المعلم عندما يتحول الى صقر
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 26 يوماً
الإثنين 27 أغسطس-آب 2012 04:21 م

ان تطلب مصر عقد اجتماع تشارك فيه دول اللجنة الرباعية التي اقترحها الرئيس محمد مرسي على هامش قمة مكة الاسلامية الاستثنائية، فهذا يعني أمرين اساسيين: الأول ان مصر بدأت تستعيد دورها الرائد في المنطقة، والثاني ان هناك قناعة تتبلور بشكل متسارع مفادها ان الحل للأزمة السورية يجب ان يكون اقليميا وليس دوليا.

الرئيس مرسي يطير في اليومين القادمين الى الصين في زيارة رسمية، يتوقف بعدها في طريق العودة في العاصمة الايرانية طهران، للمشاركة في اعمال قمة عدم الانحياز التي تستضيفها ايران في اواخر هذا الشهر.

ويأتي هذا التحرك المصري وسط انباء عن نوايا ايرانية بالتقدم بمشروع مبادرة لحل الأزمة السورية، وهذا يعني عمليا التناغم مع الجهود المصرية ودعمها بطرق مباشرة، في محاولة لقطع الطريق على الولايات المتحدة الامريكية وشركائها الاوروبيين، والحيلولة دون تفردهم بشؤون المنطقة.

كان لافتا قول السيد عمرو رشدي المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية ان مصر اجرت اتصالات مع الدول الثلاث الاخرى (تركيا وايران والسعودية) التي وصفها بأنها ذات تأثير حقيقي. ولعل ما كان لافتا اكثر هو اشارته الى ان 'ايران جزء من الحل وليست جزءا من المشكلة'.

السؤال المطروح بقوة هو عن طبيعة الحل الذي يمكن ان تتمخض عنه هذه التحركات المصرية ـ الايرانية، فهل سيكون في ظل وجود الرئيس بشار الاسد ولو لفترة مؤقتة في السلطة خلال مرحلة انتقالية، ام بتنحيه تماما؟

الرئيس الاسد حسم الجدل يوم امس عندما قال اثناء لقائه السيد علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني 'إن سورية لن تسمح بنجاح المخطط الذي يستهدفها مهما كان الثمن'، فيما اكد المبعوث الايراني على استعداد بلاده للمساعدة في اجراء حوار بين النظام السوري والمعارضة، مشددا على اهمية 'الحل السياسي'.

من الواضح وبعد مجزرة داريّا التي راح ضحيتها حوالى 300 سوري اثناء اقتحام قوات الجيش لها، ونجاحه في استعادة السيطرة عليها، ان النظام لا يريد حلا سياسيا يقدم فيه تنازلات عن الكثير من صلاحياته للمعارضة ، وانه وبعد تحقيقه تقدما في كل من حلب وريف دمشق بات عاقدا العزم على اتباع الاسلوب الروسي في غروزني عاصمة الشيشان، اي تدمير الاحياء التي تسيطر عليها قوات الجيش السوري الحر بكل قوة وشراسة، ومهما بلغت الخسائر البشرية من فداحة.

' ' '

السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري الذي يصنّف عادة في خانة حمائم النظام فاجأنا بالتخلي عن ردائه الدبلوماسي الناعم الذي عُرف به، وتحوّل الى صقر ذي انياب ومخالب، عندما قال بعد لقائه مع المبعوث الايراني نفسه 'ان دمشق لن تبدأ المفاوضات مع المعارضة الا بعد 'تطهير' البلاد من 'المجموعات المسلحة'.

ولا نعرف كيف ستكون هذه المفاوضات مثمرة، وما هي قيمتها الفعلية، اذا جاءت بعد اكمال 'عمليات التطهير' هذه، واعادة جميع المناطق التي سقطت في ايدي الجيش السوري الحر الى سيطرة الجيش العربي السوري الرسمي.

النظام السوري بات يستعيد ثقته بنفسه وامكانياته العسكرية بصورة ملحوظة، والسبب هو تراجع احتمالات التدخل الاجنبي، ومن قبل الغرب خاصة، خوفا من الخسائر البشرية والمادية، وامتداد الصراع الى دول الجوار السوري. فتركيا التي كانت تعلن بأن ايام الاسد معدودة تراجعت عن صقوريتها خوفا من الاكراد واستفحال العامل الطائفي في نسيجها الاجتماعي، والمملكة العربية السعودية بدأت تتودد الى ايران خوفا من تجدد الاضطرابات الشيعية في منطقتها الشرقية، واعلنت امس عن اكتشاف خليتين 'ارهابيتين' واحدة في جدة والثانية في الرياض العاصمة، اما الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، فبدأ يخشى من الجماعات الاسلامية المتشددة التي اكدت تقارير صحافية وجودها بقوة على الاراضي السورية.

ارقام القتلى والجرحى باتت فلكية في الايام الاخيرة، فلا يمر يوم دون سقوط مئتين او ثلاثمئة قتيل، ويبدو ان هذه الارقام المرعبة التي لم تعد تثير شهية الصحافة، مثلما كان عليه الحال في بداية الانتفاضة، مرشحة للتصاعد في ظل عمليات 'التطهير' التي تتكثف يوما بعد يوم.

الشعب السوري تعرض لأكبر خدعة في تاريخه والمنطقة، فقد صعّدوا توقعاته بالخلاص القريب، واكدوا له اكثر من مرة وعلى اكثر من لسان، ان ايام النظام معدودة قبل عام على الاقل، وان المجتمع الدولي سيقف الى جانبه وسيحميه، وها هو يجد نفسه يقف وحيدا امام آلة الموت والدمار الجبارة.

ضللوه بقصص الانشقاقات السياسية والدبلوماسية بل والعسكرية، ولكنها رغم وقعها النفسي الكبير على النظام، ظلت اعلامية، تبخّر مفعولها بعد ايام، واضافت عبئا اضافيا على المعارضة عندما زادت من انقساماتها وكثرة الرؤوس المتطلعة للقيادة في صفوفها.

' ' '

ولعل الخدعة الاكبر التي جرى حبك خيوطها بإحكام، وسقطت الفضائيات العربية في مصيدتها وهي مفتوحة العينين، تلك المتمثلة في مسرحية انشقاق السيد فاروق الشرع نائب الرئيس منزوع الصلاحيات، فها هو مسلسل الانشقاق الرمضاني الاكثر تشويقا ينتهي امس، عندما ظهر بهدوء على شاشة التلفزة الرسمية وهو يستقبل مسؤولا ايرانيا، سواء كان ذلك باختياره، او رغما عنه.

بعد 18 شهرا من صمود الشعب السوري الاسطوري، وفشل ذريع لجامعة الدول العربية وقياداتها ووزراء خارجيتها وأمينها العام، ومعها الامم المتحدة ومبعوثوها، في حقن دماء الشعب السوري، نأمل ان يأتي الحل السياسي على ايدي اللجنة الرباعية التي اقترحها الرئيس مرسي، فهذه الدول هي الوحيدة صاحبة التأثير الفعلي، فعندما يصر رئيس الدبلوماسية السورية ان لا مفاوضات الا بعد التطهير الكامل، وتصر المعارضة انه لا حوار الا بعد تنحي الرئيس الاسد. فهذا يعني اننا امام طريق مسدود يحتاج الى معجزة لفتحه، ولعل المفتاح السحري في يد الرباعي مرسي ونجاد واردوغان وعبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ولا نملك غير التحلي بالتفاؤل في وجه هذا الجو المفعم بالتشاؤم!

Twitter:@abdelbariatwan