قراءة في كتاب:آل البيت.. إشكالية المصطلح وأباطيل الاستغلال
جريدة مأرب برس
جريدة مأرب برس

صدر كتاب للباحث الأستاذ/ أمين نعمان الصلاحي، تحت عنوان: آل البيت.. إشكالية المصطلح وأباطيل الاستغلال.
الكتاب الذي يقع في 121 صفحة يعد إضافة متميزة وجديرة بالقراءة المتأنية، وقد قسمه الباحث إلى مقدمة وخمسة مباحث وخاتمة، وجاءت مباحثه الخمسة تحمل العناوين التالية:
المبحث الأول: آل البيت .. إشكالية النص أم مشكلة الهوى؟!
المبحث الثاني: الأحكام الشرعية المتعلقة بآل البيت.. رؤية مقاصدية
المبحث الثالث: التوظيف العنصري لمصطلح آل الجاهلية ترتدي عباءة الإسلام
المبحث الرابع: التوظيف السياسي لمصطلح آل البيت.. الدين مطية لمطامع الدنيا
المبحث الخامس: التوظيف المذهبي لمصطلح آل البيت.. المغالطة بلا حدود!
وفيما يلي سوف نعرض لأهم ما جاء فيه، ولتكن بدايتنا من المقدمة حيث يقول الكاتب:
إن المتأمل في الأبحاث والدراسات التي كتبت عن (آل البيت) سيجد أنها لا تخرج ـ في الغالب الأعم ـ عن نوعين:
ــ النوع الأول: دراسات وأبحاث وكتابات تنطلق من رؤية مذهبية وعنصرية مغالية، وتعتمد على التأويل المتعسف للنصوص الصحيحة، وعلى الروايات الباطلة، والأحاديث المكذوبة، والقصص الموضوعة. والمتأمل في هذا النوع من الكتابات يجد أنها تختزل الدين كله في أشخاص بعينهم، وتقوم بتوظيف مصطلح (آل البيت) توظيفاً عنصرياً، وسياسياً، ومذهبياً، يجافي الحقيقة، ويتنافى مع مبادئ الإسلام، ويتناقض مع روح الشريعة، ويسيء إلى (أهل البيت).
وهذا هو حال أغلب الكتابات الشيعية عن (آل البيت)، إن لم نقل إنها كلها كذلك.
ــ النوع الثاني: دراسات وأبحاث واقعة تحت تأثير الإرهاب الفكري الذي يجرّم كل من يقترب بموضوعية وعقلانية من موضوع (آل البيت)، وهذا النوع من الدراسات ينطلق من منطلق دفاعي غايته: التأكيد على محبة آل البيت، وعلى علو مكانتهم، وعلى أن أهل السنة والجماعة هم الذين يتولون الآل ويحبونهم على الحقيقة، وليس غيرهم.
وهذا النوع من الطرح وإن كان هدفه قطع الطريق على المزايدين في محبة (الآل) من الشيعة، ومن نحا نحوهم من أهل الغلو والابتداع، إلا أن نقطة ضعفه أنه يجبن عن مواجهة أنواع التوظيف العنصري والسياسي والمذهبي لمصطلح الآل، ربما فراراً من تهمة النصب..!
وهذا هو حال أغلب الدراسات والأبحاث السنية عن آل البيت مع الأسف الشديد.
آل البيت.. إشكالية النص أم مشكلة الهـوى؟!
تحت هذا العنوان جاء المبحث الأول، وفيه ينبه الباحث إلى أن الخلاف في تحديد من هم (آل البيت) قد ارتبط بالتوظيف العنصري والسياسي والمذهبي لمصطلح الآل، فالشيعة الإمامية الإثنا عشرية ـ مثلاً ـ يصرون على حصر مفهوم (الآل) في ولد فاطمة ـ رضي الله عنها ـ وعلى وجه الخصوص في ذرية الحسين بن علي ـ رضي الله عنهم ـ، وهذا الحصر له أسبابه ودوافعه المرتبطة بالتوظيف العنصري والسياسي والمذهبي لمصطلح الآل لديهم، ولذلك هم يرفضون دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبني العباس في الآل؛ لأن دخولهم في الآل سيحرم الشيعة الإمامية من فوائد التوظيف الحصرية ـ التي يتوهمونها - عنصرياً وسياسياً ومذهبياً لمصطلح الآل، وسوف يعود عليهم بالنقض في أصول مذهبهم.
والباحث يرى أن أكثر الخلاف في تحديد من هم آل البيت؟ لم يكن بسبب غموض النصوص الشرعية المتعلقة بالآل، أو عدم وضوح دلالتها، بل كان بسبب الهوى والعصبية المذهبية.
التعريف لأهل البيت والآل والعترة لغة:
وفي تعريفه لأهل البيت والآل والعترة بيّن الباحث أنه قد ثبت في النصوص الشرعية ثلاثة ألفاظ متقاربة في المعنى، وهي: (أهل البيت)، و(آل محمد)، و(عترتي)، وبعد أن استعرض الباحث النصوص الشرعية الواردة فيها ومعانيها اللغوية من أمهات كتب اللغة خلص إلى القول: إن تلك الألفاظ الثلاثة تدل بمجموعها على: أسرة الرجل، وعشيرته الأقربين، وأتباعه، وتلك هي خلاصة دلالتها الُّلغوية.
* من هم آل البيت؟
يقول الباحث: إن النظر في مجموع الأدلة الشرعية الصحيحة الواردة في (آل البيت) يدل على أن المراد بآل النبي صلى الله عليه وسلم: أزواجه وذريته وأعمامه وبني عمومته وأتباعه على دينه. وهذه الدلالة الشرعية تتوافق مع الدلالة اللغوية التي سبق ذكرها.
وقد ساق الباحث الأدلة الشرعية الدالة على شمول آل النبي لمن سبق ذكرهم، ثم ناقش أدلة الشيعة على حصر الآل في علي وفاطمة والحسن والحسين وذرية الحسنين، وجاء النقاش تحت عنوان: نقض دعوى حصر الآل في علي وفاطمة والحسن والحسين وذرية الحسنين، ومن الأدلة التي ناقشها رواية ودراية: حديث العترة، وحديث الكساء، وحديث المباهلة.
ثم خلص إلى القول: إن دعوى حصر الآل في علي وفاطمة والحسن والحسين وذرية الحسنين، هي دعوى لا دليل عليها من الكتاب أو السنة، بل هي تخالف النصوص الشرعية الثابتة، ولها ـ مع ذلك ـ لوازم باطلة، وقد تقرر في علم الأصول أن إعمال الدليل أولى من إهماله، وأن الجمع بين الأدلة أولى من الترجيح، وما دام أن إعمال جميع الأدلة الواردة في الآل ممكن، فلِمَ العدول عن ذلك؟! ولم يصر البعض على أخذ بعض الأدلة وتجاهل بعضها الآخر؟!..
والباحث يرى أن مصطلح (الآل) يطلق باعتبارين:
ـ الاعتبار الأول: وهو الاعتبار النسبي؛ لما ثبت وتقرر في اللغة والعرف من أن آل الرجل هم أسرته وقرابته، وبسبب هذا الاعتبار كان تحريم زكاة الفرض على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وبني هاشم، دفعاً للشبهة عن مقام الرسالة المحمدية، وحتى لا يتوهم متوهم، أو يدعي مغرض أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان غرضه من دعوى الرسالة جلب المنافع الدنيوية لأسرته وعشيرته.
ودخول أسرة النبي وقرابته في الآل بهذا الاعتبار النسبي لا يترتب عليه أي تمييز، أو تفضيل لهم، إلا التفاضل بالإيمان والعمل الصالح، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من الناس.
ـ الاعتبار الثاني: وهو الاعتبار الشرعي، وآل النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الاعتبار هم أتباعه على دينه، والمتقون من أمته، ويدخل الأتقياء من أسرته وقرابته في الآل بهذا الاعتبار كما يدخل فيه أي مسلم متبع لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم.
وختم الباحث هذا المبحث بقوله: إن تعسف بعض الفرق الدينية في فهم دلالة مصطلح (آل البيت)، وجعلهم إياه حكراً على صنف أو على فئة بعينها، لم يكن سببه الإشكال في فهم النصوص الواردة في (الآل)، وإنما كان سببه الحقيقي مشكلة الهوى؛ ذلك أن مصطلح (آل البيت) قد أصبح ــ مع الأسف ــ مطية لدى البعض لتحقيق المآرب السياسية، والأطماع الدنيوية، والامتيازات العنصرية، ومن هنا حرص ذلك البعض على دعوى احتكاره في فئة، أو سلالة بعينها، بهدف استغلاله وتوظيفه كما يشتهون.
التوظيف العنصري لمصطلح آل البيت.. اليمن أنموذجاً:
وفي سياق هذا المبحث جاء هذا العنوان الفرعي.. ولا ندري لماذا اختار الباحث اليمن لتكون أنموذجاً على التوظيف العنصري لمصطلح الآل؟!، وهو لم يذكر سبب ذلك. لكن لعل كون الباحث يمنياً هو السبب القريب لذلك، من باب أن أهل مكة أدرى بشعابها.
وفي سياق التدليل على التوظيف العنصري لمصطلح آل البيت في اليمن يذكر الباحث عدداً من المواقف التاريخية للأئمة الزيدية الذين حكموا اليمن لما يزيد على ألف عام، ومن ذلك موقف الإمام عبدالله بن حمزة ـ حكم في الفترة 583 ـ 614 هـ ـ الذي يقول:
إن بني أحمـد سـادات الأمـم بـذا لهم رب السماوات حكـم
ليس على ربي اعتراض لأحـد يفعل ما يشـاء تعالى ومجـد
لم يجعل الكلـب سواء والأسـد فاطرحوا ثوب العناد والحسـد
يا قوم ليس الدر قـدراً كالبعـر ولا النضاري الأبرزي كالحجر
كـلا ولا الـجـوهر كالـمـدر ففـي قـولكم هذا مـسّ سقر
ويعلق الباحث على هذه الأبيات بقوله: إن عبدالله بن حمزة يريد منا أن نعترف له ولمن هم على شاكلته بالسيادة على الناس؛ لأن الله بزعمه قد حكم لهم بذلك، وكأننا أمام أمر غيبي يجب أن نؤمن به بلا نقاش..!
وحتى نخرس ولا نتساءل: أين المساواة التي جاء بها الإسلام؟! فإن عبدالله بن حمزة يبين لنا الفرق بين جنسهم وبيننا نحن بقية البشر، فهم في منزلة الأسود والدر والجوهر، وأما نحن ففي منزلة الكلاب والبعر والمدر.!، وإذا لم نؤمن بهذه النظرية العنصرية فإن عبدالله بن حمزة يتوعدنا بمسّ سقر..!!
ويمضي الباحث في استعراض نماذج أخرى من التوظيف العنصري لمصطلح الآل، ثم يختم هذا المبحث بقوله: وفي ختام هذا المبحث يبقى أن أنبّه إلى أن حديثي عن التوظيف العنصري لمصطلح آل البيت لا أقصد به أن كل من انتمى إلى النسب الهاشمي أو العلوي هو متورط فيه، فمن يمارسون التوظيف الخاطئ لمصطلح آل البيت ليسوا عرقاً ولا سلالة معيّنة، وهذه وقائع التاريخ تخبرنا أن الهاشميين كان منهم من تصدى لكل أساليب التوظيف الخاطئة لمصطلح آل البيت، وكان منهم ـ أيضاً ـ من عمل على توظيف مصطلح آل البيت توظيفاً خاطئاً ومجافياً لروح الإسلام، فحالهم كحال بقية الناس في هذه المسألة الشائكة، وهذا المزلق الخطير، وكثير ممن مارس، ولا يزال يمارس، التوظيف الخاطئ لمصطلح آل البيت لا علاقة لهم بالنسب الهاشمي أو العلوي، وإنما هم من جهلة المتشيعين، الذين يصدق فيهم قول علي بن الحسين ـ رحمه الله: ((ما برح حبكم لنا حتى صار عاراً علينا)).
التوظيف السياسي لمصطلح آل البيت.. الدين مطية لمطامع الدنيا !
تحت هذا العنوان جاء المبحث الرابع، وفيه يكشف الباحث عن حقائق تاريخية وسياسية مهمة، ظلت مغيبة أو بعيدة عن دائرة الوعي، فلنستمع إلى الباحث، وهو يقول:
إن الناظر المتأمل في حال الأسر الثلاث: الأموية، والعباسية، والعلوية، سيرى أمراً عجباً، فهذه الأسر الثلاث ترجع إلى جدٍ واحد هو عبد مناف، فكلهم بنو عبد مناف؛ حيث إن عبد مناف أنجب ـ فيمن أنجب: هاشماً، الذي يرجع إليه نسب بني هاشم عباسيهم وعلويهم، وأنجب عبد مناف ـ أيضاً ـ عبد شمس، وعبد شمس هذا أنجب أمية، الذي إليه يرجع نسب بني أمية.
فجميعهم إذن بنو عبد مناف، وقد كانوا قبل الإسلام مجتمعين وكلمتهم واحدة، فلما بعث الله نبيه آمن من آمن منهم، وكفر من كفر، ثم إنهم اجتمعت كلمتهم على الإسلام بعد فتح مكة، وكانوا يعرفون قبل الإسلام وبعده ببني عبد مناف، لا بالأموية، ولا بالهاشمية، ولا بالعباسية، ولا بالعلوية، وإنما ظهرت هذه الانقسامات بينهم نتيجة للصراعات السياسية داخل الأسرة المنافية، في العهد الأموي والعباسي.
وأما في الجاهلية فقد كانوا مجتمعين، وكانت كلمتهم واحدة، وكانت فيهم السقاية والرفادة، أي: سقاية الحجيج وإطعامهم، وكانت في بني عمومتهم من بني عبد الدار: الحجابة، وقد أقر النبي - صلى الله عليه وسلم ـ بعد فتح مكة ـ بقاء السقاية والرفادة في بني عبد مناف، وبقاء الحجابة في بني عبد الدار.
ولم يكن يُقال حينها: إن السقاية والرفادة في بني هاشم أو في بني أمية؛ لأنهم كانوا شيئاً واحداً، ويجمعهم كلهم أنهم بنو عبد مناف.
ولما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مكة قول الله تعالى: "وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ " الشعراء : 214.. وقف صلى الله عليه وسلم بين عشيرته، وقال: ((يا بني عبد منافاه ! إني نذير، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله، فخشي أن يسبقوه، فجعل يهتف يا صباحاه)) رواه ومسلم: 206.
وفي رواية أخرى: ((يابني عبد مناف ! اشتروا أنفسكم من الله، بابني عبدالمطلب اشتروا أنفسكم من الله، يا أم الزبير بن العوام، عمة رسول الله، يا فاطمة بنت محمد، اشتريا أنفسكما من الله، لا أملك لكما من الله شيئاً، سلاني من مالي ما شئتما)) رواه البخاري : 3527.
ولما جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة كان من ألد أعدائه: الوليد بن المغيرة، وعمرو بن هشام (أبو جهل)، وكلاهما من بني مخزوم، الند المنافس لبني عبد مناف، وكانت معارضتهما للنبي صلى الله عليه وسلم بدافع من العصبية القبلية، كما أوضح ذلك أبو جهل حين سأله الأخنس بن شريق: يا أبا الحكم: ما رأيك فيما سمعت من محمد؟!
لقد اختار المسلمون أبا بكر وقدموه للخلافة، وهو من أضـعف قبيلة في قريش؛ لأن تعاليم الإسلام يومها كانت أقوى من عصبية القبيلة.
وقد استمر بنو عبد مناف على اجتماع الكلمة في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله عنهم، وفي زمن عثمان وقع نزاع بين علي ورجل من المسلمين في حد أرض كانت بينهما، فخرج عثمان في جماعة فيهم معاوية لينظروا محل النزاع، فابتدر معاوية وسأل عن معْلَم من معالم الحد: هل كان هذا على عهد عمر؟
فقالوا: نعم.
فقال: لو كان هذا ظلماً لغيره عمر.
فانتصر معاوية لعلي في القضية، ولم يكن علي حاضراً، بل كان قد وكّل عنه في المحاكمة عبدالله بن جعفر، فلما رجع ابن جعفر إلى علي وأخبره بما كان من معاوية، قال له علي: أتدري لِمَ فعل ذلك؟، فعله لأجل المنافية..!، أي لأجل أنهم - جميعاً - من بني عبد مناف.
وعلى عهد عثمان ـ أيضاً ـ حصل خلاف بين عقيل بن أبي طالب وزوجه فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، فأرسل عثمان معاوية بن أبي سفيان، وعبدالله بن عباس حكمان، وقال لهما: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا ففرقا. فلما انصرفا قال ابن عباس: لأفرقن بينهما. فقال معـاوية: ما كنت لأفرق بين شخـصين من بني عبد مناف !، وأتياهما وقد أغلقا عليهما بابهما فرجعا.!
وهكذا لم يزل بنو عبد مناف كلمتهم واحدة، حتى ظهر الصراع بين علي ومعاوية؛ ذلك الصراع الذي انتهى باستئثار بني أمية بالحكم والملك (الخلافة)، ومن يومها انقسم بنو عبد مناف إلى: أموية وهاشمية، واستخدمت المعارضة الهاشـمية (سـلاح آل البيت)، وأشهرته في وجه بني أمية، ومن يومها بدأ التوظيف السياسي لمصطلح (آل البيت) في الصراع على السلطة داخل البيت المنافي.!
وكان سبب ذلك استئثار بني أمية بالملك دون بني عمومتهم من بني هاشم، وفي سبيل نزع الشرعية عن بني أمية ادعت المعارضة الهاشمية أنها أحق بالملك والخلافة من بني أمية؛ لأنهم آل الرسول دون بني أمية.!
وبعد محاولات عديدة من الهاشميين، وتضحيات كبيرة، تمكنوا من إسقاط الحكم الأموي. وعلى أنقاض دولة بني أمية قامت دولة لبني هاشم بدعوة وتكاتف كل بني هاشم: عباسيهم وعلويهم. لكن بني العباس استولوا على مقاليد الحكم، واستأثروا بالسلطة دون بني عمومتهم من العلويين، ولذلك ما كاد الأمر يستقر لبني العباس حتى ظهرت المعارضة القوية لهم من حلفاء الأمس، وهم العلويون.
وإذا ببني هاشم ينقسمون ـ بسبب الصراع على السلطة ـ إلى: عباسية وعلوية، كما انقسم بنو عبد مناف قبل ذلك إلى أموية وهاشمية!..
وبدأ العلويون يخرجون على بني العباس، ويطلبون الحكم لأنفسهم دون بني العباس، وإذا بنفس السلاح القديم (سلاح آل البيت) يتم استخدامه وتوظيفه في الصراع السياسي، ولكن هذه المرة داخل البيت الهاشمي نفسه، فقد ادعى العلويون أنهم وحدهم) آل البيت، وبالتالي فهم أحق بالملك) الخلافة (من بني العباس! ورفض العباسيون دعوى احتكار)، الآل (من قبل العلويين، وفي سبيل إثبات أحقيتهم في الملك دون العلويين صاغوا حجتهم الخاصة فقالوا: قد ثبت بالإجماع أنه لا إمامة في النساء، فينتفي بذلك أن يكون لفاطمة إرث في الإمامة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن بني العم وبني البنات لا يرثون مع العم شيئاً، وبالتالي فليس لعلي (ابن العم)، ولا لأبناء فاطمة (بنو البنت)، إرث مع العباس (العم) في الإمامة، وبذلك يكون العباس وبنوه هم أصحاب الحق في الإمامة، وليس لأبناء فاطمة حق فيها، وأنشدوا في ذلك:
أنى يكون وليس ذاك بكائن لبني البنات وراثة الأعمام !
ويؤرخ السيوطي لبداية الانشقاق في البيت الهاشمي بسنة مائة وخمس وأربعين هجرية، في عهد الملك العباسي المنصور، يقول السيوطي: ((في سنة خمس وأربعين [أي بعد المائة]: كان خروج الأخوين محمد وإبراهيم ابني عبدالله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فظفر بهما المنصور فقتلهما وجماعة كثيرة من آل البيت، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وكان المنصـور أول من أوقع الفتنة بين العـباسيين والعـلويين، وكانوا قبل شيئاً واحداً)). أ.هـ .
والحقيقة أن ملوك بني العباس قد أسرفوا في القتل والتنكيل ببني عمومتهم من العلويين، لاسيما الملك المنصور، فقد كان شديد البطش والتنكيل بالعلويين، وفتك بالكثيرين منهم، حتى أن محمداً بن عبدالله العلوي الملقب بالنفس الزكية قال:
ياليت جور بني مروان عاد لنا ياليت ظلم بني العباس ما كانا !
فقد جعله ظلم بني العباس يتمنى رجوع أيام بني أمية !
هذا مع أن العباسيين والعلويين كلهم بنو هاشم ومن آل البيت النبوي نسباً . وهنا حقيقة يجب أن لا نغفل عنها وهي أن أكبر أعداء آل البيت هم من آل البيت !، وأن النواصب في آل البيت أكثر من غيرهم !
وسبب ذلك أن نصب (العداء لآل البيت) دوافعه سياسية وليست دينية، فلم يكن العِداء بين بني أمية وبني هاشم دينياً، ولكنه كان سياسياً، وبعد أن قام بنو هاشم بالقضاء على بني أمية، انتقل الصراع إليهم، وأصبح فيما بينهم، وانقسموا إلى عباسية وعلوية، وأصبح الصراع السياسي بين بني هاشم على أشده، حتى أنهم سفكوا دماء بعضهم !، والمؤسف أن ذلك العِداء السياسي حاول أن يتقمص لباس الدين، وأصبحت الاستباحة تمارس باسم الدين !..
وفي إطار مناقشته للتوظيف السياسي لمصطلح (آل البيت) بيّن الباحث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي ولم ينص على أحد ليتولى الخلافة من بعده، بل ترك الأمر شورى بين المسلمين، والحكمة من عدم النص هي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو نص على أحدٍ من بعده لربما توهم المسلمون أن ذلك المنصوص عليه يكتسب بالتنصيص قداسة ترفعه عن المحاسبة والمساءلة، ونحن نعلم أن منصب الحاكم في الإسلام يخضع للشورى والمساءلة.
وفي ذات السياق تناول الباحث حديث: ((الأئمة من قريش))، وخلص إلى أنه إخبار بما يكون لا بما يجب.
وكأنموذج على التوظيف السياسي لمصطلح (آل البيت) نجد الباحث يختار اليمن أنموذجاً، وتحديداً فترة حكم الأئمة الزيدية الممتدة ما بين 284 ـ 1382هـ، ويتحدث الباحث عن النتائج الكارثية لذلك التوظيف، فيقول: لقد جرّ التوظيف السياسي لمصطلح "الآل" الكثير من المحن والفتن والكوارث على الأمة، وأدى إلى نشوء الفرق الدينية، والصراعات المذهبية، والحق أن أول من اكتوى بنار التوظيف السياسي لمصطلح (آل البيت) هم بنو هاشم؛ إذ ظهرت المنافسة على السلطة في إطار البيت المنافي (بنو عبد مناف)، ثم في إطار البيت الهاشمي (بنو هاشم)، وتم توظيف مصطلح (آل البيت) في ذلك الصراع الذي انقسم بنو هاشم على أساسه إلى (علوية) و(عباسية)، وكان من نتائجه أن استباح بنو هاشم دماء بعضهم، والناظر في التأريخ سيدرك أن بني أمية كانوا أرحم ببني هاشم من بني هاشم، ولو لم يكن في ذلك إلا تنكيل الملك العباسي المنصور ببني عمومته من العلويين لكفى.
ثم إننا رأينا البيت العلوي ينقسم على نفسه، ويتشظى إلى أسرٍ متناحرة، وإذا بالعلويين يقتل بعضهم بعضاً، ويفني بعضهم بعضاً، في سبيل الاستئثار بالسلطة، وكلهم يدعي أنه الأحق بالإمامة، كما حدث في اليمن خلال الفترة الطويلة لحكم الأئمة العلويين. ثم ساق الباحث عددًا من الأدلة والشواهد التاريخية على ذلك.
التوظيف المذهبي لمصطلح آل البيت ... المغالطة بلا حدود !
بهذا العنوان نصل إلى آخر مباحث الكتاب، فبعد أن نقض الباحث التوظيف العنصري والسياسي لمصطلح الآل، انتقل في هذا المبحث إلى نقض التوظيف المذهبي، فهو يرى أنه لا يوجد هنالك مذهب اسمه مذهب أهل البيت!، وفي سياق تقريره لذلك يقول: من العجائب التي لا ينقضي منها العجب زعم بعض الفرق الإسلامية أن مذهبهم هو مذهب آل البيت!، فالزيدية يزعمون ذلك، والإمامية الإثنا عشرية يزعمون ذلك، وكذلك الإسماعيلية، وفرق أخرى كثيرة من الشيعة، والأمر كما قيل:
وكلٌ يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكَ
ولا يخفى أن دعوى بعض أهل المذاهب أن مذهبهم هو مذهب أهل البيت الهدف منها إضفاء الشرعية الدينية على المذهب، لا سيما مع مخالفتهم لجمهور المسلمين، وأيضاً هم يحاولون عن طريق هذه الدعوى الترويج لمذهبهم باستمالة عواطف العوام والجهلة، وهذا هو ما نعنيه بالتوظيف المذهبي لمصطلح آل البيت.
ونحن هنا سنجاري الشيعة العلوية في أن آل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين وذرية الحسنين فقط ـ مع أن ذلك غير صحيح فآل البيت دائرتهم أوسع من ذلك - كما سبق وبيناه ـ ثم نسألهم: هل لآل الحسن وآل الحسين مذهبٌ معينٌ ينتسبون إليه؟!
فإن قالوا: لا، فقد كفونا مؤونة الجدل . وإن أبوا المكابرة وقالوا: نعم، فالواقع يكذّبهم، فذرية الحسن والحسين قد انتشروا في أكثر البلاد، فمنهم شافعية ومالكية وحنفية وحنابلة وصوفية وأشعرية ومعتزلة وإمامية وإسماعيلية وزيدية ... الخ.
فإن قالوا: إنما نقصد الرواية عن آل البيت.
قلنا لهم: المذاهب الشيعية كلها تزعم الرواية عن آل البيت، وكلهم يزعمون أنهم يأخذون الدين كابراً عن كابر، فهذا أحد أئمة الزيدية يقول:
إذا شئت أن تخـتر لنفسك مذهباً ينجيك يـوم الحشر من لهب النـار
فدع عنك قول الشافعـي ومـالك وحـنبل والمروي عن كعب أحـبار
وخـذ من أناس قولهم ورواتهـم روى جدي عن جبرائيل عن الباري
ومع هذه الدعوى العريضة فالفِرق الشيعية بينها من الاختلاف في أصول الدين وفروعه ما هو معلوم للقاصي والداني، وقد وصل الخلاف بينها حد التكفير، فالزيدية تكفر الإسماعيلية، والإثنا عشرية تكفر الزيدية ... الخ. وكل فرقة تزعم أنها تأخذ مذهبها عن أهل البيت، وأن مذهبها هو الحق المروي بالأسانيد عن أهل البيت !
ثم إننا إذا تأملنا في تلك المذاهب المعتزية إلى أهل البيت سنجد أن في المذهب الواحد من التباين والاختلاف في الرواية عن آل البيت ما يصل إلى درجة التناقض التام.
وقد ضرب الباحث أمثلة من واقع مذهب الشيعة الإمامية على مخالفتهم لعلماء أهل البيت، بما يبين أنهم مخالفون لعلماء أهل البيت كمخالفتهم لسائر علماء الأمة.
ثم يؤكد الباحث على أنه: ليس هنالك مذهب اسمه مذهب أهل البيت حتى مع التسليم ـ جدلاً ـ للشيعة بأن (آل البيت) هم فقط ذرية الحسنين؛ لأن آل الحسن وآل الحسين قد توزعوا على جميع المذاهب والمدارس الإسلامية، يعلم ذلك من له أدنى نظر في تأريخ وواقع المذاهب الإسلامية.
ولو أخذنا الصوفية على سبيل المثال فسنجد أن أعلام التصوف السني هم من آل البيت: فأحمد بن علوان أكبر صوفية اليمن، وأشهرهم على الإطلاق، هو من آل البيت من ذرية الحسن بن علي، وهو شافعي المذهب.
والسيد أحمد الرفاعي هو من آل البيت، من ذرية الحسين بن علي، وهو شافعي المذهب، وإليه تنسب الطريقة الرفاعية المشهورة.
وأبو الحسن الشاذلي الذي تنسب إليه الطريقة الشاذلية، هو من آل البيت من ذرية الحسن بن علي، وهو مالكي المذهب.
والشيخ العارف عبدالقادر الجيلاني، حنبلي المذهب، صوفي المشرب، وهو من آل البيت من نسل الحسن بن علي رضي الله عنهما.
وهكذا أكثر مشائخ التصوف في العالم الإسلامي، إنما ينتسبون إلـى آل البيت وأيضاً فالأدارسة بالمغرب هم من آل البيت، من ذرية الحسن بن علي، هاجـروا من الحجاز إلى المغرب، وأقاموا أول دولة علوية حسنية في التاريخ الإسلامي، وهم مالكية على مذهب الإمام مالك.
والسنوسيون الذين كان منهم ملوك ليبيا هم أيضاً من آل البيت، من نسل الحسن بن علي، وقد كان لهم الأثر الكبير في نشر رسالة الإسلام في إفريقيا، وهم مالكية، ومتصوفة، وسلفيون، ليس فيهم إمامي ولا زيدي ولا إسماعيلي !
وغيرهم كثيرون من آل الحسن وآل الحسين في بلاد المغرب، ومصر، والشام، واليمن، هم على مذاهب الأئمة الأربعة؛ ولذلك فالحديث عن مذهب لآل البيت هو حديث خرافة، ولا ينطلي إلا على السذج.
وختاماً: فإن الكتاب يتناول قضية شائكة وحساسة قد قيل عنها الكثير، ولكن تبقى ميزته في انعتاقه من أسر التقليد، وتحرره من المسلمات الوهمية التي قيدت عقول الكثيرين، وجرأته في مواجهة أنواع التوظيف الخاطئة لمصطلح آل البيت، وجمعه بين التأصيل الشرعي والتحليل التاريخي والفقه المقاصدي، وأرجو أن أكون قد وفقت في عرض الكتاب، وأن يكون القارئ قد استفاد من هذا العرض.
في السبت 22 يونيو-حزيران 2013 10:11:44 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=21001