الأطفال.. ماذا يعنون لنا؟
نشوان محمد العثماني
نشوان محمد العثماني

تجري الأحداث على وتيرة سريعة في خضم هموم ما لها من آخر, وسط تشابك كثير من التداخلات في عالم اليوم.. وحيث تفرض بعض المعطيات نفسها كلاعب أساسي, تحل معطيات أخرى قد لا تقل أهمية, بل في أحيان كثيرة تتصف بالأهمية الكبيرة, كخط احتياط, أو كلاعب يشار إليه في الهامش.

ثمة ما يدور في خلدي, ويختلجني كل يوم أمر شارعا, أو طريقا, أو آكل في مطعم, أو حتى أتصفح في مقهى, ذلك لأن من أجده في الشارع طفل لم يتعد سن المراهقة, جعله زمن ما, يتشح بمقدار الكبار ليجد لقدمه متسعا, ولإيماءة يده معنى.. ولأن من يقدم لي الطعام أيضا, في مطعم ما, حدث لعبت صروف الواقع حتى جعلته ينظر لنفسه نظرة تبحث عن أمد, وأحلام, وفي ذاته نظرة ترتد في انكسار يحاول المظهر طمسها متأففا من الحقيقة, ولأن من يأتي, وأنا منهمك بتصفح آخر أخبار سياستنا وسياسيينا وأمور البلد السياسية, والجوار المحيط, والعالم, ويمد لي بقصاصة كُتبت عليها كلمات استجداء العطف, واستلطاف الضمير هو يافعٌ يراقب ما بقي من جسمه النحيل.. ولأنه كل هذا, فثمة معادلة صيغت على نحو أهمل بعض المعطيات, وتجاوز بعض العناصر, وأغفل مرتكزات أساسية ما كان من المفترض أن تهمل, لتكون عليها النتيجة مساوية للمنطق, وعادلة للقيم المكونة.. إلا أن هذه الصيغة استمرأت بعضا من أبعاد السطحية حتى سطّحت الأبعاد على شاكلة لم يستطع حال التاريخ المتجدد التعامل معها دون إشكال.

إذن ماذا تعني عمالة الأطفال وانتهاك حقوقهم في بلد كاليمن؟

لما كانت السياسة وما زالت ذات أولوية في سلم هرم الاهتمام لدى العقلية المسئولة, وحتى التفكير المثقف, كان لسؤال كهذا أن يعاني أزمة إيجاد الهوية, واستكثار المحيط مجرد الالتفات.

في اليمن, على الأقل,, لم أسمع عن برامج لدى الأحزاب السياسية تلتفت باهتمام لهذه الشريحة والفئة الأكثر معاناة؛ لأن أطفالها بعيدون عن هامش المأساة التي يتجرعها أطفال الطبقات الدنيا.

في اليمن لم أسمع ضجة لصالح الأطفال وقضاياهم غير المخفية, ومراراتهم الأعظم إيلاما, إلا حين قُدم قانون يمنع تزويج الصغيرات عند أقل من «17» سنة, وحينها قامت الدنيا ولم تقعد, وليتها قامت لأمر يليق, ويشعرنا بالأمل في أن لدينا دعائم تأبى أن يسقط البنيان على ساكنيه.. كان قيامها ضد الانتصار, ولو لمرة واحدة, لأطفال ما زالوا يبحثون عن نصير, ولم يستطيعوا أن يعبروا عن أوجاعهم بكلمة استهجان, أو ببيان شديد اللهجة, أو باعتصام تدعو له مكوناتهم.

في اليمن أطفال على حدودها الدولية, استدعى آخذوهم إحدى رذائل البشرية؛ ليعيدوا إحياء التاريخ عبر تجارة الرقيق, أمام مرأى ومسمع, ووسط بيئة تستهجن ذلك عاداتها وتقاليدها وأعرافها, ودينها الذي أتى ليتمم «مكارم الأخلاق».. كان الصمت خيبة أمل, وكانت اللامبالاة مصيبة أخرى تنخر مبادئ الإنسانية.

في اليمن.. في ريفه المشكِّل للأكثرية الديموجرافية.. صبايا تركن اللعب ليجلبن الماء على رؤوسهن وظهور الحمير.. وأطفال نسوا معنى الطفولة, ليجدوا من الصخر مهنة تفتيت الحجر, ومن الجبال والصحراء منفذا لإطلاق عنان التنفس بدلا عن مسميات الحدائق والمتنفسات.

في هذا الريف أيضا صبية بريئة تحس بأحشائها حركة مميتة لإكمال براءة الصبا, وطفل يستشعر مسئولية الأبوة. أما في المدينة فوصل الأمر إلى أن أطفالا يخطفون, ويجري استغلالهم إما جنسيا, أو بالاستفادة من بعض أعضائهم بعد إخضاعهم لعمليات جراحية, وقد لا أملك إحصائيات دقيقة حول هذا الموضوع, لكنما تراءى لي وتأكد منتصف العام 2009م, وفي مدينة مثل عدن بل وفي مديرية مثل مديرية التواهي, جعلني أجزم أن ثمة كما كبيرا من هذه الأحداث يتم في خفية من الأمر أو علنا, إنْ بالريف أو بالمدينة, وما أذهلني حقا, واعتراني معه فزع شديد, أن جرائم كهذه تتم في ظل صمت رسمي, وآخر مدني, وثالث شعبي, وسط ما تناقلته بعض الحكايات من أن الأهالي أحيانا يفضلون الصمت عن التحدث عن حالة اختطاف, وخصوصا حين يتعلق الأمر بالإناث, فالتحدث هنا جريمة تعشعش في الوسط الاجتماعي الذي يبدو من ناحية أنه عاد للارتكاس في أحضان عادات بلهاء, في مدينة كعدن, والذي يبدو من ناحية ثانية مراوحا مكانه في المجتمعات الريفية أو بعض مدن ما كان يسمى بالشمال اليمني.. وهنا خطورة لا يستطيع أن يتصورها عقل, أو يتقبلها منطق, في أن يصبح المكون الثقافي مساعدا لشيوع ظاهرة كالاختطاف.. فماذا يعني الأمر هنا؟

هل هناك منظمة حزبية, أو جهة رسمية, أو قضائية وقفت في صف الأطفال؟ وهو صف لا يوجد فيه إلا البراءة موءودة, لم تجد لها منقذا حتى تقاذفتها رياح التغيير غير الحميد, لتصبح الطفولة بين اثنين لا ثالث لهما.. إما الدمار, أو الانحدار.. فهل يذهب الأطفال للمصيرين ونحن ننظر؟

وأسفي شديد أن تكون الإجابة لابسة رداء الخجل, ووشاح التخفي..

إنه من أجل الكفاح من أجل قضايا الأطفال بوجه خاص, في إطار الكفاح من أجل القضايا المجتمعية بوجه أعم, تحتم علينا واجبات, وتفرض وقفة جادة مع ضمير النفس الإنسانية والذات أولا, ومع الشعور بالمسئولية ثانيا, من أجل بناء النشء, والحفاظ على الأجيال..

ومن هذه الناحية فإن أكبر نصير للأطفال وقضاياهم ومعاناتهم, أو من المفروض أن يكون كذلك, هي وسائل الإعلام, بكل أنواعها, التي ستمثل جسر التواصل, وخط العبور بين الغريق وبر النجاة..

nashwanalothmani@hotmail.com

*نقلا عن صحيفة "14 أكتوبر".


في الإثنين 06 سبتمبر-أيلول 2010 12:06:31 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=7861