إسرائيل... الطريق إلى الهاوية
احمد منصور
احمد منصور

هناك علامات فارقة في تاريخ الأمم، تبدأ معها عمليات الصعود أو السقوط، وكما كان الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001 علامة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حيث بدأت معها طريقها نحو الهاوية عبر التورط في حرب أفغانستان والعراق الإنفاق العسكري الهائل، ثم الأزمة الاقتصادية العالمية وغيرها من التوابع الأخري، فإن حرب يوليو من العام 2006 بين إسرائيل وحزب الله في لبنان كانت علامة فارقة في تاريخ الدولة اليهودية التي قامت علي الاغتصاب والعدوان الدائم علي حقوق الفلسطينيين والعرب، ففشل إسرائيل في تحقيق أهدافها من وراء هذه الحرب وبقاء ثلث سكانها في الملاجئ لأيام عديدة أفشل المخطط الإسرائيلي وكشف عدم وجود عمق استراتيجي لدي إسرائيل أو قدرة علي حماية سكانها أو مقدرة علي تحمل حرب طويلة، كما أثبتت أن الدولة التي تمتلك الأسلحة النووية ليست بالضرروة أن تكون الأقوي أو الأقدر علي تحقيق ما تريد من انتصارات في الحروب التي تشنها.

و قد حاولت إسرائيل أن تحقق أي نجاح عسكري يقيل عثرتها ومكانتها التي تدهورت عالميا فبحثت عن ركن تصورت أنه ضعيف هو الفلسطينيون المحاصرون في قطاع غزة فشنت عليهم حربا في ديسمبر 2008 ويناير 2009 أعتقدت أنها سوف تجني ثمار نصرها خلال ساعات أو أيام لكن النتائج بعد أكثر من ثلاثة أسابيع جاءت لتثبت أن الدولة اليهودية أضعف بكثير مما تصور نفسها، حيث عجزت بكل ما تملك عن تحقيق أي من أهدافها في حربها علي غزة، ثم جاء تقرير جولدستون ليضع إسرائيل في حرج دولي بالغ وغير مسبوق مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ثم قام رئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان بمواجهة شيمون بيريز بل صفعه صفعة سياسية قوية في منتدي دافوس الاقتصادي العالمي أمام سمع الدنيا وبصرها، وقد أظهرت هذه الصفعة عدوًا جديدًا لإسرائيل لم يكن بحسبانها علي الإطلاق هو تركيا التي تميزت بعلاقات خاصة واسعة وعميقة ومميزة مع الدولة اليهودية منذ قيامها، شملت تعاونًا عسكريًا واقتصاديًا واسعًا، فإذا بصفعة أردوغان لبيريز تهز الكيان الإسرائيلي كله وتفقد إسرائيل توازنها وكأنها أخذت علي حين غرة في معركة غير متوقعة، حيث تغيرت معادلات وموازين وعلاقات إسرائيل بتركيا بل ودول المنطقة، و بدأت خسائر إسرائيل تتوالي مع جلب التعاطف الدولي لسكان غزة وزيادة الانتقادات لإسرائيل، ومثلت قوافل سفن الحرية الثماني والتي توجت بالقافلة التركية ذروة الإحراج الدولي لإسرائيل، ثم جاء خطأ إسرائيل الأكبر حينما هاجمت السفينة مرمرة في المياه الدولية وقتلت تسعة من الناشطين الأتراك، لتكتسب بذلك عداوة الشعب التركي كله، فالشعب التركي لديه عصبية كبيرة وعداوة لكل من ينال من تركيا أو أي من أهلها، وهذه هي المرة الأولى منذ قيام إسرائيل التي تسيل فيها دماء تركية من أجل فلسطين بهذا الشكل وهذه الطريقة التي أحيت في نفوس الأتراك مسئوليتهم التاريخية تجاه فلسطين والتي حاول السلطان عبدالحميد أن يحول بين اليهود وبين سيطرتهم علي فلسطين ودفع ثمنا باهظا مقابل ذلك، لقد أحيت إسرائيل بتصرفها الإجرامي الأرعن كل مشاعر الأتراك المحبة تجاه فلسطين وكل مشاعر العداء المدفونة تجاه إسرائيل، وكما هدد أكثر من مسئول تركي وعلي رأسهم الرئيس عبدالله جل فإن إسرائيل سوف تدفع ثمنا لفعلتها أكبر بكثير مما يمكن أن يتوقع زعماؤها، وكما قال رئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان إن تركيا قوية في عداوتها كما هي قوية في صداقتها وأعلن أردوغان أن الأتراك لن يتخلوا عن غزة ولن يتخلوا عن القدس، أما نائب رئيس الوزراء بولنت أرينج فقد أعلن أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل قد تنخفض إلي أدني معدلاتها، وهذه العبارات تحمل تهديدا لإسرائيل لم يستوعبه حتي الآن قادتها الذين يتحركون بعمي يتغافلون فيه التغيرات الدولية الكبيرة التي بدأت تواجههم والخسائر الفادحة التي سوف تلحق بهم جراء خسارتهم لتركيا وعلاقتها المميزة بهم.

أما علي الصعيد الدولي فقد خسرت إسرائيل كثيرًا علي جميع المستويات خلال الفترة الماضية ففي بريطانيا أعلنت عدة جامعات بريطانية أنها سوف تقاطع الجامعات الإسرائيلية أكاديميًا وقد فعلت، كما أعلنت رابطة عمال السفن في النرويج أنهم لن يخدموا أي سفن إسرائيلية ترسو في موانئهم، كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة بفك الحصار عن غزة، وأصدرت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قرارا لم تصدره من قبل تحت الضغط الدولي أدانت فيه إسرائيل واعتبرت حصارها لغزة غير قانوني، كذلك فإن عشرات الكتاب الذين لم يكونوا يجرؤون علي انتقاد إسرائيل من قبل أصبحوا ينتقدوها الآن وبشدة في الصحافة العالمية بل صدرت دراسات وكتابات كانت تعتبر محرمة قبل سنوات تتناول التعصب الأمريكي والأوروبي الأعمي لإسرائيل بعضها صدر عن جامعات وأساتذة جامعات مرموقين لهم مكانتهم العالمية مما يعني سقوط جدار الخوف الذي كان يمنع الكثيرين من انتقاد إسرائيل من قبل، عشرات المظاهرات تجوب عواصم العالم وعلي رأسها واشنطن ولندن وباريس شارك فيها متضامنون من كل الملل والنحل كلهم يطالبون بالحرية لغزة وينتقدون إسرائيل.

إن ما تعيشه إسرائيل اليوم ليس سوي خطوات في طريق سقوطها الذي قد يطول أو يقصر حسب المعطيات الداخلية والخارجية والدولية والأهم منها العربية، فإسرائيل لم تقم من البداية ولم تستأسد إلا بسبب الضعف والخيانة في صفوف الحكام العرب الذين يقوم بعضهم الآن بخدمة ِإسرائيل وأهدافها بشكل مباشر ويشارك في جميع مخططاتها بما فيها حصار الفلسطينيين في غزة، ومن ثم فإن تغير الموقف الرسمي والشعبي العربي سوف يلعب دورا رئيسيًا في مستقبل إسرائيل ومشاريعها في الفترة المقبلة، فعوامل السقوط وأسبابه ومعطياته بدأت إسرائيل تعيشها منذ سنوات وهي تتفاقم وتزداد يومًا بعد يوم لكنها لن تؤتي ثمارها إلا إذا وجد من يعمل علي إنضاجها ثم يجني ثمارها ومن ثم فقد تطول الأمور سنوات وربما عقودًا وربما يكون قريبًا.

 
في الجمعة 02 يوليو-تموز 2010 05:39:59 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=7453