ما لا يدركه الحوثيون 1-2
بقلم/ منير الماوري
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 21 يوماً
الإثنين 02 يناير-كانون الثاني 2012 08:26 م

 كنت أعتقد ومازلت أن العالم الكبير خارج محافظة صعدة بل وخارج اليمن كلها يجهل الكثير عن الحركة الحوثية، ولكني اكتشفت مؤخراً أن القيادات الحوثية من جانبها تجهل أيضاً الكثير عن العالم خارج صعدة، بل وخارج اليمن كلها.

وليس هناك أدنى شك أن قيادات الحركة الحوثية تدرك تماماً ما يجهله العالم عنها، وقد تسعد بهذا الجهل أحياناً أو تتألم وتشكو منه أحياناً أخرى، ولكن هذه القيادات لا تدرك ما تجهله هي ذاتها عن العالم وخطورة ذلك على مستقبل الحركة ومستقبل أنصارها.

ودعوني أبدأ هنا بفهم الحوثيين لموضوع الساعة، وهو الفهم المتناقض لما يسمى بالآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية.

ليس من المهم أن يعرف الحوثيون أو قراء (الجمهورية) رأيي بشأن الآلية المشار إليها؛ لأنه رأي فردي قد يكون سلبياً على الأرجح، ولكنه لن يقدم ولن يؤخر، أما الأهم من رأيي فهو فهم القوى الدولية التي تقف خلف هذه الآلية؛ لأن أي رأي تجمع عليه تلك القوى هو الذي سيقدم ويؤخر شئنا أم أبينا، ولذا فمن المهم لأي طرف سياسي يمني أن يفهم ماذا تعني الآلية الخليجية للمجتمع الدولي.

تشير السياسات الحوثية والمواقف المعلنة وغير المعلنة أن فهم القيادة الحوثية لهذه الآلية لا يختلف عن فهم رجل الشارع العادي، فالحوثي - على ما يبدو - ينظر إليها على أنها مجرد لائحة تنفيذية لاتفاق أو معاهدة لا تحظى بشعبية، بل وتتناقض هذه الآلية مع بنود المبادرة الخليجية ذاتها، ولا تحقق الحد الأدنى من طموحات وأحلام الشعب اليمني.

 وهذا الفهم الظاهري له ما يبرره؛ لأن الدول الكبرى - للأسف الشديد - تمارس نوعاً من التقية السياسية تسمى في عرف تلك الدول “دبلوماسية ناعمة”، ومن أهم معالم هذه الدبلوماسية الناعمة تغليف أهدافها ومراميها الاستراتيجية بعناوين هادئة غير صادمة، وينظر بعض خبراء السياسة إلى الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما بأنه الأكثر تطبيقاً لسياسات الدبلوماسية الناعمة من كثير ممن سبقوه إلى السكن في البيت الأبيض.

ومن يقرأ بتمعن الوثيقة المسماة بالآلية التنفيذية ويربط مضامينها بالدور الذي يؤديه سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، إلى جانب خمسة من سفراء دول مجلس التعاون الخليجي، بالتنسيق الكامل مع أعضاء اللجنة العسكرية اليمنية، سيدرك تماماً أن الآلية التنفيذية لم تكن سوى عنوان هادئ لإعلان دستوري تاريخي خطير، يحل محل الدستور القائم ومحل مجلس النواب ومحل المبادرة الخليجية ذاتها، ويعطل أية قوانين أو تشريعات تخالف هذا الإعلان الدستوري.

وبناءً على هذه الآلية فإن المجتمع الدولي قد وضع اليمن تحت وصاية دولية صريحة من أجل نقل السلطة بعد شهر ونصف الشهر من الآن إلى ائتلاف حزبي واسع يمثل أطيافاً كثيرة في المجتمع، ويحظى بقبول شعبي نسبي بالمقارنة مع النظام الذي خرج الشعب لإسقاطه. ومثل كل الإعلانات الدستورية التاريخية أو الانقلابية الهادفة لتغيير أي سلطة قائمة فإن الانقلاب الدستوري اليمني لم يحظَ بتأييد شعبي واسع، لا في أوساط الشباب المطالبين بالتغيير، ولا في أوساط أنصار مشروع التوريث المنادين بانتقال السلطة من الأب إلى الابن بالمرور عبر محلل شرعي أو دون محلل، ولكن أخطر وأقوى ما في هذا الإعلان الدستوري الهادىء هو استناده إلى عصا المجتمع الدولي.

 ومن لا يفهم لغة المجتمع الدولي - فيما يتعلق باليمن - فيمكن تبسيطها له بالقول: إن المجتمع الدولي لن يسمح مطلقاً لأي طرف سياسي في اليمن سواء كان هذا الطرف من الموقعين على المبادرة الخليجية أو من الرافضين لها، أن يعرقل انتزاع السلطة من علي عبدالله صالح، لتحقيق الاستقرار في اليمن.

وبموجب الآلية - المشار إليها وقرار مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن - فإن مجلس الأمن الدولي لن يتردد هذه المرة في استخدام طائرات الأباتشي وتفعيل البند السابع في الميثاق الأممي لردع أي نشاط أو جهة تهدد اليمن في وحدته واستقراره.

بمعنى آخر سوف يتخلى هؤلاء الناعمون عن نعومتهم بمجرد أن يشعروا أن اليمن ينزلق نحو الصوملة أو يتحول جزئياً أو كلياً نحو هيمنة تنظيم القاعدة.

 ولا يهم المجتمع الدولي نهائياً - بعد الحادي والعشرين من فبراير المقبل - مَن سيدفع ثمن عرقلة الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار سواء كان علي عبدالله صالح، أو أولاده أو عبدالملك الحوثي أو علي محسن الأحمر أو أحمد علي أو يحيى صالح أو صادق الأحمر أو علي سالم البيض أو حتى وميض شاكر وهدى العطاس.

وما لا يدركه الحوثيون هو أن إرادة الله تعالى شاءت أن تتطابق المصلحة الاستراتيجية العليا للدول العظمى إلى حد كبير - في سابقة تاريخية نادرة قد لا تتكرر مرة أخرى - مع المصلحة العليا للشعب اليمني، خصوصاً ما يتعلق بالسعي لتحقيق الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي والتغيير السلمي والحفاظ على الوحدة ومحاربة الإرهاب والتخلص من أكاذيب ومراوغات العهد البائد.

وليسمح لي إخوتي في المواطنة أن أكون صريحاً فظاً مع نفسي ومعهم وأقول: إن بلادنا لا تساوي شيئاً أمام العالم، لولا أنها لا تبعد كثيراً عن آبار النفط الكبرى في العربية السعودية السعيدة.

 ومن هذا المنطلق فإن علينا - نحن اليمنيين - أن ندرك أن الخوف الذي تبديه أميركا وأوروبا على استقرار اليمن ما هو إلا جزء يسير من اهتمام أوسع بجيراننا وثرواتهم المهولة.

 وللتوضيح أكثر فإن المملكة العربية السعودية الشقيقة التي لا يزيد عدد سكانها عن سكان اليمن تبلغ ميزانيتها المعلنة لعام 2012 حوالي 184 مليار دولار، في حين أن رئيسنا الفخري - المنتهية ولايته- كشف لنا مؤخراً - بكل فخر واعتزاز - أنه سيترك للحكومة الجديدة أكثر من أربعة مليارات من الدولارات هو الاحتياطي الاستراتيجي لليمن من النقد الأجنبي، هذا الاحتياطي الاستراتيجي لا يساوي إلا ثلث الفائض في ميزانية السعودية في العام الذي حل علينا اليوم.

 أما ميزانية الجمهورية اليمنية للعام الجديد فإن رئيس الوزراء العم محمد سالم باسندوة ووزير ماليته صخر الوجيه لن يتمكنا من إعلان أرقام محددة للميزانية اليمنية قبل الاطلاع رسمياً على مقدار الفائض في ميزانية السعودية.

لا يهم أن نحب السعودية أو نكرهها، ولكن علينا أن ندرك أن موقعنا إلى جوارها هو السر وراء اهتمام العالم بنا وخوفه علينا، وهو السر في تقرب إيران إلينا وسعيها لخطب ود علي سالم البيض وحسن زيد.

كما أن هذا الموقع هو الذي يحتم على الغرب التدخل لمنع تحول اليمن إلى صومال أخرى، أو قاعدة للقاعدة، أو منصة لإيران تؤذي بها السعودية، ومنع إعادة تقسيم البلاد إلى شمال وجنوب بما يفتح باب الحروب الشطرية مجدداً.

إذا كانت هذه اللغة صعبة على الفهم لدى البعض فدعوني أغيّر لهجتي وأخاطب البعض الآخر بلكنة قد تكون أكثر وضوحاً لشرح الفكرة ذاتها:

“هناك سر وراء مطالبة أوروبا وأميركا لنا بإقامة حكم رشيد في بلادنا، ومحاولاتهم الحثيثة صبحاً ومساء أن يساعدونا على تحقيق الأمن والاستقرار في جميع محافظاتنا، وإعادة ترميم ما خربته حماقاتنا وثأراتنا، وتحقيق العدل في محاكمنا والنزاهة بين قضاتنا، وأن نحترم حقوق نسائنا وشبابنا، ونروّض كلاب حراساتنا، ونحارب المنتحرين من أبناء قبائلنا، ونضمن عودة مهجرّينا إلى جعاشننا وصعدتنا وسفياننا، بل إنهم يتمنون عودة حاملات الشريم إلى مزارعنا، وفواكه يريم إلى محاجشنا، وعنب صعدة إلى أسواقنا وأغاني أيوب إلى منصّاتنا ومسامعنا. كل هذا ليس من أجل سواد أعيننا أو بسبب نقاء سرائرنا ولا من أجل ناطحات سحائبنا أو ثروات لحجنا وبترول ضالعنا أو غاز ردفاننا، وعنب صعدتنا، لا والله ولا من أجل نهب قاتنا وسرقة دكاكيننا أو قتل أبناء حاشدنا وبكيلنا ولا اختراق جوفنا أو استكشاف مأربنا وقصف صرواحنا ومعاقبة عبيدتنا وجهمنا وعوالقنا أو فك ارتباطنا ببعضنا، ولكن هؤلاء النصارى يسعون لنصرتنا ويتمنون الخير لنا ويأملون بعودة السواح لزيارتنا في عقر دارنا، وإنعاش اقتصادنا، وذلك كله لسبب واحد وحيد وهو حماية جيراننا ومن وراءهم من شرورنا وإرهابنا الناجم عن عوزنا وفقرنا وبطالة أبنائنا وفساد وجشع وأنانية مسئولينا”.

هذا هو السر الذي لا يدركه بعضنا، ولكن الأغرب من عدم إدراكنا له هو عدم استيعاب جيراننا أنفسهم أن كل ما يراد لنا من خير هو من أجلهم، ومازال البعض منهم – للأسف - يرى أن سعادته ورخاءه تكمن في إلحاق الشر بنا واستمرار شقائنا.

 وللحديث بقية غداً الثلاثاء إن شاء الله.

"الجمهوريه"