دروس وعبر وعظات من رحيل الرئيس غير الصالح
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 6 أيام
الثلاثاء 24 يناير-كانون الثاني 2012 05:26 م

الدرس الأول: لا تجوز الشماتة بأحد من الخلق ، وإنما نذكر هنا هذا النموذج من الخليقة البائسة المتطاولة على الله وعلى دينه وعلى عباده ، نذكره باسمه لأنه قد عرف واشتهر بإجرامه وفجوره ومكائده ودسائسه وخبثه ، ولا خلاف بين أهل العلم أن يذكر الفجار والفساق بما فيهم ليتقي الناس الوقوع في شرورهم ، فالغرض هنا ليس الشماتة المحرمة شرعاً ، وإنما الغرض التحذير من الوقوع في أعمال وجرائم صالح سيما ممن يخلفه ، وعاش معه وفي ظل نظامه البائد ردحاً من الزمن ، من الموالين والمعادين على حد سواء .

الدرس الثاني: كادت الدنيا أن تكون دار جزاء .. انتهت حرب صيف 94م بفرار علي سالم البيض إلى دولة عمان .. البيض الذي مهما اختلفنا معه أيديولوجيا إلا أنه من الإنصاف أن نقول أن الرجل كان يحمل مشروعا ضد نظام العائلة الصالحية منذ وقت مبكر، ومشروعا ضد الفوضى التي كان يقودها نظام العائلة وأزلامها ، فكانت النتيجة أن وجد الرجل نفسه يقع في عدد من الفخاخ التي نصبها له الرئيس غير الصالح فوقع فيها الرجل ، ومن أعظم تلك الفخاخ ، إعلان البيض الانفصال، فطعن بذلك الشعب اليمني في أغلى ما يملك ، وخرج البيض مظلوماً إلى عمان، لا شك أن البيض هو الآخر كانت لديه أخطاؤه الجسيمة وجرائمه الفادحة ، إلا أن عدالة الله أبت إلا أن يأخذ كل ذي حق حقه ، وها هي عجلة الزمان تدور ويخرج المجرم صالح مرحّلاً من اليمن عبر نفس الخط وبنفس الطريقة ، تلاحقه اللعنات والدعوات ، وكادت الدنيا أن تكون دار جزاء .

الدرس الثالث: في ترحيل الرئيس غير الصالح وخروجه من اليمن وهو يحمل أمراضاً جسيمة في بدنه ، ويحمل أمراضاً أكثر منها في قلبه من الحقد والبغضاء على شعبه الذي احتمله 33 عاماً، دليل واضح على عتوه وجبروته وأنه يأبى إلا أن يعيش بائسا نكدا محروق الوجه والقلب والفؤاد ، فقد أجيبت فيه دعوات الأمهات والأرامل والثكالى ، والمظلومين والمضطهدين في شتى أنحاء اليمن ، فالرجل سيظل عبرة وآية ، يموت في كل يوم مرات ومرات، تلاحقه لعنات المظلومين ودعوات المقهورين ، وأنّات الجرحى والمعتقلين ، ولن يجد طعماً للسعادة ولا لذة للعيش ولا سرورا ولا هناءاً، بعد هذه النهاية البائسة من تاريخه السياسي ، ينتظر ويتمنى الموت ولا يجده، وأشد أنواع العذاب وأكبره وأعظمه أن يخرج الرجل الذي كان عزيزاً ، من بلده وداره وقصره على أشواك من اللعنات ، وجبال من الدعوات ، وأنهار وبحار من السخط والكراهية .. فأي خزي في الدنيا أعظم من هذا .. ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون .

الدرس الرابع: في الأموال التي جمعها على صالح قرشاً قرشاً ومليوناً مليوناً ومليارا مليارا عظة وعبرة أخرى للمعتبرين، فكم لقي الرجل من التعب والنصب في جمعها وتخزينها واستثمارها وتهريبها ، هاهي تذهب من بين يديه شذر مذر، هاهو ينفقها على الأتباع وحملة المباخر ، وشراء الذمم ، والحفاظ على ما تبقى لديه من الأنصار ، ولم يبق منهم إلا بعض المرتزقة والنّهابة من أمثال البركاني والصوفي والراعي والعوبلي، وغيرهم من أسماء الجنّ والشياطين والمردة، وهاهي المليارات تذهب من بين يديه ، وليس له منها إلا الحساب والجزاء عليها ، وإن قلبي ليكاد يطير كلما تخيلت عبداً يقف بين يدي ربه ومعه هذه المليارات المنهوبة والعقارات المغتصبة، وتلك الأنهار من الدماء والأشلاء والجماجم .. كيف يلق الله وأين مصيره .. وهل يا ترى ينفعه في هذه الموطن الصعب قانون الحصانة المزعوم ، والله يقول : ( وقالوا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم .

الدرس الخامس: هل يتعظ الآن منهم في السلطة اليوم الذين كانوا بالأمس القريب جدا في المعارضة هل يتعظون من نهاية ومصير صالح وأشياعه، فلا يقعون فيما وقع فيه ، وهل سيظلون يقيمون النوائح والمآتم على الأيام الحالكة السواد التي قضاها الشعب اليمني على مدى 33 عاماً من الظلم والفقر والجوع ، ثم ماذا بعد!!! هل يا ترى سيقعون هم أيضا فيما وقع فيه صالح مجددا من باب وداوني بالتي كانت هي الداء، ويظل فقه التوريث سارياً إلى أجل غير مسمى ، ويظل سعر البيضة على حاله لم يتغير ، أم أنهم سوف يقيمون ميزان العدالة والمساواة ، وينصبون أعلام الكرامة والحرية ، ويرفعون راية الدين والملة في أرجاء اليمن ، هل يا ترى يحثون الخطى نحو تصحيح المسار ، فيحكّمون الدستور والقانون ، ويعلون بذلك كلمة الله وملته ، أو أنهم يكتفون بلعن الزمان الغابر من حكم صالح ثم يسلكون نفس الطريق ونفس النهج من الظلم والاعتداء والبغي والمحسوبيات والوساطات وفقه التوريث في مدارسهم وجامعاتهم ووزاراتهم ومؤسساتهم ومشيخاتهم ، وبعد بضع سنين أو عقود ، يظهر لنا علي عفاش مجددا بعمامته وخيزرانه، ونحتاج إلى ثورة جديدة ودماء وأشلاء جديدة.

ونحن هنا لا نقول هذا في سياق التشكيك في وطنية وصدق وحرص الثوار في التغيير والتحديث ، وعلى رأسهم المناضل الثائر رئيس الوزراء باسندوة وزملاءه الميامين ، وإنما نقصد فقط التذكير والموعظة ، واستلهام الدرس في حينه ووقته حتى لا ينسى.

الدرس السادس: قوة الرأي العام ، وأن إرادة الشعوب من إرادة الله ، وإرادة الله لا تقهر ، ولا تغلب ، ومن الإنصاف القول ، إن الغرب أحسن قراءة المشهد ، أعني مشهد الثورات العربية، فتعامل معها ، بصورة حسنة وجيدة ، إلى حد ما ، أكثر من الخيول والبغال والحمير العرب ، سيما من الساسة ، وذوي القرار ، فهاهي الثورة الشعبية السلمية استطاعت في كل من تونس ومصر واليمن الإطاحة بثلاثة طغاة من طغاة العصر ، الذين طالما استهانوا بشعوبهم، ولجؤوا إلى أسيادهم الغرب ، في كل ملمة من الملمات ، ولكن سرعان ما تخلى الأسياد عن العبيد ، فالغرب أدرك أن عصر الاستبداد والطغيان والكهنوت ، قد ولّى ، وأن الشعوب أفاقت من سباتها ، وثارت من رقدتها، ولن تهدأ إلا بعد تحقيق كامل أهدافها ، ولذا تخلى الغرب عن أولاء العبيد ، وإن كانت على رؤوسهم التيجان ، وهاهي عدد من دول العالم ترفض استقبال صالح ، منها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا ، وقبلت الولايات المتحدة على استحياء استقبال الرجل المريض ولمدة لا تتجاوز ال 25 من فبراير ، كما نشر عبر بعض وسائل الإعلام ، وسيعود صالح إلى بعض البلدان العربية الراعية للاستبداد العالمي ، وربما هي الأخرى ترفض كما رفضت غيرها من دول العالم ، استقبال هذا النوع من البشر ، الذي يشكّل خطرا على البشرية ، وحينها لن يجد صالح بعد أن يفقد كامل سلطته بعد 21 من فبراير إلا قضبان الحديد في استقباله ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

وقطع دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين،،

Moafa12@hotmail.com