اليمن.. عنف متصاعد تتمدد معه إيران واستدعاء للحالة العراقية

الخميس 08 يناير-كانون الثاني 2015 الساعة 04 مساءً / مأرب برس – رشاد الشرعبي :
عدد القراءات 2866

يتجه المشهد السياسي في اليمن نحو تكرار ذات المشهد لعراق ما بعد 2003م، مع اختلاف في التفاصيل المتعلقة بظروف البلد والمنطقة، ويبدو فيه تدخل إيران وقد تجاوز سيطرتها على وكيلها المحلي المتمثل بجماعة الحوثي، إلى بروز دور لسفارتها بصنعاء ومخابراتها، الى حد ربط البعض بينها والتفجيرات والاختطافات والاغتيالات التي تصاعدت وتيرتها مؤخراً.

في الماضي القريب كان اليمنيون ينظرون باستغراب الى التفجيرات التي تشهدها المدن العراقية والتي تستهدف التجمعات وفي مقدمتها الخاصة بشيعة العراق ومراقدهم المقدسة، والتي يسقط خلالها عشرات وربما مئات القتلى والجرحى، ولا يسلم منها المواطنون السنة الذين توجه لهم الاتهامات عبر وجههم الجهادي تنظيم القاعدة، وبالتزامن مع ذلك كانت عمليات اغتيالات ممنهجة تطال العلماء والخبراء في مختلف المجالات خاصة العسكرية تتم ولم يكشف النقاب حتى الآن عن المتهم فيها، رغم ان المستفيد منها يظهر باستمرار انه إيران.

الأمر في اليمن بدأ في الثانية من خلال عمليات اغتيالات أصابت الجهاز الامني والمخابراتي والعسكري بالصداع على مدى ثلاث سنوات مضت، وظل المتهم الرئيسي فيها ظاهرياً تنظيم القاعدة، في حين ان المستفيد كان إيران وجماعة الحوثي التي تمكنت بسبب ذلك وأسباب أخرى من إرباك الجيش اليمني والسيطرة على غالبية مدن الشمال بما فيها العاصمة صنعاء.

"القاعدة" مبرر

خلال العام الأخير أخذت العمليات التي تحصد كثيراً من الأرواح تبرز من خلال استهداف مواقع عسكرية ونقاط أمنية خاصة في شرق ووسط وجنوب البلاد واتسعت لتتمدد حتى العاصمة صنعاء، وكان الفرع المحلي لتنظيم القاعدة المعروف بجماعة انصار الشريعة جاهزاً في كل مرة لتبني مثل هذه العمليات التي تجاوزت حصد العسكريين الى المدنيين وتوفر المبررات الطائفية للحوثي ليخوض معاركه ضد ذات الجيش في الشمال.

مؤخراً كانت المجازر تحصد طلاب وطالبات المدارس في مدينتي رداع وإب ونقلت وسائل الإعلام والوسائط الاجتماعية صوراً لجثث مكومة أوجعت اليمنيين، ولم يكونوا يتصورون ان تتجاوز العراق الى بلادهم، وفي كل مرة كانت جماعة الحوثي تظهر نفسها كضحية لهذا الإرهاب السني حتى لو كان الضحايا هم من المنتمين للسنة وفق تقسيمات الجغرافيا والتاريخ.

جماعة الحوثي تحكم سيطرتها على مؤسسات الدولة وأجهزتها بما فيها الأمنية والعسكرية بالعاصمة وسلطات غالبية مدن الشمال، الى جانب سطوتها الأهم عبر مليشياتها المسلحة المفروضة خارج إطار مؤسسات الدولة، وتستثمر كل تفجير تبدو مستهدفة فيه ظاهرياً لإقناع الغرب وأمريكا كحليف في مواجهة الإرهاب، مع استغلالها لفرض مزيد من الهيمنة والبطش ضد خصومها السياسيين بما فيهم المنتمين للمذهب الزيدي الذي حكم شمال اليمن ألف عام.

خبرة "مخابرات" ايران

كثيرون يربطون بين تلك العمليات والمخابرات الإيرانية خاصة بعد الكشف عن اختطاف مسئول الأمن الداخلي بجهاز المخابرات (الأمن السياسي) أواخر ديسمبر الماضي، وما تلى تلك العمليات من تبني لها من قبل تنظيم القاعدة وقياداته التي مر بعضها عبر ايران عقب فرارهم من أفغانستان جراء تدخل الولايات المتحدة والغرب فيها، وبعضهم استضافتهم لأكثر من عام والبعض الآخر أودعوا في سجونها كما أعلن حينها.

حوادث كثيرة تبنتها القاعدة وكانت توفر الغطاء الطائفي والمبرر المذهبي لجماعة الحوثي لتخوض حروبها ضد خصومها السياسيين والقوى العسكرية والقبلية التي كانت تساند الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي في مواجهة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وغالبها ينتمي لذات الجغرافيا الزيدية (مذهب شيعي أقرب للسنة) في شمال البلاد، ونشطت المبررات مع إصرار الجماعة على تقديم نفسها بصورة مذهبية فجة وتبعية مذلة لإيران، مع تمددها في مناطق الجغرافيا السنية وفرض معتقداتها فيها.

كان أبرز تلك الحوادث منتصف العام 2014م، حينما ذبح تنظيم القاعدة في حضرموت شرقي البلاد 16 جندياً من محافظة عمران الشمالية مبرراً جريمته بأنهم حوثيين وروافض، فيما كان الجنود ذاتهم مطاردون في مناطقهم من قبل مليشيا الحوثي باعتبارهم تكفيريين ودواعش بسبب ارتباطهم الظاهري وفي المعتقدات بما رسخته الحركة الاسلامية التي صار اسمها عقب وحدة 1990 التجمع اليمني للإصلاح، إلى جانب انهم ضمن شباب ثورة 2011 الذين جندوا لاحقاً.

وحينما كانت المعركة محتدمة بين رجال قبائل رداع بمحافظة البيضاء وهم الغزاة القادمين من شمال البلاد لإحكام سيطرة جماعة الحوثي على المحافظة، برز قائد مذبحة الجنود في حضرموت نفسه (جلال بلعيدي) متحدثاً عن حرب تخوضها القاعدة ضد الحوثيين في رداع، ليعزز ما تطرحه الجماعة بشأن حربها ضد التكفيريين وتنظيم القاعدة تحديداً.

تحركات السفير ووفد الرئيس

على الصعيد السياسي، وفيما كانت أسرة مسئول الامن الداخلي للمخابرات اليمنية (اللواء يحيي المراني) تتهم المخابرات الإيرانية باختطافه مع مليشيات الحوثي، وظهر انه أودع زنزانة في محافظة صعدة معقل زعيم الجماعة، تداولت وسائل الإعلام أخبار تحركات السفير الإيراني بصنعاء في مدينة عدن عاصمة جنوب البلاد بصورة غير مسبوقة، فيما توقفت تحركات سفراء الدول العشر (اعضاء مجلسي الامن والتعاون الخليجي) حتى داخل العاصمة صنعاء منذ سيطرة الحوثيين عليها.

وبالتزامن مع ذلك، أوفد الرئيس هادي وزير خارجيته الى عاصمة عُمان (مسقط)، أفادت المعلومات انها بغرض مطالبة قيادة السلطنة التدخل لدى سلطات إيران لتوجيه زعيم جماعة الحوثي القبول بالدستور الجديد وتنفيذ ما وقعت عليه الجماعة في اتفاقية السلم والشراكة الوطنية عقب سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وأعقب ذلك إرسال هادي لمستشاريه الذين يمثلون أبرز الأطياف السياسية الى زعيم الجماعة في صعدة لذات الغرض.

ومع استمرار جماعة الحوثي في استهداف مناطق المذهب الشافعي (سنة) مثل تعز ومأرب والبيضاء من محافظات الشمال، ومداهمة مراكز السلفيين والاصلاحيين ونهبها واعتقال ناشطيها في مناطق سنية صارت تحت سيطرتهم كمحافظتي إب والحديدة، إضافة إلى تفجير المساجد ودور تحفيظ القران ومنازل الخصوم السياسيين في جغرافيا المذهب الزيدي (شيعي), تجد جماعات العنف السنية كالقاعدة بيئة خصبة لاجتذاب آلاف الشباب اليائس والغاضب إليها.

وتشير الوقائع إلى حالة عنف متصاعدة في اليمن، مع ذوبان الدولة ومؤسساتها وأجهزتها وبروز أكثر للمشهد غير المتوقع الذي تم استدعاؤه من الحالة العراقية، بصورة لم تشهدها البلاد سابقاً، ما يزيد من حالة التشظي ويهدد السلم المجتمعي ويوسع الشروخ العميقة التي تفتك باليمنيين وأحلامهم وتطلعاتهم التي أعلنوها في ثورة شبابهم عام 2011م, وتركزت حول بناء دولة مواطنة تغيب منها أي انتماءات مذهبية وطائفية، وتحكمها المؤسسات والقانون ويكون لقرارها استقلالية عن الخارج سواء كان عربياً أو إيرانياً أو غربياً أو شرقياً.

* موقع مجلة المجتمع الكويتية

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن