آخر الاخبار

الحكم في زمن تويتر.. الطرق الجديدة لأمراء السعودية في الاستشارة واتخاذ القرارات

الأربعاء 25 مايو 2016 الساعة 08 مساءً / مأرب برس - رويترز
عدد القراءات 4293

جاءت مشاركة عشرات الآلاف من الشباب السعودي في نقاش عبر الشبكات الاجتماعية حول خطط إصلاح اقتصاد المملكة المعتمد على النفط، الشهر الماضي، لتمثل تحولاً في أسلوب تفاعل حكام المملكة مع رعاياهم.

فقد جرى العُرف أن يسعى قادة الأسرة الحاكمة للتواصل مع الرأي العام من خلال مجالس غير رسمية يحضرها زعماء القبائل وكبار رجال الدين ورجال الأعمال أو مواطنون عاديون يرغبون في عرض مطلب أو تقديم التماس.

السعوديون والإنترنت

السعوديون من أنشط الشعوب العربية استخداماً للشبكات الاجتماعية، وقد بدأ الأمراء من أسرة آل سعود الحاكمة في محاولة تشكيل النقاش العام على الإنترنت بحملات إعلامية تتم إدارتها بكل عناية، وأُقيل مسؤولون كبار بعد توجيه انتقادات لهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

المحلل والمعلق السعودي محمد اليحيى قال: "هذا محور تركيز جديد للحكومة وهي تسعى للتواصل مع الشباب السعودي الذي يرجح أن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من غيره. وهذه أنجع وسيلة لجذب اهتمامه".

وكان من أبرز الأمثلة على ذلك في الآونة الأخيرة خُطط الإصلاح الواردة في رؤية المملكة 2030 التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد (31 عاماً).

فقد استخدم فيها موقع تويتر إلى جانب وسائل الإعلام التقليدية في رسم التوقعات واستحداث الوسوم التي تصاغ من خلالها العبارات الرئيسية محور النقاش.

وشارك نحو 190 ألف مستخدم لتويتر في السعودية مشاركة نشطة في النقاش الذي دار حول الرؤية 2030، وأطلق ذلك أكثر من 860 ألف رسالة، وفقاً لما ذكرته شركة سيميوكاست التي ترصد وسائل التواصل الاجتماعي ومقرّها في فرنسا.

وقالت "سيميوكاست" إن ذلك معناه أن النقاش وصل إلى 46% من 7.4 مليون مستخدم نشط لتويتر في المملكة، ووصفت هذا بأنه مستوى استثنائي للمدى الذي يمكن أن يصل إليه نقاش يدور برعاية دولة.

عواصف التواصل الاجتماعي

الأسباب وجيهة لحساسية الموضوع. فمنذ عام 2012 بلغت العواصف على وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة حول سياسات الحكومة أو أفعال مسؤولين كبار ذروتها بعزل 5 من ذوي المناصب الرفيعة.

وقال ضياء مرة، مدير الحسابات بشركة "ذي أونلاين بروجكت" للإعلام الاجتماعي في الرياض، إن مستوى المشاركة معناه أنه حتى الوزراء الذين ليس لهم حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي يستثمرون الوقت والمال في متابعة ما يقوله الناس عنهم على الإنترنت.

وأضاف: "الناس تحمّلهم مسؤولية ما يحدث وما لا يحدث".

وتتقاطع خطوط الاستخدام لوسائل الإعلام الاجتماعي للأغراض السياسية والدينية بين المواطنين السعوديين البالغ عددهم 21 مليون نسمة، والمقيمين الوافدين من الخارج الذين يقترب عددهم من 10 ملايين.

وسيلة للتفاعل

وسمحت وسائل التواصل الاجتماع للشباب السعودي بالتفاعل بأشكال كانت مستحيلة من قبل في بلد جرى العرف أن يتم فيه ضبط النقاش من خلال مراسيم رسمية ومن خلال الموروث الثقافي، ويحظر فيه الاختلاط بين الجنسين.

وتقول شركة آي مينا ديجيتال، التي تعمل في السعودية، إن تويتر أكثر شعبية بين المستخدمين في الفئة العمرية من 18 إلى 24 سنة، ويحظى بمتابعة لصيقة من جانب المستخدمين في المرحلة العمرية من أواخر العشرينات إلى أوائل الأربعينات، وينقسم استخدامه بالتساوي تقريباً بين الرجال والنساء.

وقالت الشركة إن موقع إنستغرام لتبادل الصور أصبح القناة الرئيسية بين الشباب السعودي، وثلاثة أرباع مستخدميه من النساء.

معارضة على الإنترنت

وتحدث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في ندوة عن تويتر امتلأت فيها القاعة بالحضور في أحد الفنادق الفاخرة بالعاصمة الرياض الشهر الماضي، فقال إن تويتر ليس مقياساً دقيقاً للرأي العام على الدوام، لكنه يمكن أن يساعد في تتبع الاتجاهات.

وقال للحاضرين الذين كان أغلبهم من الشباب إن تويتر وسيلة مباشرة لا حواجز فيها.

ومع ذلك فقد قال هو وساسة آخرون كبار من منطقة الخليج في الندوة إنهم يفضّلون فرض قيودٍ لمنع نشر رسائل مجهولة المصدر ومعاقبة المستخدمين الذين يخالفون المحظورات من خلال انتقاد الدين أو الدعوة لإنهاء الحكم الملكي.

ومن بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يحظون بمتابعة كثيفة بعض رجال الدين، ومنهم أيضاً مَنْ يعتبرون أنفسهم من الليبراليين.

وقد انتقدت جماعات حقوقية السعودية ودولاً أخرى في المنطقة؛ لأنها سجنت بعض أصحاب الأصوات المعارضة على الإنترنت.

وقالت صحيفة "عكاظ" اليومية إن محكمة في الرياض حكمت الاثنين الماضي على رجل بالجلد 80 جلدةً؛ بسبب تغريدات انطوت على إساءة للبلاد، بالإضافة إلى معاقرة الخمر.

ويقول دبلوماسيون في الرياض إنه رغم أن القضاء أصدر أحكاماً قاسية على المعارضين على الإنترنت الذين أثاروا غضب المحافظين في المجتمع، فإن الشرطة تتجاهل في العادة انتقادات لشخصيات رفيعة على وسائل التواصل الاجتماعي تجاوزت كثيراً ما كان مسموحاً به من قبل.

وظهرت السطوة المتزايدة لوسائل التواصل الاجتماعي عام 2012 عندما أقال الملك الراحل عبدالله رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعيّن بدلاً منه رئيساً تقدمياً نسبياً، وذلك بعد أن انتشر مقطع فيديو يبين مضايقة أعضاء من الهيئة لأسرة في أحد المراكز التجارية.

ثقافة الاحترام

في أبريل/نيسان عام 2014 عندما انتشر مرض متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (فيروس كورونا) في جدة اشتعل الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، ما رأي فيه المستخدمون تستراً على المرض، وأقال الملك عبدالله وزير الصحة.

ومنذ تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز السلطة في يناير/كانون الثاني 2015 تزايدت هذه الحساسية فيما يبدو. وأُعفي وزير ثانٍ للصحة من منصبه، وهو أحمد الخطيب الذي اعتُبر على نطاق واسع من رجال الملك بعد أن ظهر في لقطات مصورة بهاتف نقال وهو يصيح في أحد المواطنين السعوديين خلال نقاش حاد.

وبعد أسابيع غيّر الملك سلمان رئيسَ الديوان الملكي بعد أن ظهر على الكاميرا وهو يصفع مصوراً صحفياً كان يغطي وصول العاهل المغربي إلى الرياض.

ومع ذلك تظل ثقافة التعبير العام عن الاحترام للحكومة قائمة. فقد قالت شركة سيميوكاست إن أكثر ردود الفعل للرؤية 2030 على تويتر كان إيجابياً، وإن النقاش ولّد "شعوراً بالفخر"، وتوقعات بتحقيق تقدم.

وقال ضياء مرة، مدير الحسابات في "ذي أونلاين بروجكت"، إنه تم تنسيق النقاش تنسيقاً دقيقاً عبر وسائل مختلفة، وشاركت في دفعه شخصيات سعودية لها ثقل كبير ويتواصل معها الشباب السعودي.

ومن هذه الشخصيات عمر حسين، الممثل الكوميدي الشاب الذي يتمتع بشعبية كبيرة على يوتيوب وله 1.5 مليون متابع على تويتر. وهو يعد في مقطع فيديو بأن يشرح الرؤية في 3 دقائق. وقد شوهد هذا المقطع أكثر من ربع مليون مرة.

وهو يحرص على تفسير الخطة كرؤية ستتبعها خطط ملموسة بدرجة أكبر فيما بعد. ويقول مراقبون إن هذا أمر مهم في توجيه التوقعات فيما يتعلق بالأهداف الطموحة.

وقال المحلل اليحيى إن الرؤية بوضعها الحالي لا تنطوي على نتائج ملموسة تذكر يمكن قياسها لمحاسبة أحد عنها. لكن ستظهر مؤشرات للأداء مع تطوير برامج لتنفيذها وسيحاسب الوزراء على تحقيق الأهداف.