إلى فخامة الزعيم الراحل
فكري القباطي
فكري القباطي

إلى فخامة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح ...نُدركُ جيداً أنكَ لم تكنْ سفاحاً ولكنك كنتَ ظالماً ... وندركُ أنكَ لم تكن فرعوناً ولكنكَ كنتَ قيصراً ...أردنا المزيد فعجزت وطمعنا في القليل فمنعت وأردنا الرخاء فجزعت ... كلما سألناكَ أين الوعود العرقوبية فرقعت أصابعك وابتسمت وألقيت خطاباً تاريخياً عن منجزاتك الديمقراطية ودورها في ترسيخ الأمن والاستقرار ...

كلما بحّتْ أصواتنا للمطالبة بإصلاح البلاد اتهمتنا بالإرهاب والإفساد وما فسدنا يا فخامة الراحل ولكن الفقر أثخننا ومزق صبرنا ..

لم تكن موفّقاً وأنتَ تحكم البلاد وكنتَ موفقاً وأنتَ تُغادرها فاليوم شاهدت بشار وبالأمس شاهدت معمر و تأكدتُ أنكَ لم تكن الأسوء ولكنك كنتَ الأضعف فما حيلة الأسد حينما يكون أعداؤه الأسود وأعوانه القرود ؟!

نهايةٌ موفقةٌ لكلينا يا فخامة الراحل وأتمنى لكَ حياةً سعيدةً سواءً في الغربة أو بين وطنك وكم أتمنى أن تعيش في الغربة لُتدركَ المعاناة التي لفحت ظهور الملايين من هذا الشعب بين أنياب الغربة ومخالب الاضطهاد ..أُقِرُّ بأني لا أتمنى أن أراك مقيداً بالأصفاد ولا أريد أن أراكَ يوماً في الزنزانة تنتظر الحكم القادم بوجهٍ شاحبٍ وعينين ذابلتين مثل حسني مبارك ..وأقرُّ بأني لا أريدُ أن أراك مضرجاً بدمائك تتوسل للثوار أن يفكوا أسركَ ليأتي بعد ذلك الخبر اليقين بمقتلك والتمثيل بجثتك كـ معمر القذافي فأنا على يقينٍ بأن حدوث هذا لن يدفعني للبكاء فحسب بل سيدفعني للنحيب ..

أتمنى أن تنتهي الأمور هكذا لتعيش حياتك زعيماً راحلاً لا لئيماً جاهلاً فأنت وإن كنتَ فاسداً ولكنكَ استطعتَ أن تُحكّمَ عقلك في الرمقِ الأخير لتنتشل ما تبقى منك ومن هذه البلد بعد أن أيقنتَ أن رجال منصور الحنق وأسود حمود المخلافي وصقور صادق الأحمر وأخيراً نمور علي محسن الأحمر ستظلُّ لكَ بالمرصاد ..

ستغمرني السعادة حينما أرى صحف العالم وقنواته يتحدثون عنك بأنك الرئيس الأذكى والأكثر فطنة فقد استطعتَ أن تقاوم بدهاء واستطعت أن تتوقف بدهاء والأقوياء فقط من يدركون متى يجبُ عليهم أن يحاربوا ومتى يتوجب عليهم الاستسلام ..

ولكنك لم تستسلم لأنك هُزِمتَ يا سيادة الراحل ...

فقد رحلتَ لتتركَ أثركَ فيما تبقى من القلوب ولترسمَ كبرياءك فيما تبقى من الغروب فأنتَ حريصٌ على أن تكون عظيماً حتى وأنت على فراش الموت وكم أتمنى أنتظل كذلك ...

الحقيقة أني لا أبغضك ولا أمتلك مُتسعاً من الوقت لبغضك فالوقت ما زال طويلاً أمامي لكي أتمكن من انتشال ذاكرتي من هذه السنة التي أكلت وشربت كل أحلامي المستبقلية وأمنياتي التي ظلّت حبراً على ورق بفضل سياستك الحكيمة في إفساد البلاد ...

غيرَ أن الوقت ما زال باكراً لشد الهمم والسواعد والبدء في إيقاظ ما غفا في أوراقي ومذكراتي .. سيمرُّ وقتٌ طويلٌ قبل أن أعود إلى صلاحيتي العملية فأنا اليوم أستجمع ما تبقى من قواي كحال الشعب الذي أوشكَ على الذبول لولا أمطار السماء التي منَّ الله علينا بها من عيون القديس ( محمد باسندوه ) ليُعيدَ الكثير من العيون إلى دموعها والكثير من القلوب إلى لطفها والكثير من العقول إلى رشدها ...

وقبل أن تُقرع أجراس النصر سيتوجبُ علينا أن نُخرسَ أجراس اليأس التي أزعجت بيوتنا وسهولنا وجبالنا وسماءنا ولن يتمَّ ذلكَ إلا بالمسامحة والمصالحة والمصارحة لكي يبقى عبد ربه منصور على العهد بإذن الله ..

اليومَ يحقُّ لنا أن نُسدلَ ستار الماضي ولنعلن أن القادم لا يحتاج إلى المزيد من الأحذية التي تُرمى هُنا وهناك لكيْ يحصد أصحابها الشهرةَ بعد أن استشهد الشهداء وحارب الأبطال ...

وكذلك لسنا بحاجةٍ إلى المزيد من الكفر والانسلاخ من العقيدة فالعالم يعج بالكفرة والفسقة ولا أظن اليمن بحاجةٍ إلى أن تخدمَ العالم بهذا الدين اللائكي فنحنُ خسرنا كل شيء ولم يعد بأيدينا غيرُ الحفاظ على ما تبقّى لدينا ..

أظنُّ أن الوقت قد حانَ لكي نستعيدَ أنفاسنا اللاهثة خلفَ جدران العداء والبغضاء ولكي نطوي صفحةً من الصراع وليّ الذراع ...

فقد رحل علي صالح ورحلتْ معهُ أوجاعنا وآلامنا وتركَ لنا فرصةً لكي نقولَ لهُ شكراً ولو على مَضَضْ .. قد يكونُ الوقت المتبقي لنا ضيقاً يا فخامة الراحل ولكني أجزمُ بأننا سنجد هذه الفرصة لا سيَما أننا أرق الناس قلوباً وألينهم أفئدة ..

وإياكَ يا فخامة الراحل السابق أن تُبعثرَ هذه الصورة الجميلة بعد رحيلك بأيةِ محاولاتٍ صبيانيةٍ تُثير الضوضاء بعد أن بدأ الهدوء بـ استعراض عضلاته في حياتنا وعادت الكهرباء أخيراً لتزغرد كالعروسة بعد عنوسةٍ طويلةٍ يأسنا من انقشاعها ...

لتكن أيامنا القادمةُ طريقاً لأحلامنا ... لا حريقاً لِما تبقّى من قوانا ...


في الجمعة 24 فبراير-شباط 2012 12:09:20 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=14031