مقتدى الصدر ..الصحافة الأمريكية تكشف " الأعور الدجال " !

جمال الدرواني

" أخطر رجل في العراق" مانشيت رئيسي حملته أسبوعية نيوزويك الأمريكية في عددها الصادر بتاريخ 5 ديسمبر 2006 والتي رسمت على غلافها صورة لمقتدى الصدر أقرب ما تكون لمصاص الدماء "دراكولا" بملابسه وعمامته السوداء.

المجلة الأسبوعية الأمريكية أفردت ملف العدد للحديث عن الصدر وميلشياته في العراق كاشفة عن الكثير من الحقائق الهامة التي صاحبت نشأة هذه الجماعات وما ارتبط بها من أعمال السلب والنهب في العراق. إضافة إلى رسم بانوراما سياسية لقائد هذه الميلشيات وكيف تدرج في السلم السياسي من مجرد حفيد " محمد صادق الصدر" إلى أن تحول لـ " أخطر رجل في العراق".

الملا أتاري

حتى مجئ الاحتلال الأمريكي لم يكن أحد في العراق يسمع كثيرا عن مقتدى الصدر الذي عرف في الأوساط الشيعية بالملا أتاري " لأنه كان يحب العاب الفيديو في صغره" . بل إن كثيرا من مثقفي العراق كان يعتبرونه " زاتوت" أو فتى جاهلا خاصة وأنه لم يتعد في دراسته الدينية مستوى "طالب بحث خارجي".

غير أن الملا أتاري هذا قدر له بعد ذلك أن يكون "سيف الشيعة" بحسب وصف نيوزويك، الذي سلط سلاحه وميلشياته على أهل السنة في العراق مهاجما 200 مسجد سني على الأقل وقاتلا لنحو 260 إماما ومئات العاملين في المساجد.

لكن ما سر هذه الشعبية التي حظي بها هذا الشاب الجاهل في أوساط الشيعة؟

النيوزيوك حاولت من جهتها وضع إطار عام يمكن من خلاله التعرف على شخصية مقتدى الصدر قائلة "لفهم مقتدى الصدر ينبغي النظر إليه باعتباره رئيس مافيا شاب، ولأنه يسعى لكسب الاحترام فهو مستعد للقتل من أجل تحقيق غايته تلك".

أما عن سر نفوذه في الأوساط الشيعية خاصة بين الشيعة الفقراء فهذا الأمر يرجع إلى أنهم "يعتبرونه حاميهم والقائد الوحيد المستعد للدفاع عنهم بل والثأر لهم".

غير أن المشهد السياسي والديني في العراق لم يكن ممهدا أمام الفتى الشاب بصورة كبيرة، حيث كان عليه مواجهة بعض الزعامات الشيعية التي ظهرت على المسرح مع مجي المحتل الأمريكي وأبرزهم عبد المجيد الخوئي وعلى السيستاني.

وقصة مقتل الخوئي في 10 أبريل 2003 أي بعد سقوط بغداد بيوم واحد ربما تكشف لنا عن جانبا كبيرا من شخصية مقتدى الصدر.

فبحسب رواية النيوزويك فإن عبد المجيد الخوئي أثناء زيارته لما يسمى بقبر الإمام علي رضي الله عنه صباح 10 أبريل 2003 هاجمته مجموعة من الرجال المسلحين الغاضبين بالقنابل اليدوية والأسلحة والسيوف وراحوا يصرخون " عاش مقتدى الصدر" . مضيفة أن الخوئي طعن عدة مرات ثم ربط وجر حيا إلى عتبة باب مقر الصدر في النجف. وقد أظهر تحقيق لاحق أجراه قاض عراقي أن الصدر أمر بتصفيته قائلا: " خذوه واقتلوه بطريقتكم الخاصة".

الطريف في قصة نيوزويك أنها وضعة خلفية لحقيقة الصراع الذي يدور غالبا بين زعماء الشيعة في العراق، وهو ما يتعلق بصناديق النذور التي توجد قرب الأضرحة، حيث انتقد الصدر الخوئي معتبرا إياه عميلا أمريكيا وطالب بأن يسلمه مفاتيح ما يسمى بقبر الإمام على.

صحيفة الزمان العربية التي تصدر من لندن تضع بعدا جديدا لهذا الصراع المالي مشيرة إلى أنه بعد وقت قليل من اغتيال الخوئي قتل مهاجمون ينتمون لميلشيا المهدي "حيدر الرفاعي"، القيم على ما يسمى بقبر الإمام علي. حيث كان الرفاعي يحتفظ، كأسلافه ، بمفتاح الباب السري الذي يخزن خلفه الهبات الذهبية والفضية وغيرها من التحف. وبعد عام من عملية القتل هذه، وبعد أن أحكم أتباع مقتدى سيطرتهم على مزار الإمام علي، اقتحم أشخاص مجهولون المتحف وسرقوا محتوياته!!.

سيطرة مقتدى على صناديق الهبات والنذور في تلك الأماكن المقدسة عند شيعة العراق كان من شأنه إثارة بقية آيات العراق، الذي دفعوا مجموعة من شباب الشيعة تطلق على نفسها " أبناء النجف الشرفاء" إلى إصدار بيان حول جيش المهدي وزعيمه مقتدى الصدر جاء فيها أن جيش المهدي :" يتألف من عناصر مشبوهة لفوا رؤوسهم بخرق بيضاء وسوداء لإيهام الناس على أنهم رجال دين بينما هم في الواقع مجرد شياطين... الإمام المهدي لا يحتاج إلى أي جيش من اللصوص، النهابين، والمنحرفين تحت قيادة أعور الدجال".

الغريب في الأمر أنه وبينما كانت تتحرك القيادات الشيعية الأخرى المناوئة للصدر من أجل تشويه صورته أو كسر عظامه، كان الموقف مختلفا تماما مع قوات الاحتلال الأمريكي التي يفترض أن يمثل الصدر وميلشياته خطرا على مشروعها في العراق .

فرغم ثبوت تهمة القتل العمد بحق مقتدى الصدر التي كان يمكن من خلالها اعتقاله إلا أن مجلة نيوزويك الأمريكية تكشف لنا عن السبب في العدول عن هذا القرار رغم أن أنصاره وقتذاك لم يكونوا ليتعدوا المئات.

حيث أشارت المجلة إلى أن قوات الاحتلال الأمريكي فضلت التفرغ وتوحيد جهودها لمواجه المقاتلين السنة الذي رفضوا الاحتلال الأمريكي من أول يوم، ومن ثم فإن واشنطن وجدت في اعتقال الصدر خطرا يمكن أن يفتح عليها جبهة قتال ثانية.

بل إن واشنطن وجدت أنه من الأفضل استمالة الصدر إلى داخل النظام بدلا من تركه يحاول تدميره، مستعينة برجلها في العراق أحمد الجلبي الذي لم يكن يحظى بشعبية كبيره بين مواطنيه, فراح يبحث عن حلفاء جدد.

الصدر من جانبه استفاد من هذه الفرصة فقد فاز السياسيون التابعون لكتلته بـ 23 من أصل 275 مقعدا في انتخابات يناير 2005 وهو يحظى الآن بـ 30 مقعدا بعد فوزه في انتخابات جرت خلال العام الجاري تحت رعاية قوات الاحتلال الأمريكي.

الأعيب الصدر السياسية لم تتوقف عند التحالف مع الجلبي مع المجاهرة بالعداء لقوات الاحتلال الأمريكي، بل إنه فضل البقاء خارج الحكومة وبعيدا عنها وبهذه الطريقة يمكنه من أتباع إستراتيجية مزدوجة من حيث إعادة بناء الميلشيات التي يقودها فيما هو يستفيد من سيطرته على وزارات أساسية مثل وزارة الصحة والنقل لتقديم خدمات للفقراء ووظائف لأتباعه من الشيعة.

جيش من المافيا

إذا كان الصدر أقرب لرجالات المافيا مستعد للقتل لتحقيق غايته، فإن ميلشيا جيش المهدي هي المافيا بذاتها التي تقوم بجباية الأموال مقابل توفير الحماية الشخصية للمواطنين.

أما عن ظهور هذه الميلشيات فقد نشأت في يوليو من عام 2003 ويقدر عددهم بنحو بضعة آلاف من المقاتلين بدوام كامل يشكلون نواة ميلشيا الصدر قليلة التنظيم إضافة إلى نحو 10 ألاف جاهزين للخدمة عند الحاجة.

أما عن طريقة تمويل هذه الميلشيات فهي إما أن تأتي عن طريقة الابتزاز حيث يتم توفير الحماية مقابل المال وفي هذا السياق تنقل مجلة نيوزويك عن أحد العراقيين الذي رفض الكشف عن اسمه بداعي الخوف أنه يدفع لجيش المهدي 13 دولارا في الشهر مقابل حمايته.

وإضافة إلى الابتزاز لتوفير الأموال، فإن ميلشيات المهدي تسيطر على محطات الوقود في أنحاء كثيرة من بغداد. فضلا عن سيطرتها على تجارة اسطوانات غاز البروبان التي يستعملها العراقيون للطهو. كما أن أحد المصادر الأساسية لجيش المهدي تكمن في الخمس التي تجمع في المساجد.

كما لجأت ميلشيا المهدي أيضا إلى سلاح الأكاذيب لتحقيق شعبيتها في الأوساط الشيعية الفقيرة، فبحسب المجلة الأمريكية فإن قوات الاحتلال حاولت استمالة قلوب وعقول الشيعة حيث أنفقت 120.9 مليون دولار على مشاريع بناء في حي الصدر.

غير أن الفضل والثناء في النهاية كان من نصيب مقتدى الصدر ورجاله الذين كانوا يقومون بإزالة أي دلائل على المشاركة الأمريكية ليعلقوا مكانها لافتات تعزو الفضل كله إلى قائدهم!!.

إيران هي الأخرى كانت حاضرة بقوة في دعم ميلشيا المهدي خاصة بعد الزيارة التي قام بها مقتدى الصدر لطهران إثر تفجير ما يسمى بمرقد الإمامين في سامراء.

ما ذكرته النيوزويك تؤكده صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر بتاريخ 9 أبريل 2004 والتي أشارت إلى أن قوة القدس التابعة لفيلق الحرس الثوري الإيراني أقامت ثلاثة معسكرات تدريب عسكرية في قصر شيرين، عيلام، وحميد، على الجانب الإيراني من الحدود العراقية الإيرانية لتدريب عناصر جيش المهدي.

ونقلت الصحيفة عن مسئول سابق في قوة القدس أنه إلى الدعم المعلوماتي واللوجستي، فإن إيران تقدم شهريا 80 مليون دولار كمساعدة مباشرة إلى حركة مقتدى.

المصدر نفسه كشف عن قيام الاستخبارات الإيرانية بتوجيه الحملات التي يشنها الصدر ضد على السيستاني وعبد العزيز الحكيم وبقية الزعامات الشيعية في العراق التي تتلقى هي الأخرى دعما كبيرا وواسعا من قبل طهران، وهو الأمر الذي ربما يثير العديد من التساؤلات بل والشكوك في تناقض الإستراتيجية الإيرانية في العراق.

غير أن نظرة متأنية تكشف أن الأمر ليس به ثمة تناقض أو تصادم حيث يسعى المخطط الإيراني في النهاية إلى تطبيق نموذج ولاية الفقيه في بغداد وهو الأمر الذي ترفضه العديد من الزعامات الشيعية في العراق خاصة السيستاني، ومن ثم فإن طهران تلعب بورقة الصدر لتحجيم السيستاني إذا تطلب الأمر ذلك، كما أنها تلعب أيضا بورقة السيستاني إذا ما تجاوز الصدر الخط المسموح به، الأمر الذي يكشف في النهاية أن الصدر وجيش المهدي ليسوا هم فقط عصابات من المافيا على الطريقة الإيطالية، بل إن الأمر يتجاوز ذلك ليشمل كل آيات العراق.

* مفكرة الإسلام



في الإثنين 11 ديسمبر-كانون الأول 2006 10:32:10 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=828