الحكومة اليمنية تتطلع إلى شراكات استثمارية وتنموية مع الصين حضرموت.. وزير الدفاع يشدد على مسئولية المنطقة الثانية في تأمين السواحل ومكافحة التهريب أوتشا باليمن: نحو 10 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية #لا_لتطييف_التعليم.. حملة على مواقع التواصل الإجتماعي تكشف عبث الحوثي بالمناهج وقطاع التعليم حماس توافق على تشكيل لجنة لإدارة غزة بشرط واحد عيدروس الزبيدي يستبعد تحقيق سلام في المنطقة بسبب الحوثيين ويلتقي مسئولين من روسيا وأسبانيا النقد الدولي: قناة السويس تفقد 70% من الإيرادات بسبب هجمات الحوثيين أول رد لتركيا بعد هجوم حوثي استهدف احدى سفنها 49 فيتو أمريكي في مجلس الأمن ضد قرارات تخص الاحتلال مصادر تكشف عن قوات عسكرية في طريقها إلى اليمن
* د/ عبد الله الفقيه
وصل الحوار بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك أواخر الشهر الماضي إلى طريق مسدود وذلك بعد أن رفع الحاكم في وجه اللقاء المشترك لافتة «اللجنة العليا للانتخابات خط احمر» وهو ما يترجم بلغة السياسة إلى «رفض التفاوض حول تشكيلة اللجنة الحالية». وقد اتسم موقف الحزب الحاكم بالتشدد الذي يعني، من وجهة نظر كاتب هذا المقال، احد أمرين. فإما أن الحزب الحاكم قد وصل إلى مرحلة لم يعد فيها بقادر على استيعاب التحولات الداخلية والإقليمية والدولية والتحديات الآنية والمستقبلية التي تواجه البلاد من جراء تلك التحولات. وهذا الاحتمال غير مستبعد وخصوصا في ظل المراهنة على الأميين وحملة الإعدادية والانتهازيين. وإما أن الحزب الحاكم قد تم اختراقه من قبل القوى التي تراهن على تمزيق البلاد عن طريق سياسة «صنع الأزمات» والدفع بالتناقضات كلها ومرة واحدة إلى الواجهة. وهذا الاحتمال غير مستبعد أيضا وخصوصا في ظل السياسات التي تعمل على عزل الرئيس عن الشعب وضرب القواعد التي يرتكز عليها حكمه والعمل على تحويل أصدقاء الرئيس وشركائه بالأمس إلى منافسين وناقمين عليه اليوم.
إسقاط الخط الأحمر
أدى التشدد من قبل الحزب الحاكم حول اللجنة العليا للانتخابات إلى تشدد مماثل من قبل أحزاب اللقاء المشترك التي تطالب اليوم ليس فقط بإسقاط اللجنة وحرمان المؤتمر من خيار «تزوير الانتخابات" الذي ربما كان يراهن عليه، ولكنها تطالب أيضا بتعديل النظام الانتخابي القائم الذي يخدم المؤتمر الشعبي العام. ففي وثيقة أطلق عليها «رؤية أحزاب اللقاء المشترك لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وعادلة» وتم إعلانها للناس في مؤتمر صحفي عقدته أحزاب المشترك في صنعاء الثلاثاء الماضي يتبين أن اللجنة العليا للانتخابات التي نص على وجودها الدستور كي تعمل كحكم بين القوى السياسية المتنافسة قد تحولت هي ذاتها إلى مشكلة. ويمكن تشخيص وضع اللجنة العليا- اعتمادا على وثيقة المشترك- في النقاط الآتية:
1- اختلال في تكوين اللجنة مكن الحاكم من أن يلعب ب5 مقابل 2 للمشترك، وهو تشكيل للفرق لا يمكن أن يؤدي سوى الى نتيجة واحدة وهي فوز المؤتمر الشعبي بشكل مستمر وتحول الحزب الحاكم إلى خصم وحكم.
2- تحويل اللجنة العليا للانتخابات إلى فرع للمؤتمر الشعبي العام والعمل -بحسب ما ورد في رؤية المشترك- على تصفية العناصر المستقلة والموالية لأحزاب المشترك من الجهازين الإداري والفني للجنة.
3- قيام الحزب الحاكم وبتغطية من اللجنة العليا للانتخابات بتقسيم البلاد جغرافيا وسكانيا إلى دوائر انتخابية وفق حسابات تخدم مصالحه.
4- قيام الحزب الحاكم وبتواطؤ من اللجنة العليا للانتخابات بتوظيف وسائل الإعلام التي يفترض حياديتها والمال العام والوظيفة العامة لصالحه.
5- إدارة العملية الانتخابية برمتها بالطريقة التي تعجب الحاكم.
6- ارتكاب جرائم انتخابية بما في ذلك التورط في وقائع تزوير وانتهاك للقانون والتفريط بالمواعيد القانونية المحددة لإجراء الانتخابات.
7- تحول اللجنة إلى بوق للحاكم في مواجهة أحزاب اللقاء المشترك في الوقت الذي يفترض فيه حيادية اللجنة.
8- غياب الشفافية في أداء اللجنة لعملها.
وليست أحزاب المشترك وحدها من يشخص الوضع بهذه الطريقة. ففي تقرير تم إعداده بواسطة فريق من الخبراء وبتمويل من قبل دولتين أوربيتين داعمتين لليمن خلص معدو التقرير إلى وجود خلل عميق في انتخابات عام 1999 الرئاسية وعام 2003 البرلمانية. وارجع التقرير الخلل إلى مجموعة من العوامل أهمها سيطرة الحزب الحاكم على اللجنة العليا للانتخابات وفروعها في المحافظات وقيام الحزب الحاكم بتوظيف الإعلام والمال العام والوظيفة العامة والقوات المسلحة بغرض الحصول على أغلبية كبيرة. وكان تقرير آخر قد تم إعداده من قبل هيئة استشارية لحساب هيئة التنمية الأمريكية العام قبل الماضي قد خلص إلى نتائج مشابهة.
سر التحول
يقود التشخيص الذي تقدمه أحزاب اللقاء المشترك -وهو تشخيص لا يبتعد كثيرا عن حقيقة وضع اللجنة- إلى سؤال آخر مهم يدور حول سر قبول أحزاب اللقاء المشترك بلجنة يصفونها بأنها غير محايدة ولا تحترم القانون طوال السنوات الماضية. وتختلف أحزاب اللقاء المشترك فيما بينها في الإجابة على السؤال. لكن السؤال ذاته غير مهم بالنسبة لأطراف العملية السياسية. فمن حق كل طرف وفي الحدود المعقولة والمقبولة أن يغير من موقفه السياسي متى رأى ذلك مناسبا. لكن السؤال مهم بالنسبة لأعضاء اللجنة العليا للانتخابات. فكما يقول المسئول الإعلامي للجنة الأستاذ عبده الجندي فانه إذا كانت اللجنة قد اخترقت القانون في بعض المناسبات فان ذلك الاختراق تم بتوافق الأحزاب وليس بمبادرة من اللجنة.
بالنسبة لأحزاب المشترك فانه يمكن تلخيص موقفها من وجهة نظر كاتب هذا المقال في عدة نقاط..
أولا: برغم المخالفات والانتهاكات التي صاحبت الانتخابات الماضية (1997، 1999، 2001، 2003) فان تلك الانتخابات تمت في ظل توافق سياسي داخل البلاد وهو الأمر الذي لم يعد موجودا بعد أن استأثر الحاكم بكل شيء وحول نفسه إلى حزب شمولي يقوم على الفساد والإقصاء.
ثانيا: دفع الحزب الحاكم بأساليبه «الاستحواذية» وبمحاولته سد كل المنافذ أمام القوى السياسية الأخرى المعارضة إلى الشعور بأنها وصلت إلى مرحلة «نكون أو لا نكون». فأحزاب المشترك تواجه ضغوطات متزايدة من قبل قياداتها الوسطى وقواعدها ومن قبل الشارع اليمني بشكل عام ناتجة عن حراك سياسي أحدثته العديد من العوامل المحلية والإقليمية والدولية.
ثالثا: لم يترك الحزب الحاكم لأحزاب المعارضة أي فرصة للاستمرار في دورها كمعارضة مدجنة. فهو من جهة تعامل معها ومع القوى السياسية على الساحة بشكل عام بتعال شديد وسعى من خلال توظيف الإعلام الرسمي والمال العام وللجنة العليا للانتخابات والوظيفة العامة وغير ذلك من الأدوات والوسائل إلى تضييق نطاق الحركة المسموح بها لتلك الأحزاب وجعلها تشعر وكأنها أصبحت زائدة دودية في الجسد السياسي اليمني! من جهة ثانية فان الحزب الحاكم اخفق بشكل كبير في تقديم مخرجات مقبولة من الشارع اليمني على كافة الأصعدة وهو ما جعل نقمة الشارع اليمني تتجه ليس فقط نحو الحزب الحاكم بل أيضا نحو أحزاب المعارضة التي هادنته خلال الفترة الماضية.
رابعا: تدرك أحزاب المشترك أن تحقيق مكاسب في الانتخابات الرئاسية القادمة قد لا يكون أمرا ممكنا وان كان غير مستحيل وان فرصتها الكبيرة في تحقيق مكاسب هي في الفترة الحالية وعن طريق إصلاح الإدارة الانتخابية (والنظام الانتخابي إن أمكن). فإصلاح الإدارة الانتخابية والنظام الانتخابي سيمكنها من تحقيق مكاسب في الانتخابات المحلية المتزامنة مع الانتخابات الرئاسية. كما سيمكنها أيضا من تحقيق مكاسب في الانتخابات البرلمانية المقبلة (ابريل 2009).
خامسا: تدرك أحزاب المعارضة أن موقف المؤتمر الشعبي العام على المستويين الداخلي والخارجي يتصف بالاهتزاز الشديد وخصوصا في السنة الحالية وان التأييد الداخلي والدعم الخارجي الذي تمتع به الحاكم خلال السنوات السابقة والذي جعل أحزاب المعارضة تستكين وتقبل بنتائج سياسية معينة قد تآكل بشكل كبير. كما تدرك أحزاب المعارضة بان مطالبها بحل اللجنة وإصلاح النظام الانتخابي هي أيضا مطالب ضمنية للدول الداعمة لليمن.
مقترحات المشترك
برغم التصعيد النسبي الذي احتوته مبادرة اللقاء المشترك والخاص باللجنة العليا للانتخابات وبالنظام الانتخابي ذاته، فانه لا يمكن للمراقب سوى أن يلاحظ التحولات الكبيرة التي تمر بها حركة المعارضة اليمنية. ففي الوقت الذي وصل فيه الحزب الحاكم إلى مرحلة الشيخوخة ولم يعد قادرا على «الإدهاش» ولفت انتباه الناس رغم سيطرته على كل شيء تظهر أحزاب اللقاء المشترك قدرة متزايدة على مفاجأة أعضائها والشارع اليمني بطرحها الجريء والشجاع لأفكار وبدائل تتسم بالعقلانية والرغبة الأكيدة في التأسيس لمستقبل سياسي ديمقراطي مستقر وبغض النظر عن من يحكم. فلم تكتف أحزاب المعارضة كما كانت تفعل في السابق بمعارضة اللجنة العليا للانتخابات بطريقة سلبية بل قامت بخطوة متقدمة بمقياس الفعل السياسي هذه المرة وقدمت مقترحات لمعالجة الاختلالات القائمة.
وتتركز مبادرة المشترك بشأن اللجنة العليا للانتخابات على الآتي:
1- إعادة تشكيل اللجنة بطريقة تحقق التوازن في التمثيل بين القوى السياسية، وهو ما يعني إعادة النظر في الـ2 مقابل 5 .
2- تقديم كل عضو من أعضاء اللجنة إقرار براءة الذمة.
3- تمثيل المرأة اليمنية في اللجنة.
4- إعطاء مجلس النواب سلطة المصادقة على تعيين أعضاء اللجنة وهو ما يوفر لها الاستقلال المناسب.
5- الاستقلال المالي والإداري للجنة.
6- الشفافية في أداء اللجنة لعملها.
ولعل المطالبة بإشراك المرأة وبتقديم أعضاء اللجنة العليا للانتخابات الذين يتم اختيارهم للمرحلة القادمة لإقرارات براءة ذمة قبل ممارسة أعمالهم تمثل انتقالة نوعية في مسار الممارسة السياسية لأحزاب المعارضة. على انه ينبغي الإشارة هنا إلى أن المطالبة بتشكيل اللجنة على أساس التمثيل الحزبي، وهو ما يفهم من مطالبة المعارضة بتشكيل اللجنة على نحو متوازن، قد لا يمثل الحل الأمثل لمشكلة استقلال اللجنة وحيادها، وقد ينقل مثل هذا الحل الصراع بين الأحزاب إلى أروقة اللجنة ويفقدها بالتالي القدرة على العمل كحكم بين القوى السياسية. كما أن تشكيل اللجنة العليا للانتخابات على أساس حزبي سوف يضر بالقوى السياسية غير المنضوية في الأحزاب رغم حضورها الملحوظ في المجتمع اليمني. ومن وجهة نظر الكاتب فان تشكيل اللجنة على أساس حزبي له سلبياته العديدة مقارنة بايجابياته القليلة بالنسبة للأحزاب.
ولعل البديل الأفضل هو تشكيل اللجنة من الشخصيات المستقلة التي تم تجربتها وأثبتت نزاهتها من أمثال الدكتور فرج بن غانم وفيصل بن شملان والدكتورة رؤوفة حسن. واليمن مليئة بأمثال هؤلاء الرجال والنساء الذين يقدمون مصلحة الوطن وأهله على مصالحهم الشخصية وعلى مصالح الأحزاب والطوائف. وتتمثل مزايا هذا الخيار في انه سيعزز من استقلال اللجنة ومن قدرتها على الحركة. كما أن هذا الخيار سيسهم في ترسيخ بعض القيم الوطنية الهامة التي يمكن أن تشكل مظلة لكل القوى السياسية. وإذا كانت الأحزاب في السلطة والمعارضة مصرة على تحزيب اللجنة فقد يكون مفيدا تخصيص ثلث المقاعد للمستقلين حتى يشكلون عامل توازن واستقرار داخل اللجنة. والخيار الأخير يعني ثلثاً من أعضاء الحزب الحاكم، ثلثاً من أحزاب اللقاء المشترك، وثلثاً من الشخصيات المستقلة مع العمل في نفس الوقت على توسيع العضوية وإعادة النظر في القانون واللوائح المنظمة لعمل اللجنة وبشكل يعطيها المرونة في أداء وظائفها.
نجاحات المعارضة
استطاعت أحزاب اللقاء المشترك من خلال الرؤية التي قدمتها الأسبوع الماضي حول الضمانات الضرورية لقيام انتخابات نزيهة، نقل الكرة إلى ملعب الحاكم. فهل يستطيع الحاكم رد الكرة إلى ملعب المعارضة أم أنه قد بلغ درجة من الشيخوخة لم يعد معها بقادر على تحريك قدميه؟ من الواضح أن رؤية المشترك قد فاجأت الحاكم واللجنة التي تدور في فلكه وأصابتهما بارتباك شديد. ولعل قادة الحزب الحاكم أو بعضهم على الأقل قد أدركوا بعد المؤتمر الصحفي الذي عقدته المعارضة أن كل شيء يتغير من حولهم فيما عدا الحزب الحاكم ذاته.
ولعل ما يلفت انتباه المراقب هو أن أحزاب المعارضة قد أظهرت حنكة ودهاء سياسياً لم يعتد عليه الحاكم. من جهة قدمت تشخيصا لوضع الإدارة الانتخابية والنظام الانتخابي اتصف بالموضوعية والوضوح. من جهة ثانية، تقدمت بقائمة من المطالب الواضحة والمعقولة وان كان قيامها بتقديم مثل تلك المطالب لم يخل من عنصر المفاجأة. من جهة ثالثة، لم تلوح أحزاب اللقاء المشترك، وعلى عكس توقع الحاكم، بمقاطعة الانتخابات بل لوحت بعزمها على تحريك الشارع للضغط على الحزب الحاكم للقبول بمطالبها بتصحيح وضع الإدارة الانتخابية والنظام الانتخابي.
المخاطر المحتملة
وبرغم أن المصلحة الوطنية تفرض على الطرفين الدخول في مفاوضات لا تتوقف الا عند التوصل إلى حل يقبل به الطرفان إلا أن رد فعل الحزب الحاكم على مطالب المشترك قد اتسم بالسلبية وربما وهو الأسوأ بعدم القدرة على ادراك المخاطر التي يمكن أن تترتب على تجاهله للأزمة القائمة. والأمل بالطبع هو أن يسارع بعض العقلاء والوطنيين في الحزب الحاكم -وهم كثيرون وان كان قد تم تهميشهم مؤخرا- إلى تنبيه الرئيس للمخاطر التي يمكن أن تسفر عنها الأزمة القائمة. كما عليهم ان كانوا حريصين على مستقبل بلادهم أن يحذروا الرئيس من أولئك النفر الذين وصفهم الأستاذ عبد الكريم الخميسي في عموده المنشور في صحيفة الوحدة بتاريخ 8 مارس بان أقوالهم مع الرئيس وأفعالهم ضده وأنهم لا يعبدون إلا مصالحهم ولا يخدمون الإ جيوبهم وأنهم يضربون بسيف الرئيس ويقمعون بهيبته وينتهكون الحقوق من خلف ظهره وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون.
فتحكيم الشارع، أو الدفع بالبلاد نحو فراغ دستوري، أو عقد انتخابات رئاسية تقاطعها المعارضة، هي كلها خيارات تحمل معها الكثير من المخاطر بالنسبة لوحدة اليمن واستقراره وبالنسبة لفرص النظام القائم في البقاء والاستمرار. فالخيارات الثلاثة مع تفاوت في الدرجة تخلق الأجواء المناسبة التي تبحث عنها بعض القوى المتواجدة في السلطة وفي المعارضة والتي تعمل ليل نهار على الدفع بالبلاد نحو حرب أهلية تتمكن في ظلها من تنفيذ مشروعها لتمزيق البلاد.
اللجوء إلى الشارع
إذا كان الحاكم في شك من نوايا المعارضة بشأن اللجوء إلى الشارع فان قيام أحزاب اللقاء المشترك بعقد المؤتمر الصحفي ومكاشفتها للناس بوضع اللجنة وبموقفها بهذه الصورة التي اتسمت بالشفافية إلى حد كبير لا يدع مجالا للشك في أن المعارضة تعني ما تقول وان المراهنة على تراجع تلك الأحزاب وخصوصا في ظل غياب الشيخ قد لا تكون مراهنة سليمة. ويزداد التهديد بالاحتكام إلى الشارع أهمية أذا ما عرف الإنسان بأن التهديد قد جاء على لسان الأستاذ محمد قحطان (رئيس الدائرة السياسية لأكبر حزب سياسي معارض في البلاد) وليس على لسان شخص آخر. ومع أن المعارضة قد أشارت بوضوح إلى التزامها باتباع الوسائل السلمية في التعبير عن مواقفها وفي الضغط على الحاكم إلا انه ليس من مصلحة جميع الأطراف اللجوء إلى ورقة الشارع رغم مشروعيتها. فبالنسبة للحزب الحاكم فان قيام المعارضة بإخراج مئات الآلاف إلى شوارع المدن، وذلك حق من حقوقها، سيمثل استفتاء على مشروعيته وشعبيته في لحظة يعاني هو فيها من ضعف شديد ولأسباب يعرفها جميع الناس وفي مقدمتهم أعضاء المؤتمر.
الفراغ الدستوري
يبدو أن هناك داخل المؤتمر الشعبي العام من يراهن على تصعيد الأزمة القائمة بسبب اللجنة العليا للانتخابات وبما يؤدي إلى مرور الاستحقاقات القانونية والوصول بالبلاد إلى «فراغ دستوري" حيث تنتهي الفترة الدستورية لخدمة رئيس الجمهورية قبل عقد الانتخابات الجديدة. وفي حالة حدوث أمر مثل هذا، فان امن البلاد واستقرارها سيصبحان في مهب الريح. ولعل أصحاب هذا الخيار يجهلون تماما طبيعة الظروف التي تمر بها اليمن والوضع الصعب للنظام على الصعيدين الإقليمي والدولي. إن الزج بالبلاد نحو فراغ دستوري لا يمكن أن يكون سوى دعوة للخروج على الحاكم وعلى وحدة البلاد.
خيار المقاطعة
إذا كان هناك داخل الحزب الحاكم من يراهن على أن أقصى ما يمكن أن تفعله أحزاب المعارضة هو «المقاطعة» وان المقاطعة ستسهل من مهمة الحزب الحاكم في كسب الانتخابات القادمة فان عليه أن يفكر مرة أخرى، وعليه أن يفرق بين انتخاب الناس لرئيس البلاد وبين انتخابهم لعضو مجلس نواب أو عضو مجلس محلي. كما أن عليه أن يفرق بين انتخاب رئيس للمؤتمر الشعبي العام وبين انتخاب رئيس للجمهورية اليمنية.
فقيام انتخابات رئاسية لا تشارك فيها أحزاب المعارضة ستفرز رئيسا للدولة منقوص الشرعية وسيمهد وضع مثل هذا لنوعين من المخاطر. من جهة، قد تتعرض اليمن لعقوبات دولية تزيد من تعقيد الوضعين الاقتصادي والسياسي وتجعل انهيار الدولة أمرا يصعب تجنبه. من جهة ثانية، ستكون القوى الساعية إلى تفتيت البلاد وسواء أكانت في السلطة أو في المعارضة هي المستفيد الأول من عقد انتخابات غير نزيهة إذ ستجد الفرصة المواتية للانقضاض على وحدة البلاد وأمنها واستقرارها. وإجمالا فان القوى المتآمرة على وحدة اليمن ستجد في تصعيد الأزمة القائمة أكثر من فرصة في تحقيق مآربها. فإذا لم يتحقق التفتيت عن طريق تحريك الشارع والدفع بالبلاد نحو حرب أهلية فانه سيتحقق عن طريق الدفع بالبلاد نحو «فراغ دستوري" يصبح معه الحاكم مجردا من أي شرعية. وإذا فشل الخياران الأولان فستراهن تلك القوى على الخيار الثالث وهو عقد انتخابات تفرز رئيسا ضعيفا لا شرعية له.
عقلانية المعارضة
عكس موقف المعارضة حتى الآن، ورغم أن هناك في الحزب الحاكم من يحاول الدفع بها إلى اتخاذ مواقف متطرفة، موقفا معتدلا. فحتى عندما لوحت باللجوء إلى الشارع أكدت بأنها لن تفعل ذلك حتى تستنفد جميع الخيارات الأخرى. وموقف المعارضة موقف مسئول حتى الآن ويعبر عن ادراك لضرورة أن تعارض كما لو كانت في الحكم. وإذا كان الحزب الحاكم غير قادر على أن يحكم كما لو كان في المعارضة لأنه لم يجرب المعارضة قط، فانه يقع على المعارضة (وقد جربت الحكم والمعارضة) مسئولية تاريخية في العمل بصلابة وحرص وحذر. فإذا كان هناك احتمال ولو ضعيف بان جهود المعارضة الرامية إلى تخليص الشعب اليمني من معاناته سيقود البلاد إلى دخول دوامة عنف أخرى فان عليها أن تعمل كل ما تستطيع لتجنب حدوث ذلك.
س