قراءة في مضامين الرقم الأصعب والمشبوه (17) في تاريخ اليمن المعاصر
بقلم/ د.طارق عبدالله الحروي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و يوم واحد
الإثنين 23 يوليو-تموز 2012 10:02 م

- مما تجدر الإشارة إليه أن محاولة مجرد التفكير في الخوض في مثل هكذا موضوع يحتاج لنوع معين من التراكم شبه المعرفي والروي شبه المتعمقة القادرة على حلحلة بعض أهم إرهاصات الملفات الشائكة والمعقدة في تاريخ اليمن المعاصر إلى الدرجة التي نستطيع أن نستشف من خلالها بعض أهم الدلالات والمعاني والمؤشرات بهذا الشأن، وفي نفس الوقت قد يتفا جئ الكثيرين ممن سوف يتسنى لهم الإطلاع على موضوع مقالتي هذه، لدرجة قد تبلغ ذلك الحد من درجات الاستغراب حول ماذا يعني الرقم (17) في تاريخ اليمن المعاصر الممتدة بين عامي (1962 -2012م) ولماذا ؟ وعلى أية أساس تم اعتباره الرقم الأصعب والمشبوه بين الأرقام ؟ وما الغاية من وراء إثارته بهذا الشكل في هذا التوقيت تحديدا ؟ أو بمعنى آخر ما طبيعة حقيقة فحوى الرسالة التي نسعى وراء بثها إلى كل ذوى العقول والألباب من أصحاب القلوب الطيبة وأبناء اليمن في عموم البلاد ؟

- علما أني أود أن أعلمكم أني أعكف منذ فترة ليست بالقصيرة على إعادة تناول هذا الموضوع بنوع من التفصيل في دراسة مهمة إنشاء الله قد ترى النور في القريب الآجل، على خلفية أننا قد بدأنا بتناول هذا الموضوع ضمن سلسلة دراسات ومقالات أخذت منا الكثير من الجهود المضنية التي استمرت شهور عديدة منذ مطلع العام الماضي، بصورة فتحت أمامنا المجال واسعا لإمكانية تلمس بعض أهم الخيوط الرئيسة بهذا الشأن، والتي استطعنا من خلالها الكشف عن بعض أهم الحقائق المذهلة في تاريخ اليمن المعاصر، نشر البعض منها على صدر الصحافة المحلية الورقية والالكترونية كـ(حزب التجمع اليمني للإصلاح : الشريك والجلاد والضحية القادمة)، (الحزب الاشتراكي اليمني: الشريك الضحية والجلاد) ، (قراءة في البعد الاستراتيجي : لسيناريو تفكك وزوال حزب التجمع اليمني للإصلاح)، (الرئيس الشهيد إبراهيم ألحمدي.. أصبحت اعرفه أكثر منكم)، (الناصريون...هم من احملهم دم أبن اليمن البار وشهيدها) (التيار الوطني المعتدل في اليمن ومؤشرات استعادة أهم ملامح اللحظة التاريخية للمرحلة(1974-1977م) (الشعب هو الرقم الأصعب بين الأرقام فاحذروا تجاوزه أو تجاهله!!) (نحن لا نحكم ولا نسيطر بل ندير إذا من حكم اليمن ؟) (لمحات مضيئة حول خفايا وأسرار علاقة الرائد علي الصالح حفظه الله ورعاه بالرئيس إبراهيم ألحمدي رحمة الله عليه!!) (لماذا وقع اختيار الرئيس إبراهيم ألحمدي على الرائد علي الصالح كي يكون خليفته في قيادة حركة التغيير الوطني!!!) (رسالة تاريخية نيابة عن الحي الشهيد علي الصالح إلى روح الشهيد إبراهيم ألحمدي: في الذكرى الـ34 من قبوله باسم اليمن دولة وشعبا تولي مقاليد السلطة 17/7/1978م)....الخ، وأخرى لم تنشر لحد الآن كـ(التحركات الشعبية في اليمن محاولة لفهم ما يجري؟ )، (الحركة الناصرية الشريك والضحية: قراءة تاريخية وتحليلية في ملف أسرار وخفايا الانقلاب الأسود الثاني (1977-1978م) الأخطر في تاريخ اليمن المعاصر قاطبة)...الخ.

- ومن نافلة القول بهذا الشأن في محضر محاولة إعطاء تفسيرات أولية للإجابة عن التساؤلات أعلاه والتي سوف أفتح من خلالها محورا للنقاش مع كافة المعنيين؛ هو أن الرقم (17) الذي هو حاصل قسمة الرقم (51) عاما الماضية على الرقم (3)، قد أصبح له مكانة مرموقة في تاريخ اليمن المعاصر لكن ضمن إستراتيجية التيار التقليدي المحافظ (القبلي) والمتطرف (الديني) وحلفائه أو شركائه المحليين والإقليميين وكذا الدوليين على مدار الخمسة العقود الماضية.

- على خلفية ما أصبحت تشير إليه معظم الدلائل التاريخية من دلالات ومعاني بهذا الشأن، في ضوء طبيعة ومستوى ومن ثم حجم سلسلة الانقلابات الرئيسة السوداء التي قادها التيار التقليدي المحلي بامتداداته الإقليمية والدولية، والتي هيمنت على إرهاصات المشهد اليمني منذ مطلع عقد الستينيات إلى حد كبير، بحيث نجحت في قلب خط سير الأحداث الرئيسة القائمة والمتوقعة فيه رأسا على عقب على حساب التيار التحديثي التحرري (الوطني المعتدل)، والتي تكررت ثلاثة مرات متتالية في الـ51 عاما الماضية بتناغم مذهل وانتظام ودقة لا تخطر على بال أحد، في الفترات الزمنية الثلاثة الواقعة بين الأعوام (1963- 1979م) و(1979- 1995م) و(1995- 2011م).

- إلا أنها في نفس الوقت- برأينا- لم تخرج عن كونها مجرد مخرجات للحلقة الرئيسة الأهم في سيناريو الإجهاض الرسمي المنظم لمشاريع حركة التغيير الوطنية في الأعوام 1962م و1974م و1989م و2011م، والتي تقوده نفس الأطراف والفعاليات لنفس الأهداف والغايات وبنفس الطرق والوسائل والآليات؛ تتشابه إلى حد كبير معظم فصولها الرئيسة في المضمون وتتباين إلى حد ما في الشكل.

- ومن هذا المنطلق يتسنى لنا الإشارة إلى أن التيار التقليدي المحلي بامتداداته الإقليمية والدولية قد حقق مكاسب متعاظمة نالت إلى حد كبير من محتوى وشكل مشروع التغيير الوطني فكرا ومنهاجا وأفرادا، وهو مازال في الرحم قبل أن يولد ليس إلا، بحيث أسهمت بحرفه عن مساره الرئيسي وصولا إلى تقويض أركانه الأساسية ومن ثم إيقافه وتجميده عن الحركة بصورة شبه كلية، أما كيف تم ذلك ؟

- نرد بالقول أن طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الضربات المتتالية والموجعة التي تهاوى تحتها التيار التحديثي التحرري ومشروعه الوطني كانت هي الأقوى والأكثر شراسة وعدوانية ليس هذا فحسب، لا بل وقدرة وامتدادا لدرجة نجح معها في فرض هيمنته شبه المطلقة على المسرح الداخلي طوال نصف قرن إلا نيف، على خلفية إدراك عناصر التيار التقليدي لتلك الحقيقة الدامغة في تاريخ اليمن الحديث والقديم؛ والتي مفادها \" أن التيار التحديثي التحرري لا يحتاج سوى إلى فرصة حقيقية واحدة مكتملة الأركان الأساسية توفرها لحظة تاريخية بعينها وليس أقل من ذلك أو أكثر، تتيح له المجال واسعا؛ كي يصنع منها بأيادي خبيرة كفوه حاضره ومستقبله الذي أعد نفسه له، وهذا ما حرصت القوى الانقلابية على مدار هذه الفترات قاطبة على عدم إتاحته لها بالمطلق تحت أية اعتبارات أو ظروف كانت، وهذا ما نشهده بأم أعيننا منذ أحداث مطلع العام الماضي إلى يومنا الحالي .

- أما في حقيقة الأمر فإن العامل الأكثر أهمية ومن ثم بروزا وتأثيرا في معادلة الصراع الأزلية الحاكمة القائمة بينهما قاطبة؛ هو العامل الشعبي وقواه الوطنية الحية، الذي مثل محور الارتكاز الأساسي فيها كما أوردنا بعض أهم مؤشراته في مقالنا المنشور بعنوان (الشعب هو الرقم الأصعب بين الأرقام فاحذروا تجاوزه أو تجاهله !!!)، على الرغم من أهمية لا بل وفاعلية العامل الخارجي والسعودي منه- بوجه خاص- بهذا الشأن أما لماذا ؟

- نرد بالقول أن طبيعة مستوى ومن ثم حجم معادلات الصراع والتنافس الحاكمة للمسرح السياسي- الأمني، التي خاضها التيارين آنفا الذكر مع بعضهما البعض على مدار الخمسة العقود الماضية، لم تكن في الأساس تدور حول مدى قدرة أية تيار على حسم الجزء الأكبر والمهم من تلك الملفات ذات العلاقة بمقومات القدرة المادية والمعنوية التي هيمنت إلى حد كبير على طبيعة إرهاصات المشهد اليمني؛ ممثلة بمحاولة كل تيار على حده تعظيم عناصر قوته السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية والاجتماعية...الخ على حساب التيار الآخر، حتى وإن كان ذلك هو التوجه الأكثر بروزا وحضورا، وإنما كان- بالدرجة الأساس- بحسب ما تشير إليه معظم الدلائل التاريخية مرتكزا على حيثيات الملف المحوري الأكثر أهمية بهذا الشأن؛ المتمثل بمحاولة اكتساب تأييد الجزء الأكبر والمهم من فئات الشعب ومن ورائها القوى الوطنية بكل أطيافها وتياراتها.

- ومما لا شك فيه- أيضا- بهذا الشأن أن اللحظات التاريخية المحدودة جدا التي حظيت بها اليمن والتيار التحديثي التحرري على حين غرة، طوال فترة الخمسين عاما الماضية لم يتم توظيفها إلى ذلك المستوى المنشود المرتبط بشكل وثيق بتجسيد أهم أولويات المصلحة الوطنية العليا، أما لماذا ؟ فيسعنا الرد بالقول أن ذلك له علاقة وثيقة الصلة بمدى طبيعة استمرار تنامي حالات الغموض والتعقيد في البيئتين الداخلية والخارجية المناوئة والمناهضة لها.

- سيما تلك اللحظة التاريخية الوحيدة لا بل والفريدة من نوعها في تاريخ اليمن المعاصر إذا ما صح لنا القول ذلك والمتجسدة بفترة حكم الرئيس إبراهيم ألحمدي، فبالرغم مما حظيت به قيادة وعناصر التيار التحديثي التحرري من حضور والتفاف وطني وشعبي شبه كبير, إلا أنها عجزت إلى حد كبير، أن تحوله من مجرد أرقام للتباهي والاستهلاك المحلي إلى فعل إستراتيجي له شأنه ومكانته المرموقة لا بل والمحورية في المعادلة الداخلية القائمة برمتها؛ من خلال حزمة متنوعة من الإجراءات السياسية والتنموية الضخمة والنوعية ضمن استراتيجية وطنية طموحة ومشروعة متكاملة الأبعاد معدة لمثل هذا الغرض، أما لماذا ؟ نرد بالقول لأنها المخرج والطريق الوحيد برأينا القادر على تجسيد أهم أولويات المصلحة الوطنية العليا إلى حد كبير بمراعاة عامل السرعة والوقت والكلفة.

- وهو الأمر الذي يجب وليس ينبغي على قيادات وعناصر مشروع حركة التغيير الوطني أن تضعه نصب أعينها ومحور لمدركاتها وحركتها الحالية والقادمة، فإذا كانت سفينة وطن الـ22 من مايو العظيمة منذ فترة تشق طريقها بثقة نحو أقدارها ومصيرها ومكللة بنصر الله وتوفيقه، ومزهوة بخروجها شبه الأمن من دوامة وهيجان أمواج البحار التي أوقفتها عن الحركة تماما منذ سنوات عدة لا بل وكادت تغرقها وتنسفها نسفا، فيجب على ربانها وطاقم إدارتها الذين هم في هذه الأيام والأيام القادمة منشغلون جدا في محاولة قطف ثمار هذا النصر المؤزر على كافة المستويات.

- أن يرتقوا بفعلهم هذا إلى مستوى الفعل الاستراتيجي من خلال محاولة إسقاط الواقع الجديد على واقع المعادلة الداخلية الحاكمة للبلاد منذ ثلاثة عقود ونيف، كي تكتمل بشائر النصر ومقوماته من خلال سياسات وقرارات سياسية وتنموية.... ضخمة جدا تنقل الشعب ومصالحه الوطنية العليا كرقم صعب ومحوري إلى قلب المعادلة نفسها بدون تردد ولا خوف على أنقاض التوازنات التي سادت في الفترة السابقة بمشيئة الله ورجال اليمن المخلصين، ولعل أهم مؤشرات هذا الأمر يجب أن لا تقل عن الإعلان الرسمي في الأشهر القليلة القادمة عن ولوج اليمن دولة وشعبا مرحلة الدولة المدنية البحرية الحديثة-وفقا- لما أوردته من مؤشرات لها شأنها في مقالنا المنشور تحت عنوان (قراءة في البعد الاستراتيجي: اليمن وإمكانية التحول إلى دولة بحرية عظيمة)...الخ.

- وختاما أتمنى من الله تعالى أن أكون قد لامست جزء مهم من كبد الحقيقة بشكل أو بأخر، التي يغفل عنها الكثيرين، لدرجة تحول دون إمكانية الوصول إلى تلك التفسيرات الموضوعية لما يجرى حولها بصورة تقترب فيها من أرض الواقع.

والله ولي التوفيق

d.tat2010@gmail.com