بعد تاريخ طويل من الحرمان انتصرت الإرادة المصرية
بقلم/ عباس الضالعي
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 3 أيام
الأربعاء 20 يونيو-حزيران 2012 04:48 م
كانت أيدينا على قلوبنا وفي لحظات حرجة وفاصلة لنجاح ثورات الربيع العربي أعلنت حملة الدكتور محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة \" الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين \" للإنتخابات الرئاسية المصرية فوزه في جولة الإعادة على منافسه الفريق احمد شفيق آخر رئيس حكومة للمخلوع حسني مبارك ، في ظل أجواء سياسية متوترة ، بسبب تدخلات العسكر \" المجلس العسكري \" بشئون الحياة السياسية المصرية ، حيث استبق هذا الفوز بقرارات حل البرلمان وإصدار الإعلان الدستوري المكمل الذي حدد فيه صلاحيات الرئيس القادم ، ونتيجة لإدراك العسكر بفوز الدكتور محمد مرسي عملوا على حصر صلاحيات الرئيس وربط القرارات الهامة بموافقة المجلس العسكري .

كل ما يهم المصريين هو نجاح ثورتهم التي خرجوا من اجلها ونجاح إرادتهم في التغيير الذي قدموا لأجله عشرات الشهداء ، للحصول على حرية وكرامة بعد معاناة طويلة مع الأنظمة السابقة التي عانى منها المصريين كل أنواع الكبت والتهميش والمصادرة وكان النظام البوليسي هو السائد للمراحل السابقة ، الرئيس الدكتور محمد مرسي جاء من رحم هذه المعاناة ، ومن أكثر التيارات التي لحقت بها كل أنواع التنكيل والملاحقة لأكثر من ستين عاما .

الإخوان المسلمين هي الجماعة التي حملت على عاتقها لواء التنوير في العصر الحديث على مستوى العالم الإسلامي والعالم أجمع ، وكانت سببا لإحداث الحراك الفكري والثقافي والصحوة الإسلامية المتنامية في جميع بلدان العالم ، من يختلفون مع هذه الجماعة اليوم هم نتيجة طبيعية للفكر الذي أوجدته وأما من يتفقون معها فهم بالملايين على كل أرجاء المعمورة .

فوز الدكتور محمد مرسي ليس فوزا للحرية والعدالة \"الحزب\" وإنما فوزا للحرية والعدالة \"القضية والمضمون\" ، فوزا لكل من يؤمنون ويناضلون من اجل هذه القضية وتحقيقها كواقع يلمسه الناس ، والأجمل فيها أن تكون هذه القضية \" الحرية والعدالة \" مسنودة بالصيغة الإسلامية الوسطية باعتبار أن جوهر الإسلام جاء مناصرا لهذه القضية فالحرية والعدالة هي من روح الإسلام وأدبياته

من يتخوفون اليوم من وصول الإسلاميين إلى السلطة لهم الحق في هذا الخوف نظرا للفكرة النمطية والنموذج القاصر في الحكم والسياسة من خلال بعض الحالات التي وصلت للسلطة وتستند للإسلام كشعار دون أن تعرف بأبجديات التصور الإسلامي منهجا وسلوكا ، تلك النماذج أساءت لصورة الإسلام أكثر من غيرها أو على السواء ، فالحركات الإسلامية اليوم أو من يطلق عليهم اسم حركات الإسلام السياسي والإخوان المسلمين واحدة من هذه الحركات تواجه هجمة إعلامية ممنهجة ومدعومة من الغرب والتيارات التي تحوم في فلكه وأصل هذا الهجوم عقائديا بالدرجة الأولى من الجماعات الدينية المناوئة للإسلام لكنها لا تعترف به صراحة .

التيارات السياسية العربية بمختلف توجهاتها اليوم تعيش نوعا من التقارب وتميل للتعايش السياسي وقبول الآخر جاء هذا نتيجة للقاسم المشترك المتمثل في المعاناة من الديكتاتورية والتسلط والتضييق على الحريات العامة والحريات الشخصية ومصادرة الحقوق وانتهاكها تحت مبرر الديمقراطية والليبرالية وغيرها ، فكل التيارات سوا كانت إسلامية \" وسطية او متشددة \" أو يسارية شيوعية أو يمينية ليبرالية لم تلاقي حقها في التعبير والحرية والحركة والتجمع ، فجميعهم توجه للغرب الليبرالي الديمقراطي ومن هناك عمل بكل حرية واستطاعوا ان يوجهوا رسالتهم للداخل العربي الذي يسيطر عليه حكاما بشعارات ديمقراطية وليبرالية .

ورغم كل هذا لا نرى نقدا ومقاومة لمن يحكمون بشعارات دون تطبيقها من التيارات الليبرالية والتيارات الغير إسلامية مثل تلك الانتقادات والهجمات التي لاقتها وتلاقيها التيارات الإسلامية وتحميلها سوءة غيرها دون الوقوف عند النقطة التي تجمع من حكموا ويحكمون بشعارات إسلامية أو ليبرالية وهي الديكتاتورية والتسلط والإنفراد بالحكم والسلطة حتى وصلوا إلى التوريث وهو المبدأ الذي تخلت عنه النظريات السياسية الحديثة ، لكن بقوة القبضة والتسلط أعيد هذا المبدأ وأصبح مشروعا يسعى له الكثير من الديكتاتوريين العرب دون غيرهم وتحت إصرار الحاكم الديكتاتور ومقاومة القوى السياسية اندلعت ثورة الربيع العربي الشبابية الشعبية السلمية في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا ونجحت ما عدا سوريا التي تقاوم الديكتاتورية العسكرية

فوز الدكتور محمد مرسي هو نتيجة طبيعية للدعم الذي لاقاه من القوى الثورية المصرية بكل أنواعها ومسمياتها وألوانها التي استشعرت الخطر الذي سيأتي لو فاز المرشح المنافس احمد شفيق وهو المدعوم من أنصار النظام السابق وبقاياه بدعم لوجستي من المجلس العسكري الحاكم وهو الحافظ الأمين لنظام مبارك وهو الثورة المضادة ذاتها ، السياسات التي تبناها العسكر كانت كلها تتجه لدعم شفيق ، وكان نجاحه لو تحقق خطيئة سياسية لثوار مصر وحركات التغيير المصرية ، وكارثة على قوى ثورة الربيع العربي وفاتحة أمل لكل الفلول في دول الربيع العربي .

وفي اللحظة الحرجة كان الفوز فاصلا بين الماضي المنهار والمستقبل المنشود والموعود بالأمل وبحياة كريمة ومعيشة أفضل وقانون الجميع أمامه سواسية ، نعيش على وقع أحلام الدولة المدنية التي تراود أحلام الكثيرين .

فوز الدكتور مرسي لا يعني نهاية المشوار وإنما بداية المعاناة ، معاناة من القوى التي تقف أمامه وهي المجلس العسكري ، المحكمة الدستورية ، وبقايا النظام والإعلام ، والقوى التي تقف خلفه وهي التي دعمته وأوصلته للفوز ، فالذين يقفون أمامه يقاومون قرارات التغيير ويحبطون أي نجاح ومن هم خلفه يريدون كل شي عاجلا دون آجل وهذا ما سيربك مرحلة التغيير ، سيتحقق هذا الإرباك لو أصيب حزب الحرية والعدالة ومن خلفه جماعة الإخوان المسلمين أو شخص الدكتور محمد مرسي بنوع من الغرور والاستعلاء وهذا ما نتمناه فالغرور مقبرة المواهب ومصيبة وبلاء ومن صور هذا الغرور هو الاعتماد على العنصر الحزبي دون العنصر الوطني والإصغاء للحزب دون الآخرين ، التجربة هي الأولى والمرحلة حساسة وتحتاج لبعد نظر ورؤية واسعة ، وهذا ما يجب أن يدركه رجال الحرية والعدالة والإخوان المسلمين الذي لا تنقصهم هذه الرؤية وبعد النظر

أخيرا كم أنا مشفق على الإعلامي توفيق عكاشة المحبط بهذا الفوز وإشفاقي عليه الليلة والليالي التالية من زيادة الجرعة !!! وأتمنى له العافية والعاقبة الحسنة واخشي عليه من أن يصاب بالضغط أو المرض النفسي لأنه أكثر الناس تجرعا للهزيمة ،،، والعاقبة لنا بالفوز