ذات ضوء من الليل
بقلم/ محمد عبد السلام منصور
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 6 أيام
الثلاثاء 19 يوليو-تموز 2011 09:25 م

سكن الليلُ!.....

.......أرجاءنا

أغلقَ الكونُ أجفانهُ

القرى والمدائن مطفأةُ الأهلِ

صنعاءُ راعشةُ الروحِ

تحت رؤوس الثعابينَ

يرقص من فوقها الليلُ..

ليل اليمنْ

والهوى طائرٌ فرّ من قفص اليأسِ

يشجو على شجر القلبِ

فاضت دموع المكلا

وناحت عدنْ

.......

 ذات صوتٍ من الشجوِ

كوّرتِ الروحُ أوجاعها

انحدرت دمعة كالحريقْ

أشعلت ناعس الطرفِ

لاحت له ومضةٌ

مغربُ الشعبِ ... مشرقُها!

غزلت لهب الدمع في برقها

ومضتْ

أغمض الطرف أحلامه باكيا

مدت الروح من لجة الدمعِ

كفّيْ غريقْ

.........

مَن يراوغ في قبة الليل ذئبَ الظلامْ؟

أنتِ يا نجمة الصبح أم أنه الطرف مني

يخاتل غيم المنامْ؟..

 أم كلانا أضأنا؟

أحان التقاءُ الشتيتينِ:

ومضِ الثريا وطرفِ سهيل الغرامْ؟

أَنُضِيْءُ على شاطِئَيْ ظلمةٍ راكدةْ؟

كيف أخطف من وجهها الحجريِّ

صباحا يدفئني

وأضم على وهج الشمسِ

صدر المنى الساهدةْ؟

........

كم أضأنا هنا.... وانطفأنا !!:

أضأنا على دمنا

 نفتدي: القمم العاشقةْ

 البيوتَ الحزينةَ

 والمدنَ المتعبةْ

 الحقولَ الظوامي

أضأنا على أدمع الفرحة الدافقةْ

كل نسمة حب أضاءتْ

ولكنَّ خائنةَ الليل تطفئنا

ليلنا...غاشمٌ غادر ...

آه من ليلنا الطاعنِ الرمحِ

في الروح لا في الفَلكْ

همجيُّ الضغينةِ طاغيةٌ ما كرُ 

بدوي الغرائز باغي الحشا فاجرُ

إن أضاءت لك الروح يوما

تُبدِّدْ جهالتَه قتلكْ

هو: رب القبيلةِ

شيخ النظامِ

ومفتي الديارِ

وبيت الجواسيسِ والمخبرُ

يسرق النور من أعين الناسِ

يُسكنهم وحشة الخوفِ

لاحق خُطْواتهم حارةً، حارةً

هدَّ أستارهم منزلا، منزلا

يترصّد أنفاسهم غرفةً، غرفةً

كم أذاقهمُ الجوعَ أشربهم آسنَ الجهلِ

جرّعهم فاتكاتِ السقمْ

عاش فيهم حِماما

أمات الجوى فرّق الجمعَ

بعثرنا في صحارى الفتنْ

أنشب القتل فينا ومنا انتقمْ

فشربنا دم الثأر عاما فعاما

على جثث الأبرياء بنى عرشهُ

والدماء احتساها مداما

روى ظمأ الذئب فيه أمات اليمنْ

لم نعد بلدةً طيبةْ

لكنِ اللهَ ما زال رباً غفورْ

........

أيها الليل هل تنجلي؟

لاح في الأُفُقِ اليمنيِّ الصباحُ 

  يُضيء الكرامةَ

فلتنجل الآن..... هيا أطلت المقامَ

ذئابُك إن أكثرت في البلاد الفسادَ

فقد كنت يا ليل فيها العقورْ

لن ترى رملةً في الحمى راضيةْ

الطفولة تصرخ من مهدها

انجلِ الآن ما أبشعكْ؟

أيها الحالك الروح

ما أطول الروح فيكَ وما أطولكْ

بُحَّ صوتُ القرى بح صوت المدائنِ

أن ترحلا

الشهيد يناديك من دمهِ

انجل الآن ما أثقلك

.....

إبرة النور تثقب جفن المنامْ

البنان يقشّر عنه النعاسَ

يفتِّح أكمامه عن رؤايَ

تدفق جذلان يسفحني حلماً، حلما

في فضاء الوميضِ وفيض الغمامْ

لمّني من شتاتي استويت على عرشه نازفا

غسّل الدمعُ جرحي أضأنا هوىً وغناءً

فسبَّحتُ للومضة الباسمةْ

أشعَلتْني أنارت شرارتُها حانةَ الروحِ

دارت عليَّ كؤوسُ المنى

أترشف خمرتها - الْـ.عُتّقتْ في جوايَ

ثلاثين دهرا من الليلِ - 

حتى ثملت اشتياقا لفاتنتي الهائمةْ

مسّني فرحُ الطيرِ إن مسه غبشُ الفجرِ

أشْرعتُ شباك روحي لنسمتها القادمةْ

أثَّث القلب حجْراتِه وتأنق فوق الكمنجة

يعزفها نبضة، نبضة

الأهلة ملء الجوانح والحوريات يغنينَ

في كل نبض هوى

الجبال السهول الشواطئُ

والبحر ينثر فضّته في سمائيَ

أخرجتِ الأرضُ مزمارها

صدح الطير شوقا لفرحتنا القادمةْ

ذبت في زبد الأغنيات انتظارا

لرؤية شمس الشموس أنرتُ الجوى واشتعلتُ

ترصدت مطلعها الذهبيَّ خلال الرؤى العائمةْ

أمسك الطرف خيط الوميضِ 

فما انشبكت لهفة الروحِ... ..... 

 أين الحبيـ....

 ..بـــــ..انطوى الضوءُ 

 داهمنا الانطفاءْ...

عُقِدتْ رايةُ الصمتِ فوق الشفاهِ

انهمرتُ أسىً أسوداً أسودا

......

سكن الليلُ...

.......... أرجاءنا

 همهم الصمت في أذنيْ:

يا سليلَ المجانين نم ..

 نم تفقْ

 أنت في جبل الليل آوِ إلى الكهفِ..

أو..فلتته في مهاوي الظلامْ

شعشع الهَجْسُ روحَكَ....لا الفجرُ

أجهدتَ طرفَك تنقفه كل ثانيةٍ

ببنان الهُيامْ

استفاق رأى- ذات ضوء من الوهمِ-

أحلامَه تتقّلّبُ مسحورةً

في سراب الغرامْ

لن ترى طيف ليلى

مضى زمن العشق والعاشقينْ

الزمان اليمانيُّ في قبضتيَّ

وهم في ذرى النومِ

نم في سرير القنوط بملء الجفونِ الحسيرةِ

نم أنت في اللحظة المعتمةْ.

........

أيها المستباحُ!.... الوطنْ

كيف تمحو يدُ الليلِ

كلَّ المواقيتَ من فُلْكنا

ويضيع الزمنْ؟

.......

إنها لعنة الماءِ غضبة سيل العَرِمْ

كانت الأرضُ معشوقة السبئيِّ وقدّاسهُ

معبدَ الشمسِ

نايَ الزمان الخصيبِ

يصلي لها ويغني بها

عانق الطين فيها وضمَّ الغمامْ

استوت في الجوى آيةً جنتينِ

عطاء الإله وبذل الحبيبةِ

فاخضرَّ عود الحياة أتى أكلها رغدا

وجنا الجنتين غناءً وحباً

أضاءهما قمر الماءِ وانسجم الوصلُ

طاب اللقاءُ بِوادي سبأْ

الفراديس في عطرها شغفُ الطيرِ

عطّر أنفاسه الهدهد التائهُ

ثم أغرى بها ملك الجن ليلا

 سباها 

وما صده عن ثراها سبأْ

غضب الماء حتى انفلقْ

عنه سدُّ البلقْ

ثم حلّت بهم لعنة الماء والضوء

صابهمُ الليل والجدبُ

باعدت اللعنةُ السبئيةُ

ما بين أمطارهمْ وصباحاتهمْ

ورمتهم بقارعة الجوع

والظلمة الجارحةْ

..........

المدى حالك، حالكٌ

أخرج الليلُ من كمه البدوي

ثلاثَ ليالٍ ألدْ

أقفلت أفق الطير واختطفت شدوهُ:

طاردت في الفضاءات أسرابَهُ

فلبِيض النوارسِ

كاتمةُ الصوت تقتل أشواقه الحالمةْ

ولسمرِ القطا

ربّةُ السحر تخطف أسرابه الحائمةْ

ولخضر البلابلِ

آكلةُ النسلِ تحصد أفراخه القادمةْ

خيّمت ظلمة الدهر في ساحة الطيرِ

حتى أتى السامرُ...

جاء من كل ليل عميقٍ

تدفق سرب الجرادِ إلى شجر الفجرِ

قبل شروق الصباحِ

علت صرخاتُ الجوارحِ تذبحُ

بِيضَ النوارسِ سُمرَ القطا

ووجوه الظلام تلاحقني أين منها المفرُّ

تلمّستني أو... أفرّ إليَّ فلمْ

ألقني فيَّ لَمْ ألقَ ظلي 

استعذت بربيَ من زمنٍ آسنٍ

 من مكانٍ هَرِمْ

 انطويت على الروحِ

أنعي إليها فتاة الصباح الذبيحة

صعّدني حزنُها في مراقي الدموعِ

إلى الشرفة المبصرةْ

لِأرى ما يرى العاشقونْ

.......

ذات ضوء من الليل_قد أومض الآن_

آنست نارا تَلهَّبُ فوق شعيبٍ وشمسان والقاهرةْ

أشعلَت شاطئَ البحر رملَ الصحارى

أضاء بها المستباح.. الوطن

قبضة الشعب مشرقها

تتوهج فيها رؤى الطيرِ

من شاطئ الليل حتى اصطخاب الصباحِ

رأيتُ الجراد يغورُ طوته يد الليل وانكسرتْ

الكواسر تأكل منقارَها

عُشَّها... بيضَها..

يخلع الصقر عنه السوادَ

ويمشي إلى الفجر مشيَ القطا

ووجوه القطا أشرقتْ

والنوارس بيضاءُ

ملءَ الفضاءِ

تشقُّ الطريق إلى الشمسِ

 والشمسُ في المنحنى

خبأتْ صبحَ صنعاءَ في!..

نبَضات المكلا وعيني عدنْ