الأحزاب اليمنية بين واقعها وتوقعاتها
بقلم/ د. عبد الله أبو الغيث
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 10 أيام
السبت 06 أكتوبر-تشرين الأول 2012 05:07 م

لم أتعود الرد على الملاحظات التي أتلقاها على مقالاتي، ذلك أني أعتبر ما أتناوله فيها من قضايا إنما تعبر عن وجهة نظري الشخصية فيها؛ أو بالأصح عن الصورة التي أراها أنا عليها، وبالتالي فمن حق الآخرين الاتفاق أو الاختلاف معها، لكون الحقيقة تظل نسبية، فما تراه أنت حقاً قد يراه غيرك باطلاً.. والعكس صحيح، ويظل من حق كل شخصية أو جهة الرد والتوضيح على ما تعتبره خطأ أو إجحافاً في حقها.

لكني سأخرج عن قناعتي هذه المرة بعدم الرد أو التوضيح، وذلك بسبب كثرة العتابات التي تلقيتها على مقال الأسبوع الماضي الذي تناولت فيه (تحولات القوى السياسية في اليمن الجديد)، سواءً تلك الت تلقيتها شفاهةً أو عبر التلفون من شخصيات حزبية متعددة؛ بعضهم قيادات في أحزابهم وبعضهم أعضاء عاديين، منهم من أعرفهم ومنهم من تشرفت بمعرفتهم لأول مرة بصورة شخصية.

والغريب في الأمر أن معظم المعاتبين كانوا يركزون على تصحيح معلوماتي بخصوص النقد الذي وجهته للأحزاب كل على حدة، بينما لم أجد أحدهم يشير إلى خطأ معلوماتي في عبارات المديح التي اختلطت مع عبارات النقد. إلى جانب أن كل منهم قد اجتزأ الكلام الذي يخص حزبه؛ مع أن الموضوعية تقتضي أن يتم قراءة المقال كوحدة متكاملة، بحيث يتم الربط بين الكلام الذي قيل عن كل الأحزاب سواءً كان مدحاً أو ذما.

وبخصوص ردي عليهم فقد قلت لهم بأن هذه هي صورة أحزابكم وجماعاتكم كما تبدو لي، فإن كانت رؤيتي صحيحة فأنتم مطالبون بتصحيح الاختلالات التي أشرت إليها بدلاً من إنكارها، أما إن كانت غير صحيحة وقاصرة فالعتب يقع عليكم بالدرجة الأولى لكونكم مقصرين في إيصال حقيقة أحزابكم للمواطن العادي خارج أطركم التنظيمية، خصوصاً أني أزعم لنفسي بأني قد التزمت الموضوعية فيما تناولته من غير تجنٍ على طرف دون غيره.

بعض القياديين تحدثوا عن أحزابهم بصورة مخملية ونرجسية، ويتوقعون أن ينظر الجميع إلى أحزابهم بنفس نظرتهم، لكني قلت لهم بأن هناك فرق كبير بين التوقع والواقع، ولو كلفت هذه القيادات نفسها للاستماع حتى للأعضاء العاديين داخل أحزابها أنا على ثقة كاملة بأنها ستخرج بحقيقة صادمة لها.. هذا إن كانت بالفعل لا تدرك الحقيقة وتريد الوصول إليها، أما إن كانت تعرفها وتتعامى عنها، وتصر على استغباء غيرها فتلك قضية أخرى.

البعض كان يردد على مسامعي بأنه كان يتوقع بأن مزايا حزبه صارت أمراً واقعاً ويستغرب بأني لا أعرفها رغم كوني أستاذاً جامعياً وكاتباً صحفياً يفترض أني متابع للأحداث، ولا أدري لماذا ذكرني مثل هؤلاء ببعض طلابي في الحرم الجامعي عندما يحضرون إليّ معترضين على الدرجات التي حصلوا عليها لكونهم كانوا يتوقعون بأن يحصلون على درجات أعلى، فأرد عليهم بأني تعاملت مع أوراق امتحانهم بموجب الإجابات الواقعية التي تحويها، أما توقعاتهم فهي في أذهانهم ولم أجدها في دفاتر الإجابات، والشاطر هو من يجعل واقعه يوافق توقعاته، وذلك إنما يتم بالجد والمثابرة، وليس بالخيالات وأحلام اليقظة.

بعضهم مع الأسف اتضح من خلال كلامه وعتابه أنه لم يقرأ غير عناوين المقال ولم يتطرق إلى مضمونه، وكان واضحاً عدم قدرة بعضهم على التفريق بين العناوين الداخلية التي هي جزء من المقال وبين العناوين الترويجية التي توردها هيئة تحرير الصحيفة بغرض لفت القراء للمقال ودفعهم لاقتناء الصحيفة، وذلك أمر معروف في عالم الصحافة، ومع ذلك فقد كانت كثير من الحوارات بيني وبين المعاتبين الأعزاء تدور حول تلك العناوين، وهي في الوقع لم تخرج عن المعنى العام الذي أورده كاتب المقال، لكنها فقط صيغت بطريقةٍ مثيرةٍ وملفتة.

بعضهم حاول لفت انتباهي إلى أني اعتمدت في كلامي على مجرد إشاعات، خصوصاً عند حديثي عن رغبة أربعة أحزاب للخروج من المشترك، فقلت له حتى إن كانت إشاعة إلا أنها قد انتشرت في المواقع الإخبارية بشكل كبير ولم نسمع نفي لها من جانب الأحزاب المقصودة، فأخبرني بأن الرد سيعمل قيمة لمصدر الإشاعة وهو ما يريده، وهنا أقول بأن ترك الإشاعة دون نفي يحولها إلى حقيقة في نظر المتابع، لذلك فمن الضروري نفيها والرد عليها؛ حتى إن تم ذلك بشكل عرضي وعلى هامش فعالية ليست مخصصة لذلك، ومن غير التطرق لصاحب الإشاعة، وبذلك نفند إشاعته من غير أن نوليه الأهمية التي يبتغيها.

بعضهم اعتبر أني كنت متحاملاً على إيران عندما انتقدت تحالف بعض الأحزاب العروبية معها، فقلت له إن مقالي المذكور لم يكن مخصصاً للحديث عن السياسيات الخارجية لليمن وصراعات القوى الإقليمية والدولية التي تجري على أرضها، وإن أراد معرفة رأيي حول ذلك فما عليه إلا العودة إلى مقال سابق لي بعنوان (طوابير الارتزاق الخارجي في اليمن) ذكرت فيه بشكل خاص الطابور السعودي والطابور الإيراني والطابور الأمريكي، وأضيف هنا للعزيز صاحب الملاحظة بأن الفارق فقط بين الطوابير الثلاثة أننا نجد دعماً سعودياً وأمريكياً يقدم بشكل رسمي للدولة اليمنية، وذلك ربما يغطي على بعض مساوئ تدخلاتها في اليمن في نظر المواطن اليمني، أما إيران فلا نجد لها ذلك الدعم، ويختفي اسمها دائماً من مؤتمرات المانحين الخاصة باليمن رغم قدرتها على تقديم الكثير.

بعضهم حاول ضرب قناعاتي بالدفاع عن المشترك في ثنايا المقال، على أساس أن المشترك أدى دوره في فترة محددة وانتهت الحاجة إليه، وأن الصراعات الأيديولوجية السياسية منها والمذهبية ستقف عائقاً أمام استمراره، لكني صممت على رأيي بأن الحاجة تزداد إلى استمرار تحالف المشترك بصورة كبيرة خلال المنعطف الخطير الذي تمر به اليمن في اللحظة الراهنة، وكم أتمنى أن تنظم إليه بقية الأطراف التي تعمل من خارجه، لنتمكن من بناء كتلة تاريخية تقود الوطن اليمني إلى بر الأمان، أما التناقضات الأيديولوجية فمثلما أنها لم تمنع قيام المشترك في الماضي فهي لن تمنع استمراره وتوسعه في الحاضر والمستقبل، خصوصاً وعصرنا قد أصبح عصراً للبرامج الانتخابية أكثر منه عصراً للتمترسات الأيديولوجية.

كان بعض ممن أبدى لي الملاحظات يعاتبني بتخصيصي الحديث عن أشياء في أحد الأحزاب بينما هي تنتشر في غيره من الأحزاب؛ مثل حديثي عن التغيير والتشبيب، وتلك ملاحظة صحيحة كنت مضطراً لها لتجنب التكرار، بحيث ركزت في الحديث عن كل حزب أو جماعة على المواضيع التي تخصه أكثر من غيره، خصوصاً أني قد تحدثت في إطار المقال عن قرابة سبعة عشر حزباً وجماعة، ما يعني أن تقديم قراءة تقييمية للتحولات التي تشهدها في حاضرها ومستقبلها المنظور بصورة مفصلة يحتاج إلى مجلد كبير وليس إلى مقالة صحفية عابرة.

هذه بعض اللقطات من الحوارات التي دارات بيني وبين المنتقدين لبعض ما جاء في مقالي المشار إليه أعلاه، علماً بأني أهملت التطرق لبعض الملاحظات الثانوية واكتفيت بالرد على الملاحظات الرئيسية، إلى جانب رغبتي بعدم الإشارة لأسماء المعاتبين لأن الهدف ليس مناقشة أشخاصهم ولكن طروحاتهم، فضلاً عن أن بعضهم قد تواصل معي بصفة شخصية بحكم العلاقة التي تربط بيننا.

وختاماً: أقدمها دعوة للمعاتبين بإعادة قراءة مقالي المذكور بصورة متمعنة وفاحصة في إطار الملاحظات التي أشرت إليها هنا، وهو منشور لمن أراد العودة إليه من غيرهم في العدد المنصرم من أسبوعية اليقين إلى جانب العديد من المواقع الإخبارية، وأنا لا أدعى لنفسي العصمة أو التنزه عن الخطأ.. فإن أحسنتُ فمن الله وإن أسأتُ فمن نفسي؛ ولا أُحمّل الشيطان أخطائي.