بأيديهم ... وأيدي الأتراك
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 23 يوماً
الخميس 03 يونيو-حزيران 2010 10:04 ص

وأنا أستمع لردة القول (لا الفعل) من قبل حلفاء إسرائيل ومن بعض السياسيين والمحللين العرب وغير العرب، كل أولئك كان رئيس وزراء إسرائيل عن ترويعهم وإفزاعهم مسئولا، فمنهم من امتعض، ومنه من صدم، ومنهم من ذهل، وهكذا تنوعت أشكال الترويع والفزع وبرزت في تلك ألألفاظ، حتى وصل الأمر عند البعض إلى اتهام إسرائيل بالجنون والهذيان والغباء. 

بيد إننا باعتبارنا مسلمين ومؤمنين بقرآن ربنا لم يشكل لنا ما قامت به إسرائيل وما تقوم به على الدوام أي مفاجئة حتى نصاب بالذهول أو بامتعاض (أوباما) وصدمة (بلير) بل إن ذلك العمل الغبي يشكل لنا نحن المؤمنون ظاهرة صحية؛ لأن القرآن الكريم قد تحدث عن تلك الأوصاف والمنح التي قال بها الحلفاء والمحللون والسياسيون ليمنحوا إسرائيل إياها، فقد قال القرآن الكريم عن هؤلاء قبل كل المحللين والحلفاء بأنهم (لا يفقهون) تارة ولا (يعقلون) تارة أخرى، فهي إذا أي أعمال إسرائيل الغبية مبشرة بالزوال القريب لدولتهم، وهذا ما أوحى به إلينا قرآننا بيد أننا لا نتدبر آياته، وهو ما سوف أشير إليه لاحقا.

إن إسرائيل لم يكفها في الحقيقة ما أقامته من سدود وجدر مختلفة الأنواع والأجناس والأمكنة؛ فمنها ما هو أسمنتي، ومنها ما هو فولاذي، ومنها ما هو سلكي الكتروني، أما من حيث المكان فمنها ما هو فوق الأرض، ومنها ما هو تحت الأرض كل تلك السدود والجدر والحواجز لم تزيل حاجز الخوف من قلوب الإسرائيليين لأنهم كما قال الله (أحرص الناس على حياة) لذلك لم يكفها كل ما قامت به من تلك الحواجز والسدود على الحدود وكان المطلوب منها أن تقيم حاجز الخوف في القلوب وتقصد بالذات الغربيين؛ حيث إنها قد استطاعت أن تصنع ذلك الخوف في قلوب أنظمة العرب.

فأرادوا إذا أن يبنوا حاجزا من نوع آخر، لنوع آخر من البشر لم ترق لهم فكرة الحصار على غزة فأرادوا إحداث عوازل وحواجز نفسية هي بجانب حواجز الاسمنت، والفولاذ، والأسلاك والشائكة، حواجز نفسية مكانها زرع الخوف في قلوب من هم دائما همهم فك الحصار فهي تريد أن تزرع بدل ذلك الهم الخوف وتظن أنها بذلك أحكمت قواعدها، وما علمت أنها تحفر تحت تلك القواعد، لأن الذي يقف وراء قوة إسرائيل هم الحلفاء، وهي الآن تحرجهم كثيرا، وتكثر من النقاط السوداء..

ففكرت وقدرت ثم فكرت وقدرت كيف تسكت هؤلاء المتضامنين الذين يمثلون لها شوكة في الحلق، فكان منها أن مكرت (والله لا يحب الماكرين)، وأفسدت (والله لا يحب الفساد). إسرائيل أرادت بفعلها ذاك أن ترهب العالم، فاختارت المكان المياه الدولية (لا الإقليمية) حتى توصل رسالة إلى شعوب العالم؛ مفادها: أن القانون الدولي لن يحميكم، وهذا هو ما شاهدتموه وشاهده العالم بأعينهم حتى يتعظ بعد ذلك كل من تسول له نفسه فلا يجرأ حتى على التفكير فكيف بالإبحار هكذا فهمت فظنت أن القوة ترهب الناس وما علمت أنها سوف تزيدهم إصراراً، ذلك (بأنهم قوم لا يفقهون) و(ولا يعقلون) ما سلف وبينا وما فعلهم هذا إلا أكبر دليل على بلادتهم وغبائهم؛ لكنها في النهاية إرادة الله، ومزيد من الحفر تحت أساسات وقواعد الدولة العبرية.

فقد كان مغزى إسالة دماء الأبرياء الذين أهمهم جوع أطفال غزة، وكهولها ومرضاها وكل محاصريها، فسولت لهم أنفسهم قتل البعض حتى تصل إسرائيل إلى غايتها في تخويف الناس من التفكير مرة ثانية في الإقدام على محاولة كسر الحصار وتأبى إسرائيل إلا أن تحكم حلقاته وتكتمل في القلوب بجانب الحدود.

والله يريد غير ذلك, ويأبى الله عز وجل إلا شيئا آخر, نقرأه على الدوام في الكتاب المكنون والمحفوظ دائما بيد أننا لا نتفكر فيه ولا نتدبر ولعل اقرا القرآن بأن اليهود لا يفقهون تارة ولا يعقلون تارة يفسره قوله تعالى أيضا (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (سورة الحشر:2). ففي الآية الكريمة إشارة إلى أن اليهود سذج وحمقى ويفكرون بطريقة غبية.

إن العقل القرآني الذي يريده لنا القرآن يقرأ مواقف إسرائيل المتلاحقة أنها بمثابة استمرار الحفر تحت الأساسات التي بنوها وشيدوا عليها دولتهم، هذا ما نفهمه من القرآن الكريم، فهم في كل مرة يحدثون نقطة سوداء في صفحتهم التي أوشكت أن تسود أو تكاد في نظر حلفائهم الغربيين وهم بالأمس زادوا الحفر عمقا بأيديهم وأيدي الأتراك، وأقصد الأتراك هنا لأنهم أثبتوا للعالم ولكل المزايدين على مواقفهم بأنهم نعم الرجال ونعم الأبطال، وهم الرجال الآن بتصور العالم الإسلامي أقصد (الشعوب) لأنهم الأتراك هم من يقف صراحة أمام غطرسة إسرائيل لوحدهم، ولأنهم الأتراك هم أكثر من ضحوا وأهدوا قدسنا وإخواننا في غزة دمائهم قبل المساعدات.

فالمساعدات لم تصل لكن الإرادات وصلت ولن تضيع الدماء سدى، وما أشبه هذه الحادثة إلا بحادثة بدر؛ حيث كان المسلمون في المدينة ينتظرون الأموال والغنائم من قافلة قريش عندما خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الصحابة الكرام للاستيلاء على قافلة قريش فلم يرد الله لهم القافلة بل أراد لهم ما هو أفضل الحرية والعزة والكرامة، أراد لهم الفتح ودخول مكة، وتطهير الكعبة من الأصنام، هذا ما قدره الله وقد كانوا قدروا لأنفسهم غير ذات الشوكة (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) (الأنفال:7). ولعل الله قدر لحماس أن تدخل القدس وتطهرها فهي ثاني القبلتين وليس ذلك على الله ببعيد.

هذا ما قاله القرآن عن اليهود وهذا ما أقره ولا يبقى سوى وجود المؤمنين حتى يتم معنى الآية، لا بد من وجود المؤمنين الرجال، ولست أرى تركيا حكومة وشعبا إلا ذلكم الرجال الذين قال الله فيهم (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب:23). وهاهم بعض الأتراك (أعني الرسميين) قبل الشعب قد قضوا نحبهم ومنهم من ينتظر ولن يتوقفوا عن النيل من غطرسة إسرائيل وتقليم أظافرها شيئا فشيئا، ولعل تقديم الدماء وبذله على ساحة أسطول الحرية هو أكبر الصدق، وأقوى البراهين على موقف حكومة تركيا المسئولة أما م ربها، وأمام القدس وإخوانهم المحاصرين في غزة وأمام الشعب التركي الذي أوصلها إلى مكان وصنع القرار ونعم ما صنع فنعم الشعب ذلك الشعب ونعم الحكومة هي تلك (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).