مخبر متنكر بكرفتة دكتور
بقلم/ د. عبد الله أبو الغيث
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً
الجمعة 23 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:23 م

يفترض في أساتذة الجامعات أن يكونوا صمام الأمان لمجتمعاتهم، بحيث يمثلون خط الدفاع الأخير عن القيم الفاضلة، لكونهم قضوا معظم حياتهم في التحصيل العلمي، ومن تحت أيديهم تتعلم وتتدرب وتتخرج الكوادر التي تدير الدولة في مفاصلها المختلفة. وذلك ما جعل الرئيس الفرنسي شارل ديجول بعد أن شاع الفساد في فرنسا إثر الحرب العالمية الثانية يتساءل: هل وصل الفساد إلى الجامعات؟ وعندما كانت الإجابة بالنفي قال: إذاً فرنسا بخير.

طبعاً الافتراض السابق يعتمد على أساس سلامة معايير التعيين لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، إلى جانب وجود قيادة نزيهة للدولة تعمل على محاربة الفساد بشتى صوره. أما إذا اختلت معايير التعيين تلك، وتقاعست سلطات الدولة عن محاربة الفساد؛ بل وشجعته منتقلة إلى مرحلة الإفساد، فإن النتائج المترتبة على ذلك الافتراض ستسير في الاتجاه المعاكس، وهو الذي حدث في اليمن خلال العهد الصالحي؛ خصوصاً في العقد الأخير منه.

حيث تشوهت معايير التعيين لأعضاء هيئة التدريس وربطت بالأجهزة الأمنية الى حد بعيد، إبتداءً من سيطرة تلك الأجهزة على الجهات المختصة بالابتعاث إلى الخارج، التي احتكرت معظم منحها الدراسية لعناصرها الأمنية، بغض النظر عن قدراتهم العلمية، واستغلتها لتجنيد بعض المبتعثين غير المرتبطين بها. ثم قامت بفرض عملية تعيين عناصرها الأمنية كأعضاء في هيئة التدريس، سواء قبل حصولهم على شهادة الدكتوراه أو بعدها. وعادة ما تصدر لهم قرارات التعيين في المناصب الإدارية والأكاديمية للجامعات فور إكمالهم لدراستهم، ويتم ذلك على حساب أساتذتهم وزملائهم الذين يفوقونهم علماً وأقدمية وخبرة وكفاءة ونزاهة.

وبطبيعة الحال فذلك لم يكن يتم لسواد عيونهم وإنما لكونهم سيصبحون مجرد دمى ينفذون أجندة تلك الأجهزة مهما كانت طبيعتها من غير أدنى اعتراض أومناقشة. ومن ثم يقومون بممارسة الفساد المالي والإداري محميين بسطوة الأجهزة الأمنية، ويكفي مثالاً بسيطاً على ذلك أن رئيس إحدى الجامعات المركزية – تم تعيينه بالمخالفة للقانون- كان وما يزال يورد جزءً كبيراً من ميزانية جامعته بطريقة غير مشروعة إلى خزينة الجهاز الأمني الذي يتبعه، خصوصاً الأموال التي يتم تحصيلها من عملية التعليم الموازي والنفقة الخاصة والتعليم عن بعد. ويتم ذلك على حساب تعطيل الأنشطة التعليمية والبحثية التي يفترض أنها المهمة الأساسية للجامعات.

 ويحسب للثورة الشعبية أنها قد كشفت للناس معظم المخبرين الأمنيين الذين كانوا يتنكرون قبلها بصفات مختلفة، ذلك أن النظام الذي جندهم من قبل وساعدهم على لبس طاقيات الإخفاء شعر أن مهمتهم قد حانت الآن، وأن بقاءه أهم من افتضاح أمرهم، لذلك تم الضغط عليهم وتهديدهم بالملفات السوداء التي جهزها لهم، وصرنا نعرفهم في لحن القول، من خلال أراجيفهم المشككة بالأهداف النبيلة للثورة، ومحاولة زرعهم للخلافات بين قواها المختلفة. وقد أثار بعضهم سخط الناس وتقززهم وهم يرونهم يتقيئون كلاماً بذيئاً وسخيفاً ضد ثوار الساحات عبر المنابر الإعلامية للنظام أو الممولة من قبله.

وكنا نواجه بالأسئلة المحرجة عن بعض أولئك من الذين يسبق حرف الدال اسماءهم (منهم قيادات جامعية وعمداء كليات!)، وكيف تسنى لهم الحصول على شهادة الدكتوراه! رغم أن طروحاتهم تتميز بالسطحية والسذاجة والوقاحة والخداع. وبغض النظر عن الطرق الملتوية التي حصل بعضهم بها على شهاداتهم لعدم قدرتهم على تحضير أبحاث وأطروحات علمية بسبب طريقة تعيينهم المشار إليها آنفا، إلا أنه يمكننا القول بأن حرف الدال في مثل هذه الحالات قد لا يدل بالضرورة على تسمية دكتور لكنه سيكون له معاني أخرى مثل دمية ودب، وبالتالى فإن (أ.د) ستعني بالنسبة لهم أكبر دمية وأكبر دب بدلاً من أستاذ دكتور. ذلك أن حرف الدال إذا لم يرق بصاحبه ويتجسد في نبل سلوكه وأخلاقه ومبادئه سيصبح شيء غير ذي معنى وسيشكل عبئاً على صاحبه.

لذلك سيكون من الضروري تشكيل لجان أكاديمية خاصة تكون مهمتها إعادة التأكد من صحة الشهادات العلمية وسلامة اجراءات الترقيات الآكاديمية لأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات اليمنية، وذلك لن يتأتى إلا بوجود قيادات منتخبة للجامعات، بحيث يعاد لأعضاء هيئة التدريس حق الانتخاب الذي سلبته منهم سلطة الفساد وأجهزتها الأمنية بعد اكتشافها أن نتائج الانتخابات أتت بما لا تهواه أنفسهم، وقذفت بمخبريهم ومعهم شلة عبيد الذل من ضعاف النفوس والمنبطحين والمنتفعين إلى الهامش، وهو مكانهم الطبيعي. وإلى أن يتم إعادة العملية الانتخابية سيتحتم على حكومة الوحدة الوطنية ووزارة التعليم العالي فيها أن تعلن الإنهاء الفوري لكل التعيينات والتكليفات التي تمت خارج إطار القوانيين النافذة. وكذلك إلغاء كل التعيينات التي تمت في عهد الحكومة المقالة أثناء تكليفها بتصريف الأعمال لعدم شرعيتها.

والمؤسف أننا كنا نسمع أكثر من (أستاذ جامعي) يتشفى بعمليات القتل البشع الذي مارسته قوى النظام المتهاوى ضد شباب الثورة، الذين خرجوا للمطالبة بالحرية والحياة الكريمة ورحيل قوى الفساد والإفساد، وكان كثير من أولئك (الدكاترة) يرددون بكل برود وسفه كلمة (يستاهلوا)، وكلف النظام بعضهم لتقديم التنظيرات لتبرير عمليات القتل الإجرامية تلك عبر وسائل الإعلام وغيرها، وذلك يجعلنا ندرك حجم التشوه والعبث الذي كرسه نظام صالح وقياداته الفاسدة في حياتنا، وهذا يجعلنا نوجه دعوة إلى القائمين على تنفيذ المبادرة الخليجية بأهمية الربط بين الضمانات التي يتحدثون عنها وبين اعتزال العمل السياسيي والإداري، لأن الضمانات لا يطلبها إلا فاسد أو قاتل، ولو لم يكن كذلك لما طلبها.

فكيف إذاً نسمح لمثل هؤلاء وأعوانهم بمعاودة العبث بحياتنا من جديد، في ظل حصانة يراد لها أن تمنعنا من مساءلتهم.  وإن كان ذلك في حقيقة الأمر لن يخلو من فائدة، لأنه سيجمع لنا اللصوص الملوثة أياديهم بأموال ودماء الشعب في قائمة سوداء واحدة، وذلك سيساعدنا على ملاحقتهم بكل السبل الممكنة لكونه سيسقط عنهم ورقة التوت، لأن طلبهم للضمانات يمثل اعترافاً صريحاً منهم بجرائمهم، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الضمانات لاتخص إلا من سيوقع عليها وليست ملزمة لعموم الشعب وأصحاب الحقوق.

في الختام نهمس في أذن حكومة الوحدة الوطنية بضرورة إعادة توحيد أجهزة الأمن السرية (السياسي والقومي) في جهاز واحد، تكون مهمته الحفاظ على الأمن الوطني للدولة من الاختراق من قبل القوى المعادية للوطن، وذلك بدلاً عن المهام الحالية المتمثلة بإحصائهم لتحركات الناس وهمساتهم دفاعاً عن الزعيم الملهم وأسرته وصوره!. وسيكون على الحكومة أيضاً إعادة النظر في منتسبي هذه الأجهزة، بحيث يتم غربلتها من أولئك الذين دخلوها بغرض التسلق إلى مناصب لا يستحقونها، أو للإستقواء بها ضد خصومهم والتعدي على أملاك الناس ونهبها بالباطل، أو من أجل تمكنهم من التهرب من دفع فواتير الخدمات التي يستهلكونها، وغيرها من الأهداف غير الشريفة التي لا تمت لخدمة الوطن بصلة، وهي المهمة المفترضة لأعضاء تلك الأجهزة.