المدونون.. ضربة حرة في مرمي القمع العربي
بقلم/ محمد منصور
نشر منذ: 15 سنة و 10 أشهر و 9 أيام
السبت 17 مايو 2008 07:14 م

طلبت إحدي المجلات الفنية المتخصصة مني قبل نحو ثلاث سنوات، أن أكتب دراسة عن أثر الإنترنت علي التلفزيون، ضمن عدد خاص أصدرته عن الشبكة العنكبوتية وأثرها علي الفنون كافة... ولو أردنا أن ندرس تأثر التلفزيون اليوم، فلا بد أن نضيف إلي الحديث أثر الموبايل في صناعة الإعلام التلفزيوني بل والرأي العام... ذلك أن هذا الجهاز الاتصالي الحيوي العظيم الأثر، والذي أصبح في جانب من جوانبه صناعة ترفيهية، تغري مستخدميه والمهووسين بصرعاته بتبديل أجهزتهم بين فترة وأخري، لملاحقة المزايا المضافة إليه والتي لا تكاد تنتهي... أصبح هذا الجهاز عاملا مؤثراً في مواكبة لحدث... فكاميرته المحمولة التي لا يزيد حجمها عن بضعة سنتمترات، والتي تعلو جودتها ودقتها جيلاً بعد آخر من أجيال هذا النسل السعيد، تنقل لنا اليوم أحداثاً ما كان بالإمكان نقلها، وترصد وقائع ما كان بالإمكان الوقوف عليها، وخصوصاً في الأماكن التي يحظر علي الكاميرات التلفزيونية دخولها أو يصعب تواجدها... وكلنا يذكر ما فعلته كاميرا الموبايل في مشهد إعدام الرئيس العراقي صدام حسين علي سبيل المثال لا الحصر!

أسوق هذه المقدمة للحديث عن الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة الجزيرة مؤخراً عن ظاهرة المدونين تحت عنوان: المدونون... الصحفيون الجدد ذلك أن أغلب الخبطات الصحفية الكبري التي حققها المدونون العرب في السنوات الأخيرة، كانت من خلال مقاطع فيديو صورت بكاميرات أجهزة الهواتف النقالة... وبالتالي أتاحت هذه الكاميرا لهؤلاء الصحفيين الهواة، أدوات عمل، ما كانت لتتاح لهم لولا كاميرات الهواتف النقالة، السهلة التداول، الصغيرة الحجم، الرخيصة الثمن!

رصد برنامج المدونون... الصحفيون الجدد ظاهرة المدونات التي تتيح مساحات تعبير مجانية في مواقع الإنترنت الكبري، لإنشاء صفحات خاصة لمن يشاء... وتابع أثر هذه الوسيلة الجديدة علي رصد الأحداث التي اعتادت الأنظمة العربية أن تعتم عليها في إعلامها الرسمي، أو تضع العوائق أمام تغطيتها في وجه الإعلام الخارجي الحر عربياً كان أم عالمياً. ففي مصر مثلاً... فجر صحفيو هذه المدونات أحداثاً شغلت الرأي العام المصري والعربي طويلاً، مثل فضيحة التعذيب في أقسام الشرطة، وما جري للمواطن عماد الكبير علي سبيل المثال لا الحصر... حين وقع بين يدي ضابط شرطة سادي، قام بتعذيبه جنسياً، ودعا ثلة من أصدقائه المرضي لمشاهدة صور تعذيبه التي صورها بكاميرا الموبايل، والتي أعاد الفيلم المذكور عرضها، لتكون عاراً علي النظام الذي ينتمي إليه... حتي بعد أن حوكم الضابط الجاني وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات!!

كما تطرق الفيلم إلي متابعة المدونين المصريين لإضرابات عمال المحلة الأخيرة في مطلع شهر نيسان إبريل المنصرم، حين قام المدون كريم البحيري بتصوير اعتصامات وإضرابات عمال المحلة والصدامات العنيفة التي وقعت مع أجهزة الأمن والاعتقالات التي طالت أناساً بسطاء تظاهروا من أجل لقمة العيش!

ولعب المدونون كذلك دوراً في تحقيق نوع من الرقابة علي الانتخابات، من خلال حركة شايفينكم التي رصدت الخروقات الفاضحة في الانتخابات المصرية في وقت سابق. لكن أخطر حالة رقابة وأكثرها إثارة للإرباك، كانت في المغرب حين رصد مدون مغربي مجهول، اشتهر باسم قناص تارجيست كيفية تلقي عناصر شرطة المرور المغاربة الرشاوي من السائقين بالصورة الحية الفاضحة، التي تكشف حجم الفساد الذي أصبح سمة من سمات رجال الشرطة وأجهزة الحكومات العربية المختلفة... وهو مشهد ليس خاصاً بالمغرب، بل يعرفه المواطن السوري ايضاً... وقد سبق لبعض المسلسلات الكوميدية السورية التطرق إليه، حين تم إسعاف شرطي مرور مصاب إلي أحد المستشفيات، فاكتشف الطبيب مبالغ الرشاوي الكثيرة وهي مخبأة في جوربيه!

طبعاً يبقي الرصد الواقعي أبلغ تأثيراً من أي تصوير درامي... فهو يشكل وثيقة إدانة لا يمكن التنصل منها، الأمر الذي دفع المدون المغربي المذكور، إلي عدم الكشف عن هويته، رغم كثرة المحاولات الاستخباراتية السيئة النية، والإعلامية الحسنة النية للتعرف عليه!

ورغم أن آلية عمل المدونين بقيت إلي الآن، تدخل في حيز النشاطات الهاوية، والتطوعية التي تفتقد إلي الاحتراف... إلا أنها في الواقع ـ وكما أبرزها الفيلم ـ استطاعت أن تسجل هدفاً في مرمي القمع العربي... فهذه الحكومات التي تمتلك أجهزة الإعلام الوطنية فتحولها إلي أجهزة ترويجية تضخم إنجازاتها، وتبرر أخطاءها، وتغض الطرف عن كوارثها وجرائمها، وهذه الحكومات التي تقول إنها تتعامل مع صحافيين وصناع رأي عام، لكنها في الواقع تشتريهم، وتقزمهم، وتحولهم إلي أبواق وشهود زور، وهذه الأنظمة التي تمتلك حق إصدار المراسيم، وسن القوانين ثم خرقها، وتجريم أي عمل سلمي أو احتجاجي، يسعي لتغيير الدساتير، ثم تقوم هي بتعديل تلك الدساتير متي شاءت ولأي غاية أرادت، وهذه الأنظمة التي تملك السجون وفروع المخابرات والمحاكم والقضاة وأجهزة الرقابة علي المطبوعات، وتملك حق فتح الشوارع في وجه مسيرات التأييد، وإغلاقها في وجه مسيرات الاحتجاج، وحق فتح الأفواه للهتاف بالروح وبالدم، وتكميمها في حالات الاحتجاج والصراخ ضد الألم والجوع والفساد... وهذه الأنظمة التي تملك الحقيقة وتضعها في جيبها، وتملك توزيع صكوك الوطنية وتهم التخوين والعمالة... وجدت أخيراً من يمرر هدفاً إلي مرماها ولو عن طريق التسلسل...

إن حركة التدوين تكبر... والأصوات والوجوه التي تسعي لرصد الحقيقة، ومتابعة الخبر قبل تزويره، تزداد عدة وعتاداً... والأهم اليوم، ليس أنها مجرد خرقاً لجدار الصمت والتعتيم الجاثم علي صدور الأوطان العربية، بل أنها نواة لحالة وعي... حالة وعي بحقوق المواطنة، وبإمكانية هدم جدار الصمت، وبالأمل من أن يتحرر الشباب العربي من منظمات التدجين، ووسائل إعلام الكذب والنفاق والتعبئة الجماهيرية، التي تداس فيها الحقيقة والحقوق تحت أرجل إعلام عديم الضمير، وأعمي البصر والبصيرة!

لا ينتظر أن يغير المدونون المشهد الإعلامي العربي، فهذا المشهد قد تغير بالفعل بظهور الجزيرة قبل أكثر من عشر سنوات، ثم توالي القنوات الإخبارية الأخري بما لها أو بما عليها، لكن ينتظر أن يصبح المدونون مشهداً رديفاً لهذا التغيير الإعلامي... فصراع الإنسان العربي ضد أنظمة تكميم الأفواه والقمع والفساد والغلاء، وضد تجار الشعارات والوطنية وسماسرة إلهاء الشعوب عن تحسس جراحها وآلامها، يبدو أشد وأمضي من أي صراع شهده أو خاضه خلال معركته الطويلة مع الاستعمار بكافة أشكاله مسمياته!

ولئن بدت الصورة الفنية في فيلم المدونون... الصحفيون الجدد تعج بالفوضي، وتعاني من الاضطراب... إلا أن الصورة الفكرية التي حملها الفيلم، والتي صاغها صناعه بحرارة وموهبة عالية، جديرة بكل تشجيع وتقدير!

معركة الممثلين العرب في مصر: حرية الرأي تنقذ ماء الوجه!

تعامل الإعلام المصري بذكاء مع معركة الممثلين العرب، التي أثارها نقيب الممثلين أشرف زكي بتحديد عمل واحد لكل فنان عربي في مصر، ثم التراجع عن ذلك ودعوة الفنانين العرب الذين يودون العمل إلي الانتساب إلي نقابة الممثلين في مصر كما صرح بذلك في برنامج البيت بيتك مع محمود سعد علي الفضائية المصرية!

وكان موقف النقاد المصريين أشد إثارة للإعجاب سواء في الإعلام المصري أو الإعلام العربي الذي تابع القضية، ذلك أن الجميع أدرك أن مصر الفن والثقافة والصحافة استوعبت الجميع في الماضي من أبي خليل القباني مؤسس المسرح الغنائي فيها، إلي صحفيي بلاد الشام الذين أسسوا أهم ثلاث مؤسسات صحفية في مصر هي الأهرام ـ الهلال ـ روز اليوسف هي قادرة أيضاً أن تستوعب الجميع اليوم، فلا جمال سليمان ولا تيم حسن وجمانة مراد، سوف يهددون عروش الفن المصري، لأن هؤلاء أتوا نتيجة تراجع هذا الفن وترهل حركته الدرامية، ولم يكونوا سبباً للتراجع!

لكنني أريد أن أشير في هذا السياق، إلي أن من صنع ردة الفعل التي تستحق الاحترام تجاه قرار تعسفي ضيق الأفق، هو هامش الحرية الذي يتمتع به الإعلام المصري نسبياً وخصوصاً في مسائل الفن... ولو أن هذا الشيء حدث في إعلام كالإعلام السوري ـ أي لو صدر قرار مماثل بمنع ممثلين عرب من العمل في سورية ـ لتعامل معه الإعلام السوري، وفق نفوذ وقوة صاحب القرار، ولمنعت وجهات النظر المعارضة من الظهور أو خرق أوركسترا الإطناب والتهليل لهذا القرار الحكيم الذي يحمي الفن السوري... وأذكر في سنوات سابقة، وتحت ستار دعم الأغنية السورية صدر توجيه من وزير الإعلام الأسبق محمد سلمان، بتقليص بث الأغنيات المصرية واللبنانية في برامج التلفزيون السوري، وعلي برنامج الفترة في البث اليومي... لكن أحداً لم يعترض أو يحتج... ولم يذكر السيد الوزير بأن دمشق قلب العروبة النابض لأنه إعلام وجهة النظر الواحدة في القضايا الصغري والكبري معاً... وإن تم التراجع عن هذا الإجراء تدريجياً، بفعل الخروقات الفردية غير المقصودة... ثم تراجع نغمة دعم الأغنية السورية بفعل التغييرات الوزارية التالية! 

برامج الصحافة: قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت؟!

في حين يفترض أن برامج الصحافة أو عناوين وقراءات الصحف، التي تشكل ركناً أساسياً في معظم المحطات الفضائية، تمثل وجهات نظر متعددة ومتباينة، يتم استعراضها بشيء من الموضوعية والحياد، والرغبة في إطلاع المشاهد علي مصدر آخر من مصادر المعلومات، وصناعة الرأي العام، فإن برامج الصحافة في كثير من القنوات الفضائية العربية، تعكس اتجاه القناة السياسي، وتوجهها الإقليمي، ومصادر تمويلها الخفية أو المعلنة... فكل محطة تستعرض عناوين الصحف التي يرضي عنها النظام الذي يرعي القناة... فقناة المستقبل مثلا لا تهتم كثيراً بقراءة عناوين الصحف المحسوبة علي المعارضة اللبنانية، إلا في سياق اصطياد خبر علي طريقة من فمك أدينك وقناة المنار لا تستعرض عناوين صحيفة المستقبل ، ولا تتحمس دائماً لـ النهار ... ولا تلتفت لـ الشرق الأوسط وقناة العربية تتحاشي القدس العربي والفضائية السورية لا تجد أفضل من تشرين والبعث والثورة لأنها صدي السنين الحاكي كما يقول الشاعر... وهي مغرمة بـ الديار للصديق شارل أيوب و الأخبار للحليف حزب الله... وتعتبر السفير أهون الشرين بالنسبة لـ النهار و الحياة وهي متكيفة مع الصحف السورية الخاصة لأنها لا حول لها ولا قوة... ومع الصحف القطرية والإماراتية والبحرينية لأنها لا تغضب أحداً، أما المصرية والكويتية فحسب اتجاه الريح ودرجة الحرارة!

وجميع المحطات الفضائية العربية، تتابع الصحف الإسرائيلية من منطق اعرف عدوك لكنها لا تتابع الآراء المعارضة لا من منطق انصر أخاك ولا صديقك من صدقك !

حقاً إن برامج الصحافة في القنوات الفضائية كافة، هي فضيحة الرأي والرأي الآخر بكل معني الكلمة!