإخوان وباقي أطراف التيار الإسلامي على مواقفهم الثورية والتفريق في خطابهم بين قوى الثورة المضادة الممثلة ببقايا النظام السابق، والقوى الثورية التي باتت تعارض الرئيس والإخوان

*المطالبة بإسقاط حكم الإخوان، بل ورفع قضايا لحل الجماعة.

*العمل على جعل الرئيس الإخواني مجرد صورة ممسوخة بغرض إفشال ليس الرئيس وحسب وإنما المشروع الإسلامي برمته، وعدم إعطاء الفرصة لهذا المشروع في التعبير عن نفسه واختبار قدراته وتوجهاته ومواقفه.

*العمل على تكرار المشهد الذي حصل قبل ذلك في الجزائر عندما فازت جبهة الإنقاذ في الانتخابات فتم إلغاء النتائج وتدخل العسكر وقيام الحرب الأهلية، مع اختلاف الصورة في مصر حيث تم حل مجلس الشعب ويجري العمل على حل مجلس الشورى بل وحتى نتائج الانتخابات الرئاسية، ولكن دون حرب بالسلاح وإنما تدمير الحياة السياسية بالقضاء الذي يفترض أن يحافظ على استقلاليته وهيبته ...

*عدم قبول الحوار مع الإخوان وباقي القوى الإسلامية ولا حتى مقاربة الحلول.

*عدم الاعتراف بحق الإخوان في الحكم لدرجة أنهم طالبوا بتنازل مرسي لحمدين صباحي في جولة الإعادة مع شفيق رغم أن مرسي كان الفائز الأول.

*رفع شعار "لا لأخونة الدولة" مع أن حظوظ الإخوان من المناصب والوظائف المدنية والأمنية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية .. وغيرها لا تكاد تذكر بالقياس إلى الآخر بما فيهم انصار النظام السابق.

*عدم الاعتراف بأي إنجاز يحققه الرئيس مرسي على الصعيدين الوطني والقومي، على الرغم من موقفه من حرب غزة، وعدم انخراطه في طابور الرشوة والفساد ونهب المال العام وباعترافهم بنزاهته، وكذلك محاولاته بناء الدولة الجديدة.

وفي المقابل:

*نجد هدوء التيار الإسلامي في الشارع –حتى الآن- وعدم قيامه بالتعبير عن ثقله الشعبي الحقيقي الذي تعترف به باقي القوى.

*عدم استخدام اي نوع من أنواع السباب والشتائم، ولاكتفاء بالرد بفضح مواقفهم بالوقائع والوثائق وبصورة حضارية.

*عدم الانتقاص من حق الآخر في التعبير عن رأية ومواقفه لدرجة إلغاء مليونيتهم لإفساح المجال لهم وحتى لا تغذى الانقسامات على مستوى الشارع والسياسة.

*قبول التيار الإسلامي بالحوار على أساس أهداف الثورة وحماية مؤسساتها والاحتكام لنتائج الانتخابات الديمقراطية وما أسفرت عنه.

*تنازل الرئيس مرسي عن كثير من المواقف والقرارات المعلنة، ليس لضعف منه ومن مناصريه، ولكن لأنه تربى على آداب الإسلام التي تقوم على أساس "أن يدور المسلم مع الحق حيث دار" ولا يخش تقولات الغير، وهذا من الحكمة التي لا نجدها عند كثير من حكام المسلمين في العصر الراهن، بل نسمع عنها في الديمقراطيات الراقية في الغرب وحسب.

مما تقدم نخلص إلى أن الإخوان قبلوا بالديمقراطية ونتائجها أياً كانت، وقبلوا بالعمل المشترك وتبعاته، وقبلوا بمبدأ التعايش واحترام الآخر، وقدموا ويقدمون تنازلات عديدة لإثبات حسن النية مثل تشكيل الحكومة التي لم يحصل الإخوان منها سوى على خمس حقائب تقريباً، بينما القوى الليبرالية واليسارية –شركاء الثورة- لم يعترفوا بقوة الإخوان ولم يرغبوا في مشاركتهم ولم يتمنوا لهم النجاح ولم يحترموا حتى مقراتهم ونجاحهم الديمقراطي في الانتخابات في الرئاسة والمجالس التشريعية، وفوق ذلك كله يرفعون في مظاهراتهم في ميدان التحرير "لا للإخوان"، ليس لأنهم فشلوا ولكن لأن تلك القوى مصرة على العداء الأيديولوجي وعلى عودة المشاكسات الفكرية والصراعات العقيمة بما يوحي بأن إيمانهم بالصراع كوسيلة لإثبات وجودهم بل كأساس للتطور والنمو لم يستطيعوا التخلي عنه والتعايش مع المتغيرات، ومن ثم تغيير أفكارهم واستيعاب حق الآخر في الوجود.

فهل يمكن القول أن القوى الليبرالية والعلمانية واليسارية قد سددت هدفاً في مرماها، وخدمت الإخوان كثيراً عندما وفرت عليهم سنين مما كان عليهم أن يقدمونه فيها لإثبات ديمقراطيتهم وتعايشهم مع الآخر، رغم قناعتنا بأن عصر تأليه الحاكم وتفرده قد انقضى؟.

هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة ..