امة إقراء ... وأزمة القراءة
يسري الاثوري
يسري الاثوري

مأرب برس – خاص

منذ أن صدح الوحي في غار حراء كنا امة إقراء ، اسم عظيم ومعنى أعظم ، ولكن هل أمة إقراء تقراء أم لا تعلم الى القراءة سبيل ؟

منذ القدم وللمعرفة وسائلها واساليب إنتشارها ومنذ القدم كان الكتاب أشهر وأهم تلك الوسائل ومازال حتى اليوم الوسيلة الاولى بلا منازع ، ففي نهاية القرن العشرين كانت تصدر حوالي 20 مليار نسخة من مليون عنوان سنوياً وتستهلك 30 مليون طن من الاوراق تكفي لتغليف الكرة الارضية كاملة 7 مرات .

بالطبع فهذا شي عادي فإذا كان الطعام والشراب غذاء البدن فإن القراءة غذاء الروح وإلا لما كان هذا الكم الهائل من الكتب فه
ل يا ترى نغذي عقولنا كما نغذي اجسامنا ؟ .

القراءة إحدى ضروريات الحياة السليمة لأن العلم احد مقومات هذه الحياة ولا حياة بدون علم وأن من لا يقراء لن يحصل الا على حياة هزيلة أما عقله فسوف يصاب بسوء تغذية علمية شديدة ربما تؤدي الى وفاتة روحياً.

ولذالك فإن معرفة القراءة والكتابة لمن هم فوق سن 15 عاماًَ أحد أهم معايير التنمية البشرية التي تعتمد عليها تقارير التنمية البشرية ، وانتشار الكتاب والقراءة بين ابناء مجتمع ما إنما هي صورة حضارية وتعكس مستوى الصحة الفكرية في ذاك المجتمع ، وما الكتاب الا جواز سفر الى عالم المعرفة والعلم .

اديسون صاحب الـ 1093 براءة اختراع كان أول ما فعله في حياته العلمية أن قراء مكتبة اسرته بكاملها فحينما بلغ سنه 13 عاماً كان قد قراء أمهات الكتب. اما أول وزير للتعليم العالي في الأردن الدكتور ناصر الدين الأسد فيوجد لديه مكتبة تحتوى على 25 الف كتاب قراءها كاملة ، والكاتب المصري أسامة انورعكاشة فلديه مكتبة بها 3000 كتاب قراءها كاملة وما يزال يقراء منها باستمرار.

الأمثلة كثيرة وبالتاكيد أن هناك من يقراء أكثر بكثير من هولاء وإنما اردت أن اضرب امثلة بسيطة ليس أكثر ولكن ماذا عنا نحن انا وانت ؟؟؟؟؟

الرسول صلى الله عليه وسلم ادرك اهمية القراءة والكتابة فألزم كل اسير أن يعلم 10 من المسلمين القراءة والكتابة حتى يفتدي نفسه ، و وعى المسلمون الدرس جيدا وانطلقوا يقرأون ويكتبون ويألفون ويترجمون وينشرون الكتب فكانت المحصلة نهضة علمية ما زلنا نفتخر بها حتى اليوم ومكتبات ضخمة نهل العالم كله منها اصول العلوم الحديثة ومن تلك المكتبات :

1 - مكتبة بيت الحكمة في بغداد التي بلغت أوجها في ايام الرشيد وابنه المأمون ويقال أنها كانت تحتوى على 2 مليون مجلد .

2 - مكتبة دار العلم في القاهرة التي افتتحت سنه 1005م وقال عنها بابا روما سلفسترالثاني قولته الشهيرة: " إنه لمن المعلوم تماماً أنه لا يوجد احد في روما له من العلم ما يؤهله لأن يعمل بواباً لتلك المكتبة ، وأنى لنا ان نعلم الناس ونحن في حاجة لمن يعلمنا " وقد بلغت مجلداتها هي الاخرى 2 مليون مجلد .

3 - مكتبة المدرسة الفاضلية التي أسهها القاضي الفاضل وزير صلاح الدين الايوبي والتي احتوت مجموعتها على 100 الف مجلد .

ويطول ذكرا لمكتبات الإسلامية وما هذه الا أمثلة بسيطة لما كان عليه حال المسلمين الذين وعوا الدرس ونفذوا تعاليم الإسلام اما اليوم فلا يوجد لدينا مكتبات كهذه تحتوي على هذا الكم الهائل من الكتب ولا حتى اقل من ذالك بكثير رغم التطور الهائل في صناعة وطباعة الكتاب وقد فطن الأعداء الى سر قوة المسلمين وهو علمهم فعملوا على محوه وبادروا الى إحراق الكتب وهدم المكتبات في كل حملاتهم وليس ما فعله التتار في بغداد عنا ببعيد إذ عبروا النهر بجحافلهم وخيولهم على الكتب بعد أن رموها فيه وكانت النتيجة لتلك الحروب والهجمات ضياع 8 ملايين كتاب عربي .

ولكن العجب العجاب في امة تكون القراءة اول تعاليم دينها ويكون تاريخً كهذا هو تاريخها أن لا يكون لها اليوم الى القراءة سبيل !!!.

 فالقوة على مدار الزمان والمكان ملازمة للعلم وأهله ولكن لنلقي نظرة على القراءة والكتاب في الوطن العربي ونقارنه بغيره من الكتب :

إجمالي ما تنتجة الدول العربية من الكتب يساوي 1.1 % من الانتاج العالمي لا أكثر رغم ان نسبة سكان الوطن العربي الى سكان العالم تقريبا 5 % حسب احصائيات 2006 اما ما يطبع من الكتب بالغة الانجليزية يساوي 60% من مطبوعات الكتب اجمالاً (ماذا دهاك يا امة إقراء ؟؟؟ ) .

وأثبتت الدراسات أن الطفل العربي لا يقرأ سواء 6 دقائق خارج المنهج الدراسي رغم ما للقراءة والمطالعة خارج المنهج من أثر كبير على المستوى التعليمي للطالب ، ويقراء كل 20 عربيا كتاباً واحداً بينما يقراء كل بريطاني 7 كتب اي ما يعادل ما يقرأه 140 عربي ويقرأ كل أمريكي 11 كتاباً اي ما يعادل ما يقرأه 220 عربياَ يا للأسف .

اما عن مطبوعات الكتب ففي عام 2005 طبعت المملكة المتحدة 206 الف عنوان جديد مقابل 107263 عام 1996 اما الولايات المتحدة الأمريكية فقد طبعت 172 الف عنوان جديد عام 2005 مقابل 68175 عنوناًً جديداً عام 1996 ، اما مطبوعات الدول العربية من العناوين الجديده في عام 1996 على سبيل المثال لا الحصر عمان التي لم تطبع سوى 7 عناوين وقطر 209 والاردن 511 و مصر 1917 واصدرت السعودية 3900 كتاباً جديداً ولا احصائيات عن اليمن ، بينما اصدر الكيان الصهيوني وحده 2310 كتاب في ذات العام و 4000 كتاب عام 2005 ولكن لا وجة للمقارنة بين عدد سكان الدول العربية و الكيان الصهيوني ولم أستطع الحصول على احصائيات حديثة عن الدول العربية ( الاحصائيات من موقعي اليونسكو وموسوعة ويكبيديا) .

اما عن مستوى الصحافة فحسب احصائيات عام 97 فإن هناك 14 صحيفة لكل الف من السكان في مصر و 8 في الاردن و5 في عمان و 1509 في الولايات المتحدة ولا احصائيات عن اليمن -ـ موقع اليونسكو ــ .

أما على صعيد الترجمة فنصيب كل مليون مواطن عربي من الكتب المترجمة يساوي 4.4 كتاب بينما يبلغ نصيب كل مليون إسرائيلي 380 كتاب وكل مليون مجري 500 كتاب و كل مليون اسباني ما يقارب 950 كتاب .

اما عن سوق الكتب في الولايات المتحدة الأمريكية فهي حوالي 30 مليار دولار وقريباً من 10 مليار دولار في اليابان و 9 مليار دولار في بريطانيا و تبلغ مبيعات الكتب اجمالاً في كل انحاء العالم88 مليار دولار 1% فقط نصيب العالم العربي .

لا تقل لي أننا نقرأ الكتب الالكترونية او نتصفح مواقع الانترنت فالانترنت قد يكون واقعه في الدول العربية أشد إيلاماً من واقع الكتاب مقارنة مع الدول المتقدمة فمثلا الكاتب الأمريكي ستيفين كينج باع 41 ألف نسخة من روايته على النت خلال 15 ساعة من إصدارها ولكن النشر الإلكتروني لا يكاد يذكر في الدول العربية الا على استحياء وخجل شديدين ولا نكاد نسمع عنه شيئاً ذا ذكر .

ولكن مقابل كل هذا معدل ما يقضيه الطفل العربي امام التلفاز هو أعلى مما هو عنه الطفل الامريكي والاوربي .

وعن الامية فحدث ولا حرج :

• فقد قال بيان صادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بمناسبة اليوم العربي لمحو الأمية(8 يناير 2007 ( :

" إن الإحصاءات تشير إلى أنّ عدد الأمّيين في ارتفاع (من 50 مليون عام 1970 إلى 70 مليون عام 2005) حتى وإن كانت نسبة الأمّيين تميل إلى الانخفاض التدريجي 73% عام 1970 إلى 48,7% عام 1990 و35,6% عام 2005 من الشريحة العمرية 15 سنة فما فوق . وتساوي النسبة الحالية ضعف نسبة الأمية على الصعيد العالمي، وهي أعلى من تلك المسجلة بالمناطق الأقل نموّا في العالم (23,4%) ، إضافة إلى أن نسبة الأميات الإناث تفوق نسبة الذكور الأمّيين في البلاد العربية (46,5% مقابل 25,1 % ( ".

 

•  اما تقرير التنمية البشرية للعام 2005 :

نقل تقرير التنيمية البشرية ارقاماً مذهلة من تقرير صادر عن معهد الاحصاء في اليونسكو في يوليو 2002 فيشير الى نسبة الالمام بالقراءة والكتابة لمن هم فوق 15 سنة في اليمن ما نسبته للذكور 69.5 وللأناث 28.5 وبنسية اجمالية 49.0 لعام 2002 مقابل 32.7 للعام 1990 واذا استمرت اليمن على نفس التقدم فإننا نحتاج الى حوالي 32 عاماً للقضاء على امية القراءة والكتابة في اليمن رغم ظهور تعريف جديد حالياً للأمية وهو عدم الالمام بإحدى لغات الكمبيوتر وليس القراءة والكتابة فقط فماذا سيكون تعريف الامية بعد 32 سنة قادمة .

وأشار الى نسبة اجمالية للدول العربية تقدر بـ 50.8 عام 1990 و 64.1 عام 2003 بينما هي لوسط اوربا وشرقها رابطة الدول المستقلة 98.7 عام 1990 و 99.2 عام 2003 واذا استمرت الدول العربية على نفس التقدم فإنها تحتاج الى 25.7 سنة لكي تقضي على الامية .

اما اسرائيل فإن النسبة الممنوحة هي 91.4 للعام 1990 و 96.9 للعام 2003 لكن دولا عديدة ليس لها باع طويلة في العلم ولم نسمع بها تتمتع بنسبة عالية جدا مثل سلوفاكيا 99.6 وإستونيا 99.8 وارمينيا 99.4 لعام 2003 ودولة مثل الفلبين التي يقترن اسمها بالحرب الداخلية الدائرة هناك وبالإيدي العاملة في دول الخليج فتبلغ نسبة الإلمام بالقراءة والكتابة لمن هم فوق 15 سنة 92.6 للعام 2003 .

اما عن المكتبات الوطنية فهناك كارثة حقيقة ويطول المقام بسردها .

إن هذه الارقام ليس الهدف منها ان أقلل من شأن امة الإسلام او نظر نظرة متشائمة أنما اقصده بالضبط هي أن تعلم كل ما يفيد ونتعلم من الأخطاء وندق ناقوس الخطر وجرس الاستيقاظ لنستيقظ من نوم عميق فالمريض لا يتناول العلاج حتى يتم اقناعه بأنه مريض اولاً والا فأنه سيرفض تناول العلاج بل سيرفض فكرة الذهاب الى الطبيب مسبقاً .

والمرض العضال أننا لا نكتفي بالصمت عندما يُطلب منا أن نقرأ او نسمع عن أن شخصاً ما يقرأ ويطالع لكننا نقوم بارتكاب حماقة أعظم وأفدح وهي التمسخر بكل مَن نراه يُمسك بكتاب بين يديه ونصفه بأنه مريض نفسي ومعتوه ولا يعرف مصلحته ونكيل له سيل من عبارات اللوم والتجريح والتأنيب ونتهمه بانه ليس لديه عمل وفي أحسن الاحوال إذا طلب منا القراءة نبررعدم القيام بها بسبب ضيق الوقت واذا أحصينا الساعات التي نتلفها في الغيبة او الدردشة على النت او بمضغ القات او امام المسلسات وما الى ذالك فالقائمة تطول بالأعمال التي لا تسمن ولا تغني من جوع وعلى الباصات مثلاً فأننا نكتفي بالتطلع الى وجوه المارة في الشارع وعلى الرصيف ولا يحمل اي شخص كتاب منا ليقرأه منه ولو صفحة واحدة على الأقل بالرغم من انتشار القراءة على وسائل النقل في الدول الاوربية بشكل غير عادي .

 ولكن الشي الوحيد الذي أكاد اجزم به أن لدينا الوقت الكافي لنقراء عشرات بل ومئات الكتب ولكننا نحاول أن نتهرب ونلقي باللأمة على الوقت الذي لاذنب له او على الحكومات و المدارس والمعلمين او الاباء والامهات الذين لم يغرسوا فينا حب القراءة والمطالعة وننسى ان نلوم أنفسنا ولو كل شخص فكر بوقت فراغه وعقد العزم على استغلاله لوجد ساعات طوال يومياً يستطيع أن يستغلها أيما استغلال ولقد جربت انا ذالك .

والطامة الكبرى أن البعض يفكر بطريقة اخرى تماما ويمشي عكس كل التيارات فيتسأل ما هي فوائد القراءة وأقول بأن هناك الكثير والكثير والكثير من الفوائد الجمة التي يطول المقام والمقال بذكرها فالقراءة هي العلم وفائدتها هي فائدة العلم ولابد انك تعلم أكثر مني عن فوائد القراءة والكتابة .

وحيث ان دور الاعلام كبير جدا ومن هنا فأنا اقترح على وسائل الاعلام المختلفة من صحف وتلفزيون وراديو ومواقع الكترونية العمل على نشر ثقافة القراءة والاهتمام بالكتاب وتخصيص ركن خاص بالكتاب لما لهذا الموضوع من اهمية بالغة .

Alathwari2000@gmail.com


في الجمعة 16 فبراير-شباط 2007 09:58:17 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.net/articles.php?id=1161