الدولة المدنية ... بين ضبابية الرؤية وآمال الغد
رفيقة الكهالي
رفيقة الكهالي

سنقدم لكم اليوم قرائنا الأفاضل مقدمة لدراسة قمنا بإعدادها في منظمة مساواة للتنمية السياسية وحقوق الإنسان بتعز , الدراسة تبحث في موضوع الدولة المدنية الحديثة , التي تمثل الهدف الثاني من أهداف الثورة الشبابية الشعبية ,, كيف تكون ,, ما شكلها ,, ما نظامها , كيف يكون دستورها , ما شكل احزابها , ما برامجها ,, ما هي رؤيتها الفكرية , ما أمالها وطموحها , ما التحديات والمعوقات التي تقف أمامها , ما قيمها التي لابد ان تتأسس عليها , وما مواصفات قادتها , ما دورنا وكيف ننجح في الوصول اليها ؟ ,,, اسئلة كثيرة سنحاول ان ندلو بدلونا في تقديم اجوبة نرجو ان تكون مفيدة ونافعة ,,

الدراسة ستقوم على قراءة الواقع , وستعتمد على تجارب دول أخرى كانت أوضاعها شبيهه بوضع بلادنا ,, وسنستمد من تلك التجارب العبرات والعظات والدروس , للانطلاق نحو رسم معالم دولتنا المدنية الحديثة التي ننشدها جميعا ,,, 

بداية ,,, عند تأمل مفهوم الدولة اليمنية الحالية ,, وعند دراسة نظامها السياسي , الذي يقوم على الديمقراطية والتعددية الحزبية التي اقرت في 1990م ,, وعند دراسة الأحزاب اليمنية وبرامجها , التي ساهمت في تشكيل الحياة السياسي ,, سواء منها اليسارية او القومية او البعثية او الإسلامية , او حزب المؤتمر الشعبي العام والذي يعتبر حديث النشأة مقارنة بمن سبق , وعند متابعتنا لرؤى وبرامج الاحزاب الجديدة التي افرزت مؤخرا , كحزب اتحاد الرشاد اليمني الذي دخل مؤخرا اللعبة السياسية واعتنق مذهب التغيير السلمي , وخرج ليبرا نفسه من تيار القاعدة احد فصائل التيار السلفي التي تنتهج العنف والقتل والاستيلاء والمصادرة والتعاون مع مخربي الأوطان ودعاة التخلف ,,, وكحزب الأمة الطائفي الجناح السياسي لعصابات وميليشيات الحوثي المسلحة ,,, 

وعند دراسة مشكلات البلد والوضع السياسي المأزوم الذي أوصلنا إليه إخفاق الحزب الذي كان يحكم البلاد في إدارتها وتنميتها ,, بل وعمل على قيادتها الي مشارف الهاوية , التي أوقفتها ألطاف الله ثم الثورة الشبابية الشعبية الممتدة منذ أكثر من سنة وثلاثة أشهر ,,,,

عند التفكير في كل ذلك سنقف أمام حقيقة مفادها ان جميع اللاعبين السياسيين من أحزاب , وقيادات , ومنظمات , وشباب بدون استثناء , لم يستطيعوا الي الان , الخروج ببرنامج سياسي , او رؤية او مشروع يوضح لنا معالم الدولة المدنية عندهم ,, كل ما سنجده هو شذرات قدمها بعض الحقوقيين منثورة هنا وهناك ,, وألفاظ وعموميات تردد بحفظ ممل , تصف الدولة المدنية بانها دولة المساواة والعدالة والحرية والمشاركة وغيرها من القيم ,, بدون ان نسمع عن اية برامج لإنزال ذلك على ارض الواقع وفي كافة المجالات ,,,

ولا ندري حقيقة ما سر هذا الاسترخاء التوافقي في التفكير ,, ولصالح من ؟ وعلى من الاتكال هذه المرة ,,, هل ننتظر لدول الخليج العربي ومجلس الامن , ان يفكروا لنا ويفرضوا علينا شكل دولتنا المدنية ونظامها وحدودها .. ,,

لا نخفيكم ان الثورة أبدت لنا سوءة الأحزاب السياسية في اليمن ,, وفضحتها على أعلى المستويات ,, وبدون استثناء ,, كون الاهتمام بالجوانب الفكرية والنظرية , ما زال ضعيفا ,, ويحتاج الي إعادة التفكير في كيفية تفعيله والاهتمام به كونه الأساس والمدخل الرئيسي للجانب التطبيقي لاحقا ,,,

في الواقع ,, اذا ما انتقلنا لدراسة تجارب الدول الأخرى في مجال بناء الدولة المدنية , سنجد ان هناك أحزاب نجحت في تقديم رؤى فكرية سياسية وفق برامج قابلة للتطبيق في الميدان , ونجحت نجاحات منقطعة النظير جعلتها قبلة للمتشوقين الي الاقتداء بها ومجاراتها مع الاحتفاظ بخصوصية كل بلد ,,,

, احزاب سياسية حققت الهدف الذي من اجله أنشأت ,, وهو التنافس لبناء دول عملاقة مؤثرة , وخدمة شعوب عانت كثيرا من الحرمان والتخلف ,,, احزب وقيادات قدمت الأفضل ,, وأوصلت شعوبها الي مصافي الأمم المتحضرة , التي ترفل بالتطور والرفاهية ,,

من تلك التجارب الناجحة التي سنخضعها للدراسة والمقارنة ,, تجربة النمر الاسيوي الماليزي ,, وتجربة حزب العدالة والتنمية التركي ,,,

عند النظر الي التحديات والمعوقات التي واجهت حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة رجب طيب اردوغان , وحزب امنو الماليزي بقيادة مهاتير محمد رائد النهضة الاقتصادية الماليزية الحديثة... ,, سيتضح أنها ذات المشكلات والأزمات التي تواجه بلادنا في الوقت الحاضر , الازمات التي تقف امام مشروع التقدم والنهوض من مستنقع الأوحال الذي أدخلنا به نظام الرئيس اليمني المخلوع ,

وإجمالا يمكن ذكر التحديات والمعوقات التي تعاني منها بلادنا بالأمور التالية

 مشكلات في الإدارة , في التخطيط , في العمل المؤسسي المنظم , في القوانين ,, في الرؤية المستقبلية ,,

فالديمقراطية ما زالت عندنا في مرحلة المراهقة ان لم نقل الطفولة , ولم تصل للنضج الذي يجعلها سلوك مبني على قناعات حقيقية , وليس مجرد ادعاءات شكلية مزورة ,,,

المجتمع اليمني ما زال مجتمع بسيط يفتقد الي العديد من القيم والأخلاق ,, ومنها الارتقاء بالولاء ليصبح لله ثم للوطن بعيدا عن الانتماءات الضيقة المناطقية او الحزبية او القبيلية او الفئوية او الجهوية او العائلية ,,,

المجتمع اليمني بكافة شرائحه يعاني من التشتت والانقسام الداخلي , والبعض فضل الارتماء في أحضان الارتهان للمطامع الخارجية مقابل حفنة من المال ,, وآخر رفع شعار الانفصال ينادي لمزيد من التشرذم والإضعاف ,, وثالث لجا الي السلاح وحرب العصابات وباسم الدين ليعيث في الأرض خرابا ودمارا , ليقيم الخلافة الإسلامية على أشلاء القتلى والمشردين من ديارهم ومدنهم وقراهم ,,

تعاني البلد بشكل عام من انتشار ثقافة الكراهية ورفض الأخر والتآمر البيني وعلى كافة الصعد والاتجاهات ,,,

المجتمع اليمني مجتمع في معظمه مستهلك ,, ومتلقي ,, ويعاني من ضعف الإنتاج والتهميش لكوادره ,, مما أدى لإحباط لدى المفكرين والمبدعين والساعيين للتغيير ...

البلد يعاني من ارتفع معدلات الفقر والبطالة ,, وتوقف النمو الاقتصادي ,, وتدني الدخل القومي ودخل الفرد بشكل عام ,,,

البلد يعاني من ضعف الاهتمام بالتعليم سواء العام او الجامعي او المهني او الحرفي او التقني ,, وسواء من حيث الميزانية او المناهج او الطرق و الاساليب التعليمية ,, ويعاني من ارتفاع مستوى الامية لانعدام التعليم ,,او من الأمية التعليمية من خلال ضعف مخرجات التعليم سواء الأساسي او الجامعي او التخصصي ,,

البلد عانى ومازال من اهدار ثرواته وموارده الطبيعية من نفط وغاز ,,, وإهمال وعدم استغلال للموارد الأخرى مثل المعادن والثروة السمكية والثروة الحيوانية وغيرها ,,,

بلادنا تعاني من كوارث بيئية من استنزاف للغطاء النباتي ,, ومن إغراق البلد في أكوام القمامات , ومن تفجر أنابيب الصرف الصحي في شوارع العاصمة والمحافظات الأخرى ,,

مازالت خطوط الكهرباء والبترول والغاز تتعرض للكثير من الاعتداءات والمشكلات ,,

مشكلة المياة في بلادنا مشكلة عويصة وتنذر بكارثة حقيقية ,,

نحن بيئة طاردة للاستثمار ,, ونحتاج الي مراجعات طويلة للقوانين والممارسات واللوائح لإنعاش هذا الجانب ,,, 

ما زالت القيادة الحالية تتوجه بتفكيرها الي الخارج وتعتمد على الشحت والارتهان الي صندوق النقد الدولي ,, ولم نسمع حتى الآن عن توجه حقيقي لاستغلال موارد البلد الداخلية وتنميتها ,,,

عندنا أزمة حقيقية في القيادة ,, وفي الإدارة التي تقوم على الروتين والقمع والقتل لكل موهبة , وضعف التحفيز بل وانعدامه أحيانا كثيرة ,, وعدم الاهتمام بالانجاز والجودة ,

البلد يعاني من انتشار الفساد المالي والإداري , وعدم وجود اليات معينة للقضاء عليه ,,, 

ضعف الاهتمام بالجانب التصنيعي,, بالسياحة ,, بالتراث ,, بالحركة الثقافية , بالفنون ,, بالتوعية , بالتربية , بالتدريب والتأهيل , بالرياضة ,, وغيرها كثير ,,

أخيرا نكتفي اليوم بهذه المقدمة ,, وفي مقالنا القادم بإذن الله سنكمل جوانب الدراسة ,, وسنتعرف سوية على الأساليب والوسائل التي استطاعت التجربتين المذكورتين في التعامل مع كل التحديات والمعوقات التي ذكرناها والتي تشاركنا في الكثير منها ,,, وكيف استطاعتا فعلا ان تؤسسا للدولة المدنية الحديثة بأحزاب مدنية ناجحة ,, فالي لقاء قريب ,,,

يقول ابن الرومي

ولي منزل آليت ألا أبيعه

 وألاّ أرى غيري له الدهر مالكا

عمرت به شرخ الشباب منعما

 بصحبة قوم أصبحوا في ظلالكا

فقد ألفته النفس حتى كأنه

 لها جسد ، إن غاب غودر هالكا

وحبب أوطان الرجال إليهم

 مآرب قضاها الشباب هنالكا

إذا ذكروا أوطانهم ذكّرتهم.

 عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا

* رئيسة منظمة مساواة للتنمية السياسية وحقوق الانسان .

Mosawah.taiz@gmail.com


في الخميس 19 إبريل-نيسان 2012 06:15:37 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=15185