الإساءات الشخصية، والعبث المالي .. أخطاء صنعاء ومعارضة الخارج

* نبيل الصوفي

حين سألتها الشهر الماضي كيف هي اليمن في ذاكرتها، قالت السفيرة البريطانية السابقة في صنعاء فرانسيس جاي أن اليمن جميلة من الخارج (أو أنها قالت من بعيد).لأن الفكرة يمكن شرحها بمثلها أتذكر هنا باحث بريطاني أيضا وهو يعلن إعجابه بالمجتمع اليمني البسيط "من بعيد"، وانزعاجه من المجتمع السياسي المعقد حين حاول فهمه عن قرب.المعنى انه لم يفهم أبدا كيف أن هذا في حزب البعث، ولكنه بعثي في المؤتمر، أو بعثي ضد بعثي آخر، وهذا بعث سوري وهذا عراقي، ثم هذا بعث عراقي لكنه صار ضد العراق ومع سوريا وبذات المنطلقات النظرية.الأمر ذاته بالنسبة للقوميين، والإسلاميين.إن الخارطة السياسية في اليمن معقدة –والتوصيف إلى هنا للأستاذ علي سيف حسن- بحيث تعجز مناهج التحليل العلمي على توصيف ملامح تسهل على الدارس فهمها. فلاهي متطابقة مع الخارطة الاجتماعية ولا هي مناقضة لها.المهم، تذكرت تقييم جاي وأنا أتأمل هذا الأسبوع صورة جوية لصنعاء.إنها كلما ابتعد تفاصيل حالها بدت رائعة، أنيقة، نظيفة، وفي حالة أقرب قليلا متحف مقصود الحفاظ على معالمه.غير انه وكلما اقتربت للرائي معالمها، وكلما كنت أيضا أقرب من التفاصيل اليومية لحياتها وجدت صنعاء –وهي اليمن مختصرة- وجع يومي للقلب.ليس الأمر قدرا ولا طبيعة، بل لأسباب هي ذاتها التي جعلت الأستاذ عبدالله البردوني رحمه الله، يقرر –ذات يوم ومن لحظة حزينة وليست شامتة ولا شاتمة- بأن صنعاء "عاشقاها السل والجرب". * ومن الخارج.. سوء أيضاغير أن تتبعا ولو بسيطا للصورة القادمة من الخارج عن اليمن حاليا يكشف أن اليمن لم تعد خارجيا بتلك الصورة الجميلة.إن تقارير المؤسسات المختلفة عن اليمن والتي لايمكن القول أنها على خصومة مع المؤتمر الشعبي العام تثير حيرة لايبدو أن من الممكن الهرب من قتامتها إلا بالالتحاق بالمؤتمر الشعبي العام وتحديدا بالصف القيادي.وبذات الصورة التي تتحدث عنها المؤسسات الدولية، وللمرة الأولى منذ تولى الرئيس علي عبدلله صالح إدارة اليمن يتكاثر معسكر التذمر بين اليمنيين بمختلف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية والفكرية.وبمتابعة بسيطة للتجمعات اليمنية في الخارج يمكن أن نلمح هذا التكاثر في مختلف العواصم التي تجمع يمنيين معنيين بهذا القدر أو ذاك بالشأن المحلي.ومن هنا فيمكن القول أن الصورة الخارجية لليمن تبدو مهددة، ومن يمنيين كان الرئيس صالح يعتقد ذات يوم أنهم بخروجهم خارج اليمن سيضيعون في زحمة الإهتمامات، وتغطي عليهم الصورة الجميلة لليمن في الخارج.لقد قدر لي خلال الأسبوعيين الماضيين أن أتواصل مع سياسيين يمنيين يتوزعون مابين القاهرة، ودبي، ودمشق، وجدة.وبالإضافة إلى اهتمامي بالتواصل مع اليمنيين في الخارج، وبخاصة منذ قرار العفو الرئاسي على من كانوا محكومين ضمن قائمة الـ16 منذ انتهاء حرب الوحدة والانفصال، وذلك بحكم عملي كمحرر إخباري على شبكة الإنترنت، وهي شبكة عنكبوتية لديها قوانين مختلفة عن قوانين الجغرافيا والتاريخ. إذ لا تعترف بالأولى، وتسابق الثانية.علما أن هذا العمل أتاح لي تواصل عريض مع يمنيين من طوكيو وموسكو إلى واشنطن، وقليل مما بينها، وبخاصة في الدول الأوروبية ذات التجمعات السياسية اليمنية.كل هذا –وبخاصة لقائي الأسبوعين الماضيين مع بعضهم- أشعرني بأن اليمن خارجيا صارت بحاجة لتعديل مزاج السلطة في الداخل التي صارت –إما من فرغتها بسبب الإطمئنان من عجز المعارضة في الداخل، أو بسبب تضخم التحديات حد الشعور بأن القفز إلى أزمات هي الحل-.إن ثمة حركة نشطة حول اليمن وبخاصة حول القرار السياسي الاعلى فيها-.أطراف هذه الحركة يمنيون إما أن لديهم ثارات مع السلطة في الداخل –أتحدث عن الثارات السياسية التي تجسد معنى أن الايام دولا بين الناس وليس الثارات ذات الطابع الإجتماعي.وبعضهم كانوا مناصرين حتى بدأت حمى التخبط والإقصاء تطالهم.أو بعض من يستشعرون اختناق الداخل بين سلطة لاتكف عن الادعاءات، رغم أنها محاصرة باتساع رقعة الرفض السياسي لها. ومعارضة تجرد يوما بعد يوم وسائل العمل السياسي. * نماذج من صناعة الخصوماتاتصل مسئول كبير في صنعاء بمنزل شخصية سياسية كبيرة، توفر لها وعليها ظروف اقتضت أن تعيش في بلد عربي مجاور. الاتصال تحول إلى محفز لهذه الشخصية التي كانت أقرب للسكون والدعة.وتقول تفاصيل هذا الاتصال أن كبير صنعاء حينما لم يجد من اتصل له قال لأحد أبنائه أن أباه الذي كان حينها في لندن صار عضوا في حركة معارضة للبلد التي يقيم فيها، وانه يستغل وجوده في لندن للتنسيق مع قيادي معارض لذلك البلد.السياسيون اللذين ينحنون لعواصف الأيام، فتتحول الانحناءات إلى مخاوف من جهة، ومن جهة شعور بالغبن، وخوف من تكرر الحوادث، هؤلاء يعتبرون مثل هذه الاتصالات، تحايا يجب ردها بأحسن منها أو بمثلها على الأقل. فكان ان حصلت المعارضة على صوت لطالما ابتعد عن العمل السياسي الذي له باع طويل منذ زمن مبكر فيه.شخصية أخرى تضافرت الأحداث لتستبقيها في عاصمة عربية، اقرب للرئيس منها الى خصومه.غير أنه ومقابل تعيين أبناء الحكام في كل موقع ومكان، أراد الآباء الحاكمون أن يكون الإصلاح في اليمن من حصة من لم يبق لهم إلا مصالح واهية كإبن ضمن طاقم سفارة، أو شيئ أقل.ومع تعرض هذه الشخصية لشيئ من ذلك، زيد أن كتبت المقالات المسفة ضده من صنعاء وفي عدن، وبذات الطريقة التي كتبت الأسبوع الماضي عن "حي الزعفران، وعرجاء ذبحان، ويقين المشنة".ليسمح لي القارئ‘ فنحن تحت رحمة حشوش المساء.المهم أن المكتوب ضده اعتبر التحية أيضا واجبة الرد. وتذكروا صاحب النفق المظلم الذي انحصرت قدرة المسيئين له بنزع لفظة "إبن" الساكن من عشرات السنين بين اسمه واسم أبيه. ليست القضية في اللفظة بل في المنهج الذي يفسد الخلاف السياسي، ولا يكون بعد ذلك إمكان للحديث عن علاقات طبيعية.هل تتذكرون الشتائم التي وجهت للقيادي الإصلاحي محمد قحطان، لقد كانت مثلها من أسباب لجوء السفير اليمني السابق في دمشق أحمد الحسني إلى لندن.الأمر ذاته عن مقيل صغير في صنعاء، يتحول إلى شغل شاغل لأناس يملكون أرض وسماء اليمن. وكأنهم يبحثون عن طرق لمراكمة التجمعات التي تجوب الخارج، أو تشغل الانترنت في جهود إن لم تصب فإنها بالتأكيد تدوش –كما يقال.ويضاف للأمر كله أخطاء في إدارة العلاقات الاقتصادية، وإذا كان ملاك شركة هنت مثلا لانشغالهم في قرابة 70 بلدا سيكتفون بالملاحقة القضائية طويلة الأمد، فإن يمنيين آخرين يشعرون أنهم ظلموا لايكتفون بالقضاء، بل إنهم يبحثون عن طرق إضافية تساعدهم على استرداد ما يرونه حقا، أو حتى الباطل طالما أنهم سلبوه لصالح باطل حاكم.عشرات من القصص، التي يرهقك الاستماع لها وأنت خارج بلدك التي تتمناها ذات اليوم وقد غادرت ثقافة الأزمة الحل – حد تشخيص الأستاذ عبده سالم.وبسهولة تشعر أن ثمة دخان كثيف تنفخ أوله السلطة غير الرشيدة في صنعاء، فيتمدد خارج البلاد دون أن يعدم معطيات للتمدد والتوسع.وتستوي هذه المعطيات حين تكون مآسي على قدر الاستخفاف بمأساة كالتي لاتزال تعيشها محافظة صعدة، والتي فشلت نصائح منظمات دولية صديقة لليمن من إقناع السلطات أن بقائها مفتوحة واستمرار مضاعفاتها، قد يسهل تحولها إلى ذات الوضع الذي تعيشه دار فور في السودان. بمجرد أن تحتاج ذلك أطراف دولية.كما تستوي أيضا حين ترى الدول التي نصم آذانها ليل نهار بالاحتياجات، أفعال تؤكد أن إدارتنا السياسية لما ترشد بعد.وأن ثمة عبث مالي بأضعاف ماتحصل عليه اليمن من معونات، وعلى أيدي أبناء لكبار كانوا قبل اقل من عقدين من الزمن مثل أبسطنا، غير أنهم اليوم ينافسون أرباب المال والأعمال في مختلف عواصم التجارة.ثمة مسئول يمني اشترى ودفعة واحدة، سيارات بقرابة المليوني دولار، ومقابل تحمل الدولة نفقات علاج شخص من المقربين للحكم بقرابة المليون دولار في مستشفى فندقي في عاصمة عربية، فإن يمنيين لايجدون قيمة المضاد الحيوي في صنعاء -على فكرة مستشفى الثورة برمته لايعطي المريض هذا الدواء مجانا.وفي قلب عاصمة عربية تثير لديك (فلة) الاستغراب انها مزينة بالقمريات الصنعانية وهي في مدينة لاتعرف هذا اللون من كماليات النوافذ. ثم يثار السؤال (لكن كيف نقلت القمريات) لتعرف أن المسالة حكم يرتب لمستقبله، فيما نحن أبناء الشعب فاقدين لمقومات حياة الحاضر.المهم أن هذه جميعا صارت هل التي تتجمع أمام الصورة عن اليمن في الخارج، ومن الخطا الإستخفاف بتاثيرها.لقد سمعت ذات يوم الرئيس علي عبدالله صالح وهو يسخر متأملا تصرف ما لرئيس ما من رؤساء اليمن.وأود اليوم أن يمنع نفسه عن المنتفعين من الأوضاع الراهنة، ويتذكر كيف أن هذه الأحوال من ذلك الرئيس هي التي دفعت البلدان ثمنها غاليا.أظنه لو فعل لكان علينا أن نستبشر بتجاوز الأزمة التي وحدها تصبح في بلادنا هي الحل الذي يفر اليه الجميع.Nbil21972@hotmail.com


في الأحد 25 ديسمبر-كانون الأول 2005 10:23:08 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=50