ايران تهدد الخليج لاسباب سورية
عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

يبدو ان القيادة الايرانية بدأت تشعر بالآثار القوية المؤلمة للعقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها، وهي عقوبات ستصل ذروتها في مطلع تموز (يوليو) المقبل، موعد تطبيق الحظر الاوروبي على صادرات النفط الايرانية.

الخبراء الاقتصاديون الذين يتابعون الوضع الاقتصادي في البلاد يقولون ان العملة الايرانية 'الريال' فقدت اكثر من 60 في المئة من قيمتها في الشهرين الماضيين، بينما تضاعفت اسعار الخبز مرتين، واصبحت السلطات الايرانية تتبع اسلوب المقايضة في تعاملاتها التجارية مع الدول الاخرى، اي النفط مقابل القمح، على سبيل المثال، بسبب العقوبات المفروضة على البنك المركزي وتمنع التعاطي معه.

يمكن رصد قلق السلطات الايرانية، وربما غضبها ايضا، في امرين رئيسيين، الاول: تهديدات السيد علي لاريجاني رئيس البرلمان واحد ابرز جناح الصقور، التي وجهها الى دول الخليج وقال فيها إنها ستندم ندما شديدا في حال مساندتها للمؤامرة الامريكية على ايران، لأن الامة الايرانية لن تنسى لها هذه المساندة. والثاني: التصريحات القوية التي ادلى بها السيد مرتضى تمدن حاكم طهران، وهدد فيها باتخاذ اجراءات صارمة في مواجهة اي احتجاج على الاقامة الجبرية المفروضة منذ عام على زعيمي المعارضة السيدين علي مير موسوي ومهدي كروبي، مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية مطلع الشهر المقبل.

التهديدات الايرانية لدول الخليج ليست جديدة، ولكنها لم تكن على هذه الدرجة من القوة في اي وقت من الاوقات، خاصة انها صادرة هذه المرة من قبل السيد لارجاني، ومن علي شمخاني وزير الدفاع السابق، ناهيك عن تهديدات اخرى لرئيس الحرس الثوري، فالتهديدات السابقة كانت تركز على الولايات المتحدة وسفنها وقواعدها في الخليج، اما هذه المرة فهي تستهدف دول الخليج مباشرة.

من غير المستبعد ان يكون الهدف من هذه التهديدات ايضا هو محاولة تخويف حكومات الدول الخليجـــية وكــبح جمــاح تدخلها ودعمها للمعارضة السورية، ودعم الجماعات المسلحة بالمال والسلاح. وقد افاد تقرير لمحطة 'العربية' الفضائية السعودية، بثته يوم امس عن معلومات مفصلة ودقيقة حول شحنات اسلحة ومتطوعين يتدفقون حاليا على سورية من العراق.

ايران تملك اسلحة عديدة يمكن ان تستخدمها بفاعلية ضد الخليج، اولها الخلايا الايرانية النائمة، وان كان بعضها يصحوا بقوة هذه الايام في دول مثل البحرين والكويت، وبدرجة اقل في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية (الإحساء)، بالاضافة الى آلاف الصواريخ من مختلف الاحجام التي يمكن في حال اطلاقها تدمير مدن خليجية مزدهرة، واحراق آبار النفط.

' ' '

مسؤول خليجي كبير اكد في لقاء خاص ان التهديدات الايرانية جدية للغاية، وان القيادات الخليجية تنظر اليها بكل جدية، ليس على المدى القصير فقط، وانما على المدى البعيد ايضا. وشرح وجهة نظره هذه بالقول بان الايرانيين يستطيعون تدمير محطات التحلية التي تغطي تسعين في المئة من احتياجات الخليج للمياه العذبة، علاوة على قصف مدن وقواعد امريكية، والاخطر من ذلك حسب قول المسؤول نفسه هو ما سيحدث في اليوم التالي في حالة حدوث حرب ايرانية ـ امريكية، اي صراع عربي ـ ايراني قد يستمر لعقود تكون منطقة الخليج ميدانه وضحيته الرئيسية.

عندما انطلقت شرارة الثورة الخمينية، وشكلت تهديدا مباشرا لدول الخليج بسبب الرغبة الايرانية بتصديرها الى دول الجوار، كانت دول الخليج محمية بغطاء عربي قومي من خلال وجود عراق قوي، ومصر مستقرة الى جانب الدعم الغربي. الآن الصورة مختلفة كليا، فالعراق بات خاضعا بالكامل للنفوذ الايراني، ومحكوما بقيادة طائفية، ومصر في حالة من عدم الاستقرار بسبب المرحلة الانتقالية التي تمر بها وتصاعد المحاولات لحرف الثورة عن مسارها، بل اجهاضها من قبل الولايات المتحدة وفلول النظام السابق ومراكز قواه.

فلأول مرة تجد دول الخليج نفسها بدون غطاء عربي قوي، وان أمنها بات محميا من قبل الدول الغربية في ظل حالة صراع اممي على نفطها واموالها، وطرفاه الصين وروسيا وايران من ناحية، والولايات المتحدة ودول اوروبا من ناحية اخرى.

الرصيد الاكبر لدول الخليج هو نفطها ولا يستطيع احد ان يجادل في ذلك، ولكن لا يمكن استبعاد استقرارها ايضا الذي نعمت به طوال السنوات الستين الماضية، مع بعض المنغصات التي لا يمكن تجاهلها، مثل اجتياح القوات العراقية للكويت عام 1990، واهتزاز الأمن الداخلي (الكويت) بفعل بعض الهجمات والتفجيرات لسفارات غربية، ومحاولة اغتيال الامير (1984) التي اقدم عليها بعض الخلايا الايرانية النائمة في حينها.

اهتزاز الامن والاستقرار الداخلي نتيجة هجمات صاروخية سيكون كارثة بالنسبة الى هذه الدول التي لا توجد فيها ملاجىء لحالات الطوارئ، ولا سيارات اسعاف او مستشفيات كافية في معظمها، وشاهدنا ذلك بوضوح في حالة الكويت اثناء غزوها. فقد فضل معظم اهل البلاد اللجوء الى الدول المجاورة، مثل المملكة العربية السعودية والامارات وقطر، واختار الاثرياء منهم الانتقال الى اوروبا، وبريطانيا على وجه التحديد.

احد شيوخ الخليج حاول ان يهون 'مازحا' من تأثير اي هجمات ايرانية صاروخية على المنطقة بقوله ان هذه الصواريخ ستقتل الهنود بالدرجة الاولى، لان اهل البلاد قد يغادرون قبل سقوطها.

' ' '

صحيح ان الولايات المتحدة تملك الاساطيل وحاملات الطائرات وبطاريات صواريخ باتريوت مضادة للصواريخ، وستوظف كل هذه الامكانيات في حماية دول الخليج، ولكن الصحيح ايضا الذي يجب ان نفكر فيه منذ الآن هو حالة العداء والنزعات الثأرية ضد العرب في نفوس الايرانيين اذا شاركت دول الخليج، باختيارها او مكرهة، في اي عدوان امريكي على ايران سواء بطريقة مباشرة، اي ارسال طائراتها الحديثة للمشاركة في القصف، او بطريقة غير مباشرة من خلال استضافة القواعد الامريكية وجعلها منطلقا للهجوم على ايران، وتشديد الخناق الاقتصادي على اكثر من سبعين مليون ايراني.

نتمنى حلا سياسيا ينهي الأزمة او الازمات مع ايران، والالتفات في الوقت نفسه الى كيفية كسب دول الخليـــــج للعرب مجددا، وتعزيز الروابط معهم، بما تملكه من وسائل مثل الارصدة المالية الضخمة، فمـــن الغــــريب ان الدول الخليجية الثــــرية لم تقدم فلسا واحدا لسلطــــنة عمان العضو في مجلس التعاون، او البحرين (قالت انها سترصد 20 مليار دولار لمساعدتها) حتى هذه اللحظة، ناهيك عن مســاعدتها لمصــر التي اشتكى رئيس وزرائها الدكتور الجنزوري من عدم وصول حتى الفتات، لانقاذ اقتصاد بلاده المنهار.


في الإثنين 13 فبراير-شباط 2012 05:26:05 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=13751