إلى الذين يراهنون على أفق مسدود!
بقلم/ هناء ذيبان
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 16 يوماً
السبت 07 يناير-كانون الثاني 2012 07:31 م

 لم يعد بإمكان المدافعين عن الأنظمة العربية التي سقطت وأُنهيت مسيرتها, إما بالهروب الليلي، أو القتل المعلن بمبدأ الشيوع أو التنحي، أو الظهور، أو التباهي بالقدرة على مواجهة من نالوا رصيدهم من الحضور, بعد أن راهنوا على كل الأوراق, ولم يقرئوا المشهد بالشكل الصحيح، لكن بقي آخرون لا يزالون يقفون على مسرح الرد والدفاع المستميت عن أنظمة توشك على السقوط, ليس لأنها أنظمة دكتاتورية وقمعية, لم يعد بالإمكان أن تعمر طويلاً، ولكن لأن معايير بقائها لم تعد كافية، ولأنها ومن خلال التجارب السابقة للعام الماضي, يبدو استحقاق سقوطها غير بعيد، وعليها الاستعداد لمواجهة تلك اللحظة والمغادرة, لأن ما يجري لديها يرفع وتيرة التهديد الحقيقي لغيابها.

ومع ذلك، ومع التأكيد على اختفاء هذه الأنظمة, التي تعتقد أن من دونها لا تساوي شعوبها شيئاً, وأن هذه الشعوب ستقفل أبوابها وستنتهي صلاحيتها, وستصبح مختصة فقط بتصدير أزماتها، تظل المشكلة الحقيقية ليس في زوال نظام، أو التحول إلى آخر، ولكن في استلاب هذا النظام كل شيء من شعبه, من أجل أن يبقى, ومن أجل أن يغادر.

تداعيات بقائه، تعني بعد كل هذا النزيف الذي أهدر، وهذه الأرواح التي غابت، أن هناك نزيفاً آخر لا يزال، وان هناك من يستعدون للموت, ويتناوبون مع من غابوا على الذهاب إليه.

تعني أن لا خيار لمن سّحلوا سوى البقاء تحت خيمة الحياة التي اختارها النظام من خلال قصفه، ودباباته وأن لا خيار لدى من أراد أن يحقن دمه سوى اللقاء مع من اختار أن يقتل الآخرين، ويقطع ما تبقى من شريان الحياة لديهم.

تداعيات بقاء أنظمة دموية لا ترحم مواطنيها، ولا تعتقد أصلاً بوجودهم، وتسعى إلى تصديرهم إلى الآخرة باعتبار أنهم زيادة على الدنيا، وبعضهم الآخر قد يتجه من خلال ما يقوم به من دور وطني ودفاع عن نفسه وأهله وشرفه طائعاً, إلى الاتهامات بالعمالة والجاسوسية، وبيع الوطن للمعتدي.

تداعيات بقاء من يستبدون بشعوبهم ويمارسون القهر واللعب بأرواح الأبرياء والأطفال دون النظر إلى ساعاتهم, والالتفات لعقاربها التي تنبئ بانتهاء مهلة بقائهم، تجعل من تلك الأوطان مسرحاً مفتوحاً تغلي فيه كل ملامح المستقبل, وقد تتبخر, وأغلب الظن أن مثل هذه الأنظمة لا يعنيها إن تبخر الشعب كله, وليس مستقبله فقط..

من يدافعون عن الأنظمة التي سخرت كل ما لديها من قوة لتصفية الحسابات مع شعوبها, التي هي في الأساس كما ترى مصدر الأزمات، وأن من يعترض من أفرادها عليه أن يعيش موسم الاتهام بالعمالة والفساد والتحول إلى جر البلاد نحو الانزلاق والموت.

هؤلاء الذين يجاهدون كل ليلة على المحطات الفضائية من داخل عواصم هذه الأنظمة, للدفاع عنها, من منطلق استحقاقها التام للاستحواذ على حريات الشعوب, ومن خلال متابعتنا لهم منذ انطلاق الربيع العربي نجد أن من لا يزال يقاتل، ويتحمل مسؤولية الظهور للدفاع عن هذه الأنظمة, قد يتحمل مستقبلاً تكاليف باهظة لبقائه, حتى وإن كان صحفياً أو محللاً حتى وإن وحاول الدفاع عن نفسه, بأنه لم يكن باستطاعته أن يرفض أو يمتنع عن الظهور، أو أن لا يذعن لهيمنة السلطة ودفعها له بأن يكون الدرع الأخير لمواجهة الانهيار الداخلي الذي بدأ يتسرب.

ليس بالإمكان تحميل هؤلاء المدافعين الذين تحتويهم عواصمهم المنهارة مستقبلاً مسؤولية القتل والفوضى، ومحاولة اعتبار ما يجري وشرحه للناس بصورة بديهية، أو الدفاع عن النظام المستبد بأنه نظام شرف، وبسالة وحائط للوطنية وسد للممانعة, ولكن بالإمكان أن يحتمل هؤلاء التداخل مع مبدأ الصمت دون المساعدة في بقاء الاستبداد, لأن الإطاحة بالدكتاتور مستقبلاً، ستجعل من الصعوبة إيجاد جزء إيجابي لهؤلاء، يبرر لهم تجاهل عقلانية المجتمع, وأيضاً التفاعل مع أسباب تكتسب هويتها من الخوف، والتعويل على بقاء الظالم، والرهان على أفق مسدود!