القربي في مهمة صعبة وأخيرة
بقلم/ صبري أنعم
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 19 يوماً
الأحد 02 أكتوبر-تشرين الأول 2011 05:48 م

بدت مهمة القربي الأخيرة من أصعب مهماته على الإطلاق , يدرك أنه يذهب إلي هيئة الأمم المتحدة ممثلاً لنظام لم يعد له وجود , وأنه يتكلف تلك المغالطات رغم يقينه بأن العالم صار أكثر إلماماً ربما منه بتفاصيل الشأن اليمني كله , وبما يجعل الأكاذيب المدّعاة مفضوحة حد الشماتة .

النخبة اليمنية تعرف القربي جيداً , شخصية غير عدائية , حاول طوال تاريخ خدمته للنظام المحافظة على برستيجه الخاص كأكاديمي قديم , وبصعوبة بالغة حرص على إبداء قدر من الكياسة والحصافة , لم يتورط كثيراً في العمل كشتام أو مطلق أكاذيب وأراجيف , مهمته الأخيرة تليق بالجندي عبده أو ياسر اليماني أو المصرح الدائم الموظف بسفارة اليمن ببيروت بإعتبارهم أبرز واجهات النظام المندثر .

كان وضعه يبعث على الإشفاق , وكان الخطاب محنته الكبيرة .

تحدث الرجل عن تجربة اليمن الرائدة في مجال الديمقراطية والإنتخابات بتواريخها الفارقة , رئاسية وبرلمانية ومحلية ومحافظين على مدى فترتين , لم يتطرق إلى المخرجات الكارثية للعملية الإنتخابية منذ أول إنتخابات , لا نظن الرجل يعتقد بأمية المحفل الذي يخاطبه , وعدم متابعتهم تجربة اليمن المقبضة والمحبطة على طريق التحول نحو الديمقراطية ,الإنتخابات ويعلم القربي هذا الأمر , لم تحل مشكلة اليمن , ولم تسهم في تحريك عجلة التحولات نحو الأفضل , أستمرت بشروط الحاكم وبأدواته المتخلفة معيدة إنتاج التخلف والإستبداد والفساد مرة بعد مره , وعبر صناديق الاقتراع .

ظل الحاكم يجهض الحياة الحزبية , ويعيق عملية التحول نحو التعددية والإنفتاح , ما زال يمسك بكل مقاليد الأمور , بكل السلطات وبيدٍ من حديد , متلبساً بالحكم , مشخصناً الدولة بكامل مقدراتها , مستأثراً بالمال متحكماً بالوظيفة العامة , مسيطراً على المؤسسة العسكرية والأمنية , مسخراً كل مؤسسات الدولة لخدمة شخصه وحزبه , واضعاً كل المعيقات أمام حدوث أي عملية تغيير حقيقية , مبقياً على الإنتخابات كعملية شكلية صورية تكفي لتسويق النظام المستبد أمام الدول الداعمة والمانحة .

يعلم القربي أنه يواجه يقيناً عالمياً بعدم صلاح نظام صالح في هذا المضمار , يعرف أن أخبار العائلة المتحكمة والأبناء الصغار تسبق مزاعمه الفارغة .

لم ينسى القربي أن يقول بعض عبارات صادقة , أوردها على سبيل إدانة المشترك في حين أنها تدين النظام المتمسخ الذي يحمل على عاتقه هذه المره كآخر عبءٍ ثقيل .

قال القربي أن أحزاب المشترك نتيجة فشلها في الإنتخابات ويقينها بإستحالة فوزها على خصمها القوي واللدود صاحب الأغلبية الدائمة قررت الإنقلاب الحكم والسيطرة على الشرعية.

ثمة إعتراف واضح بإنسداد الأفق ويأس اليمنيين من مجيء التغيير عبر إنتخابات مزورة لا تتوافر فيها أدنى متطلبات النزاهة لم تكن منذ بداياتها سوى إنتخابات ضد التغيير وضد الديمقراطية .

أكثر السخريات إضحاكاً محاولة القربي تحميل اللقاء المشترك مسئولية التدهور الأوضاع في اليمن , ويقفز الرجل على حقيقة مره لا يستطيع تجاوزها , السيد وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال يعرف أنه يقف على سلكٍ دبلوماسي أنهار تماماً وهذا السلك بالطبع لا ينتمي لأحزاب اللقاء المشترك وليس في متناول يده حتى يستطيع قطعه كما يفعل مع أسلاك الكهرباء .

تزامن تحميل القربي مسئولية الأزمة التي تمر بها اليمن أحزاب اللقاء المشترك مع إعلان حكومته تحميل القاعدة مسئولية إستهداف وزير الدفاع بعملية إنتحارية في عدن .

ولم ينسى القربي في خطابه الحديث عن القاعدة كما لو أنها أصبحت أكبر مبررات الإبقاء على صالح ونظامه بالنسبة للخارج بالطبع .

 تبدو الحرب ضد القاعدة حرباً ضد اليمن يتولاها نظام فقد مشروعيته ولم يبق له سوى السلاح يواجه به الشعب ويتصدى به لمخاوف العالم من اليمن بيئة الرعب الأخيرة .

سبق خطاب القربي هذا كلمته المرتعشة أمام مجلس حقوق الإنسان في الجلسة المخصصة لمناقشة تقرير بعثة المفوضية السامية عن اليمن والتي حاول فيها تدارك تداعيات تقرير المفوضية الأخير , والذي تضمن سبراً لحقيقة الأوضاع المتردية في اليمن جراء تصلب السلطة وعنادها وتملصها من الوفاء بتعهداتها بنقل السلطة وفق المبادرة الخليجية , والتي ما زالت قيد التحايل والمناورة والإلتفاف من قبل صالح , وهو ما يعلمه العالم أجمع .

يبلغ الكذب المفضوح ذروته حين يحاول القربي إدانة الضحايا وإتهام المجني عليهم .

كان واضحاً أن القربي في مهمةٍ غير دبلوماسية البته , إلا إن عددنا الكذب الفج من مقتضيات العلاقة بالخارج البعيد عن مجريات الأمور في اليمن .

كان القربي يتحدث عن الرئيس بشكل خاص , حديثاً مشخصنناً لا تخطئه أذن المستمع , إستعطافياً تلوح فيه نبرة إستجداء واضحة , وتسمع من ثناياه أصداء الإنهيارات المريعة التي لحقت ببنية النظام الفاسد ضمن المخاض الثوري التي تشهده البلاد منذ شهورٍ ثمانية .

راح القربي بيأس يبحث عن دعمٍ أخير من الخارج لمواجهة الاوضاع الداخلية المتفجرة في وجه النظام , ثورة غضب شاملة, تخطت مفهوم الأزمة الذي يحاول القربي سجنها فيه .

يدرك الرجل أنه في آخر سفاراته مبعوثاً لنظامٍ يلفظ أنفاسه الأخيرة أمام ثورة شابة فتيه صخابة بأشواق الحياة .