الحرب في اليمن رغبة أمريكية !!
بقلم/ د . خالد عجلان
نشر منذ: 13 سنة و يوم واحد
الأربعاء 23 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 06:37 م

لم ولن تكون ثورات الربيع العربي في صالح السياسة الأمريكية في المنطقة على الإطلاق , والمشهور عن سياسة أمريكا الخارجية ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين , فمتى كان رداء الديمقراطية وحقوق الإنسان محققا لمصالحها , تلفعت به لتحقيق المراد , وإن كانت مصلحتها تتعارض مع تلك القيم والمبادئ , كشفت عن عوارها القيمي وتعريها الأخلاقي، وخير مثال موقف أمريكا من فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية .

وإذا كانت إحدى محددات السياسة الأمريكية هي الالتزام بدعم التفوق الإسرائيلي في المنطقة المستند إلى الصراع الأيدلوجي بين الغرب وبين العالم الإسلامي المتجلي بعض ملامحه في الحرب على الإسلام تحت مسمى مكافحة التطرف والإرهاب , فإن ذلك سيتنزل على علاقة أمريكا بثورات الربيع العربي ،التي بالطبع لا تصب في صالح الهيمنة الأمريكية والتفوق الإسرائيلي ، ولذلك ستكون سياسة أمريكا هي العمل على إجهاض هذه الثورات وعرقلة مسيرتها ,

وما يسمع من تصريحات أمريكية عن احترامها لثورات الشعوب العربية و تضحياتهم , ما هي الإ براغماتية لامتصاص الحدث , والتكتيك لمواقف تالية ستفصح عنها قاد الأيام .

لقد فاجأت الثورة التونسية الجميع وتلتها ثورة الشعب المصري , وانتصرتا على حين غفلة من التدخل الأمريكي ، وهو ما حال دون محاولات إفشال تلك الثورات أو إجهاضها , كما يحدث الآن للثورتين اليمنية والسورية ؟؟

وسيرد على ذهن أي قارئ : ألم يدعم الغرب الثورة الليبية ضد نظام الطاغية ؟

نعم لقد دعم الغرب الثورة الليبية , لكنه لم يكن حبا في سواد عيون الليبيين , بل كان في سبيل تحقيق عدد من الأهداف التي تخدم سياستهم :

أولها : التخلص من نظام مزعج بتقلباته النرجسية التي لا تروق لهم , وإن لم يكن يشكل عليهم في الواقع خطرا حقيقيا !

الثاني : هدف اقتصادي _ خاصة في ضل أزمة مالية تعصف بدول الغرب _

فالنيتو لم يدخل في معاركة بجانب الثوار ضد الطاغية لوجه الله تعالى , إذ لم تتحرك طائراته لإنقاذ الليبيين من جحيم نيران القذافي الإ بعد إيداع مليارات الدولارات في حساب الحلف .

و على أن تكون صفقات تسليح الجيش الليبي القادم والتي ستدر مليارات الدولارات محصورة بين دول الحلف ، بعد أن تم التخلص في الوقت ذاته من مخزون هائل لسلاح بمئات المليارات ظل يكدسه القذافي لعشرات السنين من قوت ومقدرات الشعب الليبي ، هذا بالإضافة إلى عقود إعادة الإ عمار التي تقدر بأكثر من مائتي مليار دولار .

ثالثها : ركوب الموجه أمام الرأي العام العالمي للظهور بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان وكرامته المنتهكة من قبل نظام القذافي.

وأما ثورة الشعبين اليمني والسوري ضد نظامين عميلين حتى النخاع - الأول ترك بلاده مسرحا ومرتعا للتدخل الأمريكي اللامحدود برا وبحرا وجو , سياسة واقتصادا , والثاني حامى حمى حدود الكيان الصهيوني من ناحية الجولان لعقود من الزمن- فشيء آخر, والتعامل معهما أصبح يتماشى مع الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة التي مازالت تسعى لتحقيقها منذ فترة بتفتيت المفتت وتجزئت المجزّأ بما يؤدي إلى إضعاف وتدمير مقومات دول المنطقة , وفي الوقت ذاته إرسال رسالة تحذيرية لبقية الشعوب كي لا تغامر بمشروع ثورات قادمة ضد الأنظمة القمعية العميلة , صحيح أن الغرب خلال هذه الفترة لم يبح برغبته في المحافظة على أيا من النظامين ، الإ أن مناظر المذابح وأنهار الدماء اليومية التي لم تكن بدرجة اهتمامهم بقضية شاليط !! يدل على ذلك .

الموقف من الثورة اليمنية

لقد أصبحنا نسمع ونقرأ بين الحين والأخر في ما يتعلق بالثورة اليمنية , تصريحات خبيثة تنبئ عن سوء نية تبيت ، وطبخة على نار هادئة تعد , تستهدف ثورتنا المباركة, من خلال دعوة أطراف الصراع إلى ترك العنف؟ هذا التعبير من الخطورة بمكان إذ أنه يؤصل لتفسير ماكر, يساوى بين القاتل والضحية ، ويفرغ الثورة من عمقها الشعبي, وكأنها أزمة سياسية , أو صراع قوى تتنافس على الحكم ليس الإ ، خاصة في ظل استمرار الجناح السياسي للثورة في حوار نقل السلطة الذي أثبتت الأيام والمواقف أنه خدعة وقعت فيه الثورة ، إذ لو ترك الساسة عصابة النظام في مواجهة الشعب بعد جمعة الكرامة لكان سقوطها مدويا وبوقت أقل , فقد جعلت العصابة من الحوار مطية لإقامة مذابح جديدة على مائدة المبادرة الموؤدة ! وطوق نجاة للتملص من الاستحقاق الثوري المتمثل بمغادرتها الفورية للسلطة .

وعلى نفس القدر أصبح عنصري الحوار وطول المدة , مساحة حرة تتحرك فيها أمريكا للتأكد من تمرير أجندتها وتحقيق أهدافها ، إذ لو كانت أمريكا جادة في الوقوف إلى جانب الثورة لأقنعت النظام في وقت مبكر بالرحيل , لما لديها من أوراق ضاغطة على عصابة النظام لم تستخدمها حتى الآن وأظنها لن تستخدمها ,لأنها لن تجد نظاما منبطحا كالنظام المتهالك.

لقد ساعد أمريكا على تحقيق ما تسعى إليه أمرين :

- ثقة السياسيين في الوعود الغربية المطاطية ، بنزع الغطاء الدولي عن عصابة النظام

- النفس الثوري المتعقل الذي طال في حق نظام لا يستحق هذا النفس – والذي بات يستغله لخلط الأوراق!

وتتمثل استفادة أمريكا حتى اللحظة من طول فترة الثورة اليمنية في :

- إرهاب بقية الشعوب العربية التواقة للتغيير بالتخلص من الدكتاتوريات العفنة الجاثمة على صدورها منذ زمن , إذ لو نجحت الثورة اليمنية بسرعة قريبة من الثورتين التونسية أو المصرية لأصبح الوجه الأنظمة العربية المستبدة في خبر كان .

- إعتراف جميع الأطراف بما فيهم شباب الثورة ببابوية الدور الأمريكي في اليمن

- انتزاع وعود وإلتزامات من كل الأطراف بحماية المصالح الأمريكية وحسن السيرة والسلوك السياسية مستقبلا

- العمل على ترتيب البدائل وجدولتهم ضمن احتمالية التساقط الغير متوقع

- التهيئة لسياط احتياطية لتأديب وملاحقة المتمردين على بيت الطاعة مستقبلا , بتضمين قرارات مجلس الأمن إشارة \"أطراف الصراع \" \" المتورطين في جرائم العنف المسلح .........وما شابه ذلك \"

- التشويش على مفهوم الثورة بإشاعة مصطلح الأزمة

- إرهاق الاقتصاد الوطني بطول الفترة ، فالمصلحة الإستراتيجية بعيدة المدى لأمريكا تقتضي ضعف وتخلف البلدان العربية , خاصة مع شعب محافظ كالشعب اليمني ، وعند الإحتياج لسد الرمق الإقتصادي فستدفع دول الخليج مرغمة ما يسد ذلك الرمق .

وكلما طالت المدة ، كلما كانت فرص تحقق الأهداف أكبر, ولن يبخلوا على الثورة بتصريح أو موقف لا يغير من الأمر شيئا ،

حتى يصل الجميع إلى قناعة أن الحل العسكري بات هو الحل الأنسب , فبعد طول المدة وانسداد الأفق السياسي ، تظن عصابة السلطة التي استمرأت القتل والتنكيل دون وازع أو رادع, أن الإفراط في استخدام القوة والمبالغة في موائد الذبح ، سيرد الثوار إلى بيوتهم صاغرين ؟وأنهم قد أصبحوا من الضعف والعجز ما حملهم على قبول المذابح وترك التحرك لإلجام جماح نزواتهم النيرونية ، وهو ما تخطئ تقديره تلك العصابة .

ويصل الثوار إلى قناعة بأن الحسم الثوري أصبح واجبا لا من مناص منه ، إذ من العار خيانة الشهداء والتفريط في دمائهم الزكية التي وهبوها لصناعة مستقبل خالي من رجس عصابة الإجرام , ويستحيل مغادرة الساحات قبل تحقق الأهداف , والإ فهي الفوضى .

أمريكا والمواجهات المسلحة

عند حدوث مواجهات لا قدر الله فسيكون سيناريو التحرك الأمريكي ودول الغرب كالتالي :

- دعوة جميع الأطراف ؟ إلى ضبط النفس ونبذ العنف وإرجاع جميع الوحدات العسكرية والقبلية !!! إلى ما كانت عليه .

- السماح للفرق الطبية بإداء واجبها الإنساني وعدم التعرض لطواقمها .

- التحذير من استهداف الصحفيين ومراسلي وكالات الأنباء والقنوات الفضائية

- تجنب استهداف المدنيين والمنشآت العامة

- المطالبة بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان .

- تشكيل لجنة عسكرية من الملحقية العسكرية الأمريكية وشقيقتيها البريطانية والفرنسية للنزول الميداني للفصل بين القوات المتحاربة , والاشراف على وقف إطلاق النار

- الدعوة لإرسال قوات حفظ سلام عربية , ما فيش غربي يجنن وينزل بين اليمنيين – لحماية المدنيين وحفظ السلام إن طال أمد النزاع .

- التحرك من خلال مجلس الأمن للمزيد من القرارات المسهلة للتدخل المستقبلي بشكل أكبر , وفرض المزيد من القيود والعقبات على أي نظام قادم حتى لا يتفرغ للبناء والأعمار, فيضل مشغولا ولفترة غير محدودة بمعالجة آثار تلك القرارات .

هذا بينما تكون شركات السلاح الغربية مشغولة بتوريد السلاح وبسعر محترم لطرفي الصراع من باب الواجب الإنساني فقط.

وإن حسم أحد الأطرف الصراع لصالحة وهو لا شك حليف الثورة والشعب المناضل المجاهد \" مع تمنينا الأ تحدث مواجهة أو تراق قطرة دم واحدة \"

فلن تجد أمريكا والغرب عموما غضاضة في الإعلان عن احترام خيار الشعب اليمني وتضحياته , وسترتفع نبرة الصوت مطالبة بإلقاء القبض على بقايا عصابة السلطة لتقديمهم كمجرمي حرب ، إن تمكنوا من الفرار قبل أن يتمكن الثوار من إلقاء القبض عليهم ، بعد تحق ما يتمنونه .

ويبقى السؤال هل يدرك ثوار اليمن خطورة الدور الغربي في اليمن خلال هذه الفترة من عمر الثورة ، الذي ظاهره الدعم وباطنه الحرب والتآمر.

لقد كان من الخطأ:

- الإفراط في التعويل على العمل الخارجي أكثر من إثبات الوجود على الأرض

- الوثوق بتسليم صالح للسلطة من خلال الحوار والمبادرة .

- ظهور قادة المعارضة بمظهر المحتوي للفعل الثوري الممسك بمقاليد أموره.

- التعويل على التصريحات الصفراء الغربية التي كانت مسكنات مسمومة للثورة

إن العامل الزمني بكل المقاييس لا يصب في مصلحة الشعب وثورته ، وليس هذه دعوة لتهور من نوع ما ، بقدر ما هي دعوة لأهل السياسة أن يتركوا للفعل الثوري أن يكمل مشواره ، عندها ستأتي المواقف الإقليمية والدولية إلى الشعب ، دون أن نظل نستجديها على أبواب قوم لئام .