سباق السلام والسلاح في اليمن: من ينتصر في نهاية المطاف؟

الأحد 27 مايو 2018 الساعة 04 مساءً / مأرب برس- القدس العربي- محمد الشبيري
عدد القراءات 3321
 


منذ نحو أربعة أعوام، يعيش اليمن، الجمهورية الفقيرة، سباقاً محموماً بين جهود السلام وجنون السلاح، في واحدة من أشرس الحروب في المنطقة، خلفت آثاراً فظيعة على حياة ما يقرب من 30 مليون نسمة في طول اليمن وعرضه.
وعلى الرغم من شراسة الحرب وتدهور الأوضاع في اليمن على الصُعُد كافة، واضمحلال شكل الدولة وانهيار مؤسساتها، إلا أن المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة يبذل جهوداً جبارة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويصرّ على إتاحة الفرصة للحلول السلمية، في حين تلتهم آلة الحرب المزيد من الضحايا كل يوم، وتُغيب سجون ميليشيا الحوثي مئات المواطنين المناهضين لها، قضى بعضهم نحبه تحت التعذيب واستخدم آخرون دروعاً بشرية.
البريطاني مارتن غريفيث، هو ثالث مبعوث أممي إلى اليمن، بعد جمال بن عمر، واسماعيل ولد الشيخ أحمد، والأخيران قادا عدة جولات من المفاوضات في جنيف وبيال السويسرية والكويت، دون أن يصلا، في نهاية المطاف، إلى تقدم يذكر على مسار العملية السياسية، في حين يفرض السلاح وجوده بقوة على الخريطة الميدانية، وإن بوتيرة بطيئة.
وفي الآونة الأخيرة، قلّلت جماعة الحوثي المسلحة من مراهنتها على السلام، وراحت تتحدث عن التعبئة العامة وضرورة رفد الجبهات بالمقاتلين، وظهر زعيمها عبدالملك الحوثي، حاثّاً أنصاره على القتال الذي يعتبره «جهاداً» في مواجهة الحكومة الشرعية والتحالف العربي المساند لها، في حين تتمسك الحكومة اليمنية، والتحالف العربي بقيادة السعودية، بخيار السلام كأساس للحل، وفقاً للمرجعيات الثلاث المتعارف عليها: المبادرة الخليجية، مخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216 القاضي بانسحاب ميليشيا الحوثي من المدن وتسليم السلاح وعودة الحكومة الشرعية.
ونتيجة للأوضاع الإنسانية المتردية، تُمارس الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في العالم ضغوطاً كبيرة ضد الحكومة اليمنية والتحالف العربي من أجل وقف الحرب أو على أقل تقدير، تخفيف حدة المواجهات في بعض مناطق التماس، من أجل وصول المساعدات إلى المتضررين. وفي إحاطته التي قدمها المبعوث الأممي مارتن غريفيث، لأعضاء مجلس الأمن في نيسان/ابريل الفائت أكد أن «الحل السياسي في اليمن متاح بالفعل، لكن التصعيد الأخير يمكن أن يعرقل جهوده في جلب الأطراف إلى الطاولة»، في إشارة منه إلى معارك الساحل التي انطلقت شرارتها بدعم كبير من التحالف العربي بُغية تحرير ميناء الحديدة الاستراتيجي على البحر الأحمر غربي اليمن.
غريفيث يبدو متحمساً كثيراً لجلب الأطراف اليمنية إلى طاولة الحوار، بعد نحو ثلاثة أشهر من تسلّم منصبه، لكن خطته ما تزال مبهمة، لجهة أنه، ربما، يسعى إلى إدخال أطراف يمنية جديدة ضمن وفود المفاوضات، وهذا ربما يواجه برفض من الحكومة الشرعية.
ووفقاً لصحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية الناطقة بالانكليزية، فإن «السلام في اليمن يحتاج لأكثر من طرفين» ولمّحت إلى «المجلس الانتقالي» (هيئة تضم معارضين للشرعية في الجنوب)، ووفد يُمثّل عائلة الرئيس السابق علي عبدالله صالح (شريك الحوثيين وقتيلهم)، لكن هذا ربما يعقّد علاقة الحكومة بالإمارات التي توترت على خلفية تواجد قوات عسكرية تابعة لأبو ظبي في جزيرة سقطرى اليمنية البعيدة عن خريطة الصراع في البلاد.
بالنسبة للحوثيين، فلم يعد السلام يمثّل أولوية بالنسبة لهم، فهم يعتقدون أن حظوظهم في السياسة بدأت في العدّ التنازلي، وأن احتفاظهم بأكبر قدر من مناطق السيطرة في البلاد، إضافة إلى التهديد المستمر للسعودية بواسطة الصواريخ الباليستية، كفيلان برفع أسهم الجماعة في الحل السياسي، وليس عن طريق المفاوضات أو لقاءات المبعوث الأممي.
التحالف العربي بدا عازماً أكثر من ذي قبل لتوجيه ضربات نوعية للرؤوس الكبيرة بالجماعة كما حدث لرئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد، فهو، أي التحالف العربي، أدرك أن استنزاف الجماعة من الأعلى أكثر تأثيراً منه في صفوف المقاتلين العاديين، الذين تعوّضهم الجماعة من خلال التحشيد في مناطق نفوذها تارة، وتارةً أخرى من خلال التجنيد الإجباري للأطفال والشباب.
وختاماً، فإن كفة الرهان ما تزال لصالح لغة السلاح، في حين لا يمكن الحديث عن سلام ما لم يرضخ الحوثيون لشروط المجتمع الدولي ومن بينها تسليم السلاح والانسحاب من المدن التي سيطرت عليها بالقوة، وكذا عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 21أيلول/سبتمبر 2014، أي بمعنى آخر، إلغاء شرعية تواجدها وعودة الحكومة المعترف بها دولياً، وهي شروط تبدو صعبة التنفيذ إلا في حال تلقت الجماعة ضربات قاسية، كاستهداف زعيمها عبدالملك الحوثي، على سبيل المثال.